الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
كيف حوّل بوتين (الأسد) لكرسي في حي المهاجرين
شيار

يحاول الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أن يثبت للمحيط العربي والدولي مدى تحكمه وسيطرته على النظام السوري، وذلك من خلال زياراته المتكررة لمواقع وقواعد عسكرية روسية في سوريا، ودعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد ليتباحث معه آخر التطورات، ضارباً البروتوكولات الرئاسية الرسمية عرض الحائط.


لم تعد سوريا بالنسبة للدب الروسي إلا ثكنة عسكرية اقتصادية، يتنافس من خلالها على نفوذه في المنطقة مقابل النفوذ الإيراني المضاد له ولأجنداته، فبالرغم من الدعم الروسي المفتوح للنظام السوري ومحاولته بقاء هذا النظام على حساب دماء السوريين، إلا أن الصور المسرّبة من قبل الإعلام الروسي خلال لقاءات بوتين بالأسد توضح مدى انعدام احترامه للأسد ولمنصبه كرئيس لنظام الحكم في سوريا، عكس ما كان يروّجه النظام بأن روسيا تسعى للحفاظ على سيادة سوريا وبقاء النظام متماسكاً بوجه ما سماهم "الإرهابيين" أو "الجراثيم" من شعبه.


بدأت أولى تلك الصور بالانتشار خلال زيارة الأسد لقاعدة حميميم الروسية في اللاذقية ولقاءه بالرئيس الروسي عام 2017، وتبادل الابتسامات مع شكر الأسد له بالجهود الروسية التي ساهمت "باستعادة السلام في سوريا"، واستقباله بحرارة مرحباً به بقوله: "أنا سعيد جداً بهذه الزيارة الهامة جداً"، ليرد عليه بوتين بعبارة مختصرة للغاية وهي "سوف نتحدث"!.


تلك العبارات والنظرات التي ما لبثت أن تبدلت وانقلبت إلى أمر آخر، عندما حاول ضابط روسي منع الأسد من الالتحاق ببوتين، فقام الضابط الروسي بوضع ذراعه ليوقف الأسد (ذلك الديكتاتور الذي قتل وشرد نصف شعبه)، فما كان من الأسد إلاّ أن يهزّ برأسه موافقاً على طريقة المنع تلك، ليكمل بوتين سيره على أرض المطار السوري، كملك للساحة كلها، وليبدأ بخوض حديث مع عساكره هناك، فيما يقف الأسد خلفه إلى جانب عدد من الضباط الروس، وكأنه ضابط مراسلات في الكرملين.


اكتملت الصورة والرسالة أكثر عندما نشر الإعلام الروسي صورة في جنوب دمشق التي عقدت روسيا والنظام فيها "مصالحة" مع المعارضة المسلحة، حيث يظهر في الصورة ضباط روس يعتقلون عناصرَ من قوات الأسد يرتدون الزي العسكري الرسمي، منبطحين على الأرض، يعاقبون من قبل الجنود الروس لقيامهم بعمليات "التعفيش" التي مارسوها بالمنطقة، وكأن وزارة الدفاع الروسية هي من تدير تلك البلاد وميليشياتها التابعة للأسد.


غير أن لقاء بوتين - الأسد الأخير بمقر القوات الروسية في دمشق كانت الصدمة الأولى التي شكّلت رعباً وربما حقيقة جديدة لمواليه بدون صور الأسد الأب والإبن، حيث علّقت صورة بوتين إلى جانب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في حين غاب عن تلك الصور ابتسامات الأب والإبن، التي اعتادها السوريين في محلاتهم ومؤسساتهم الرسمية ومدارسهم، وأحياناً في غرف نومهم، مع غياب العلم السوري بجانب الآخر الروسي، وجلوس وزير الدفاع السوري علي عبدالله أيوب على كرسي منخفض نسبياً مقارنة بكرسي نظيره الروسي.


يتقصد -ربما- الكرملين تسريب هذه الصور، لإرسال رسائل داخلية ودولية بأن الأسد وسيادة هذا النظام بات بيد الروس، الذين يستمرون بقصف المناطق المدنية في سوريا بحجة محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين على حساب الدم السوري، وباتفاق كامل مع تركيا لتوزيع ما تبقى من المناطق السورية واحتلالها، واختصار السيادة السورية بقصر المهاجرين في دمشق.


إن تحليل تلك الصور ليس له معاني أوسع مما ذُكر هنا، أي أن روسيا لم تعد متمسكة بالأسد، وأنها لربما ستصل قريباً إلى صيغة اتفاق مع الجهات الدولية تجبر رأس النظام السوري على التنحّي من منصبه، حيث باتت موسكو هي من تسيطر على مقاليد الحكم في دمشق، وبات الأسد معزولاً في قصره المحاط بالحرس الروسي بدمشق.


 


نعم يا سادة، إن بشار الأسد، الزعيم السلطوي الذي أرعب المدنيين من شعبه في المدن والقرى السورية، ووجّه دباياته وصواريخه وبراميله لقتلهم، بمجرد أنهم طالبوا بالحرية والكرامة، بات اليوم معزولاً عن كافة القرارات الرئاسية في مملكته، تتحكم طهران وموسكو بمفاصل حكمه، كلاً منه يصارع الآخر لتوسيع نفوذه أكثر والسيطرة عبر ميليشياته في المنطقة على امتدادات جغراقية أكثر تحقق المكاسب الوفيرة للطرفين على حساب دمار السوري في تلك الأرض.


إن هذه الصور المتتالية عن إذلال الأسد ومنصبه الرئاسي لسوريا، هي تتمة للعقود التي وقّعها الأسد مع روسيا من خلال منحهم المطارات والموانئ السورية لعشرات الأعوام، وفق عقود رسمية قامت موسكو بتسريبها، لتثبت لإيران أنها الأقوى والأسرع في إخضاع الأسد لشروطها الاحتكارية، فالرسائل المتتالية تقول أن رأس النظام هذا، لم يعد له مكان في مستقبل السوريين، وأن ورقته انتهت بعد أن نفّذ أجندة تلك الجهات بتشريد وقتل السوريين، ودك الآلاف منهم في المعتقلات والجبهات الأولى ليقتل السوري الآخر المناقض لرأيه السياسي في حكم البلاد.


 


كاتب وصحفي - من أسرة جريدة ليفانت


 



 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!