الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
لماذا الديمقراطية مؤجلة في العالم العربي؟
كمال اللبواني

السبب باختصار داخلي بني عليه موقف خارجي، وهو احتمال أو حتمية وصول الإسلام السياسي للسلطة بتلاوينه ومنظماته، فمعظم التجارب الانتخابية التي جرت وتجري تنتهي بوفز الإسلاميين، بدءاً من الجزائر، التي ألغت الانتخابات بعهد الشاذلي بن جديد الذي استقال حينها، ودخلت بحرب أهلية انتهت بسيطرة العسكر، مروراً بالأردن الذي ما يزال يعيش صراعاً مستمراً، لكنه بارد حتى الآن، وصولاً لغزة التي تحولت لدولة دينية بإدارة حماس، هذا حتى نهاية القرن العشرين.

لكن بعد أحداث أيلول 2001، ظهرت فكرة أن الاستبداد هو من يولد التطرف والجهل والتعصب والفقر والعنف الذي يترجم نفسه أخيراً بإرهاب إسلامي، لكن هدم نظم الاستبداد لم ينتج عنه نظم ديمقراطية كما حصل في العراق، مما أوقف سياسة فرض الديمقراطية التي نتج عنها الفوضى وانتشار الإرهاب.

مع الربيع العربي عاد الأمل بولادة الديمقراطية بواسطة جماهير الشارع التي اندفعت بالملايين، ولكنها سرعان ما توجت الإسلام السياسي قائداً لها، وهكذا انتهت تجربة تونس وليبيا ومصر، وتبعتها اليمن وسوريا، مما دفع بالغرب لإعادة تحالفه مع نظم الاستبداد واعتماد العسكر لفرض استبداد عسكري من جديد، ريثما تستنزف تلك الجماعات وتنضج بيئة ثقافية وحاملاً اجتماعياً لا يقوده الإسلام السياسي.

بقي السؤال المطروح، لماذا لا نكون مبدئيين ونقبل بنتيجة الانتخابات؟ الجواب يأتي لأن الإسلام السياسي لا يستطيع التعايش مع الديمقراطية، فهو يقبل بها ويستعملها للوصول للسلطة لكنه بعدها يعدل النظام ويجعله مقيداً بالمرجعية الدينية، ويعود لقاعدة الاستبداد، في النتيجة يصل الإسلام السياسي للسلطة عن طريق الديمقراطية ويتسمر بها، ويباشر بقتل الديمقراطية وتقويضها، ويصعب بعد ذلك إزاحته عن السلطة، تماماً كما حصل في إيران، فالديمقراطية ميتة في كلا الحالتين، ومن الغباء السماح لهم بالقفز للسلطة بسهولة، خاصة وأن فكرهم يهيّئ الأرضية الواسعة لاستمرار الإرهاب الإسلامي بصوره السياسية والعسكرية والثقافية الخشنة والناعمة، لذلك فالغرب يرى أن نظم الاستبداد العسكري الفاسدة الهشّة هي عدو نعرفه يمكن إزاحته بجرائمه بأي وقت، معادٍ لشعبه أكثر بكثير من عدائه لنا، لكن الحركات الإسلامية عدو لنا وللحرية أيضاً، عدو لا نعرفه ولا نستطيع توقع قدراته، خاصة بسبب شعبية الإسلام وتجذّره في المجتمع والثقافة.

باختصار.. لكون الإسلام ديناً ودولة، أي بسبب عدم وجود مبدأ فصل الدين عن الدولة، فإن الديمقراطية مؤجلة، حتى تدني شعبية الإسلام وإفلاسه كأيديولوجية سياسية على الأقل، أو حتى يتم الإصلاح الحقيقي في هذا الدين لكي يقبل ويحترم النظام الديمقراطي، فالديمقراطية بغياب ذلك حتى لو فرضها الغرب بجيوشه، فإن هذه الديمقراطية ستموت بسبب سلطاتها التي تنتجها ذاتها.. ابنها سيقتلها في كل حال، كما حصل في مصر عندما شرعت السلطة المنتخبة بتعديل الدستور لتجعله مقيداً بالمرجعية الدينية والفتوى الصادرة عن التنظيم السياسي، مما دفع بدول الغرب لدعم الانقلاب العسكري على السلطة الديمقراطية مخالفة كل مبادئها التي تعلنها. وهو ذات السبب الذي يجعل الغرب متمهلاً كثيراً في إسقاط نظام بشار رغم ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية ورعايته للإرهاب وتجارة المخدرات.

 

ليفانت - كمال اللبواني

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!