-
لماذا طال أمد الصراع في سوريا؟.. قول ما لا يقال
من أبرز مفارقات الثورة السورية أنّ النظام وحلفاءه لعبوا على «ورقة الإرهاب» ونجحوا في تسويق ثورة الكرامة السلمية الشعبية على أنّها حركة إرهابية تشكل تهديداً للسلم العالمي، ولم يكن للنظام أن ينجح في تسويق تلك الكذبة الكبرى لولا تفسُّخ القيم لدى المجموعة الدولية، واحتضان الثورة من قبل دعاة «الإسلام السياسي»، الذين دافعوا عن تشكيلات القاعدة على اختلاف مسمياتها، فالشعب السوري الذي رفض الإرهاب «شكلاً ومضموناً» نظر إلى المثقفين الممسكين بقرار الثورة فوجد معظمهم داعماً للإرهاب أو ساكتاً عن تبعات انتشاره، ونظر إلى المجتمع الدولي فوجده مساهماً في إلباس الثورة الطيبة ثوب الإرهاب ثم تعيير الشعب السوري به.
والذي حدث بالضبط هو أنّ نظام الأسد عمد إلى شيطنة الثورة السورية بعسكرتها، ففشل في تحقيق معظم أهدافه بسبب انضباط «الجيش الحر» وابتعاده عن الممارسات الإرهابية. ثم عمد إلى شيطنة الثورة بأسلمتها تشدداً وتطرفاً، لكنه فشل كذلك في مسعاه بسبب المزايا الجميلة للشعب السوري الكاره للتطرّف الديني والتشدّد المذهبي، كما عمد إلى «تطويف» الثورة السورية وجرّ السوريين لحرب أهلية طائفية لكنه فشل كذلك في هذا المسعى، بسبب عراقة الشعب السوري وإرثه الحضاري.
فبعد كل هذا الفشل توجه النظام للعب الورقة التي يتقن استخدامها وله خبرة واسعة فيها، وهي «ورقة الإرهاب»، فتوجه إلى صانع القرار الأمريكي يطرح عليه «برنامج عمل» متكامل، يتضمن خططاً لإنهاء الإرهاب عالمياً، وتخليص المجتمع الدولي من شروره. هنا توقف الأمريكان أمام العرض ملياً، ودرسوه بشكل جاد، فأمريكا مهتمة جداً بهذا الملف، وحين تتقدم جهة ما لطرح حل لملف الإرهاب فإنّها لن تعرض عنه. وفعلاً كانت الدراسة مقنعة جداً قدم فيها النظام توضيحات لمراحل العمل، وإجابات عن أسئلة مهمة، وخلاصة البرنامج بالشكل التالي:
♦ ينشئ نظام الأسد قطباً إرهابياً في الداخل السوري بالتعاون والتنسيق مع حليفه الإيراني يتكون من عناصر تابعة للمخابرات وآخرين من سجناء صيدنايا الذين سيفرج عنهم لاحقاً لتنفيذ الخطة. ومهمة هذا القطب التقاط عابري الحدود ممن سيجيئون لمحاربة النظام «النصيري» ومناصرة الشعب السوري «السنِّي»، وفقاً لخطابهم المتشدد.
♦ يعمل النظام مع حليفه الإيراني وعملاء آخرين على إنشاء مكاتب سرية وأخرى افتراضية تعمل على تجنيد الشباب المتحمس للتوجه إلى سوريا بهدف محاربة النظام.
♦ تعمل الولايات المتحدة على إيصال رسائل «إيحائيّة ملغوزة» إلى دول العالم لتسهيل إرسال المقاتلين إلى سوريا والتخلص منهم لترتاح الدول من نشاطاتهم وأفكارهم القتَّالة، الأمر الذي تستحسنه الدول، وخاصة تلك التي تعاني من آفة الإرهاب، سيحدث هذا بطريقة أنّ الذاهب لا يعود وأنّه يجب أن ينتهي أمره في سوريا.
♦ تتعاون أمريكا مع إيران في السماح لها بتحشيد «فرق الموت» الطائفية الذين تجنّدهم من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان، لتأجيج الصراع الطائفي في المنطقة.
♦ تعمل أمريكا على إيصال رسائل إيحائية إلى الدول الغربية تطالب بتسهيل استقبال اللاجئين السوريين الهاربين من ويلات الحرب، والمطلوبين للنظام وللإرهابيين، لتكون سوريا ساحة صراع تدور رحاها بحروب شديدة القذارة.
♦ تستقبل عناصر القطب اللاقط الوافدين الجدد من الراغبين بمحاربة النظام، وتجري لهم أول عملية «غسيل دماغ» بحيث تتحوّل أهدافهم من مناصرة الشعب السوري ضد النظام وحلفائه إلى «إقامة الخلافة» الإسلامية و«تطبيق الشريعة»، والغاية هي «إعلاء كلمة الله»، فتتلاشى فكرة محاربة النظام.
♦ ثم تبدأ المرحلة الثانية من عملية «غسيل الأدمغة» بحيث يتوجّه حقد الوافدين إلى كل مسلم لا يؤمن بفكرة الخلافة، فمن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. وبالتالي يسمى هؤلاء «مرتدين» ويحكم «فقه المتشددين» على هؤلاء بالقتل ردة، فقتالهم أولى من قتال الكفار، فتنشرح صدور المجاهدين لفكرة مقاتلة «الجيش الحر»، والناشطين الإعلاميين والثوار وعموم المدنيين.
♦ بالنتيجة من جاء ليقاتل الأسد ويحمي الشعب السوري فسوف يتحول سريعاً لمحاربة الشعب ومفرزاته الثورية ويعفي النظام والميليشيات الداعمة له.
♦ بعد أن يفرغ الأسد من محاربة الشعب السوري والانتصار عليه سيعمل مع حلفائه على محاربة الفصائل الإرهابية وسينتصر عليها بسهولة لأنّه يعرف تماماً مواقعها فهو مالكها وسيدها.
قبلت أمريكا بتلك الخطة الرهيبة أو- على الأقل- لن تخسر شيئاً حين تقبلها، فهي تعلم أنّها المستهدف الأول من قبل جماعات القاعدة لأسباب محددة، وقد واجهت إرهاب القاعدة لثلاثة عقود، وشكلت تحالفاً دولياً لما يسمى «الحرب الكونية على الإرهاب»، وتكلفت- مع حلفائها- أموالاً طائلة في تلك الحرب، فعندما يتقدم نظام الأسد بعرض حيوي يتضمن القضاء على الإرهاب العالمي وحواضنه فلا بد أن تكون تلك فكرة مغرية للسياسة الأمريكية. يحدث هذا والولايات المتحدة على علم تام بأنّ نظام الأسد هو نظام إرهابي بامتياز، لكن إرهابه لا يؤثر كثيراً على الأمن القومي الأمريكي، بل يستهدف الشعب السوري، وبنسبة أقلَّ يؤثر على جيرانه. يحدث هذا والولايات المتحدة تعلم قبل غيرها أنّ هذا النظام بارع في صناعة تشكيلات قاعدية خاصة به يستخدمها- متى شاء- لتحقيق أهداف خبيثة. فسكتت أمريكا عنه لأنّه سبق وأن قدّم مشروعاً للأمريكان مشابهاً لهذا الأخير خلاصته- وفقاً لمنطق نظام الأسد- أننا في سوريا نصنع خلايا إرهابية لاختراق القاعدة، وخدمة السلم الدولي، فكان النظام يبيع معلوماته الحساسة جداً للأمريكان الذين استفادوا كثيراً منها في أفغانستان وغيرها، وتفادوا هجمات كانت مقررة ومخططاً لها من قبل القاعدة، وغالباً ما يكون النظام هو نفسه من يخططها.
لكن المشروع الأخير مختلف تماماً ومتقدّم جداً عن سابقه، لأنّه يستهدف القاعدة في جميع أنحاء العالم، ولا مشكلة لدى الأمريكي في تمديد بقاء الأسد في الحكم ريثما ينجز ما وعد به، وعندما يفرغ منه سيقول له الأمريكي: شكراً لك حيث جمعت الإرهاب العالمي في سوريا حتى صار من السهل التعامل معه، لكن لا بد من معاقبتك لأنك فعلت ذلك لقتل المدنيين لا لقتل الإرهابيين، بل إنك صرت تستخدمهم كورقة قوية ضد أمريكا وحلفائها.
إذاً أمريكا التي قبلت بخطة النظام اشترطت سلفاً على النظام أن يتجنب قتل المدنيين على نطاق واسع، وخاصة بالأسلحة المحرمة دولياً، فكان هذا الشرط هو المحدّد الزمني لانتهاء حكم النظام.
ليفانت - عبد الناصر الحسين
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!