-
لماذا نتابع الانتخابات الأميركية؟
دون أن نفكر، ودونما حاجة للتحفيز أو الحث أو التحشيد، تجدنا نضبط ساعاتنا على إيقاع الانتخابات الأميركية كل أربعة أعوام، نعيد قراءة آلية الانتخاب والتصويت، نطلع على المجمع الانتخابي في كل ولاية، نرصد تصريحات كل مرشح، نرسم خرائط احتمالاتنا، ننتظر بشغف كبير مناظرات المرشحين، نحلل فيما بيننا كل كبيرة وصغيرة، ونخلص إلى نتائج افتراضية عقلانية واقعية مرة، أو ناجمة عن أهواء شخصية تعزز لدى كل منا الأمل في تحقيق هدف يرتجى من فوز أحد المرشحين مرة ثانية، وقد نحتفل بفوز من يرضي أهواءنا نهاية الأمر، وربما شعرنا بخيبة أمل لعدم فوز من راهنت عليه تطلعاتنا .
ربما وجدنا في الأسباب الموضوعية السياسية والاقتصادية والشعبوية تفسيراً لحمأة متابعتنا تلك الانتخابات، فالولايات المهيمنة على العالم تدير أزماتنا ومن يدير الأزمة يمتلك الحل، والولايات تسيطر على الاقتصاد العالمي ومن يسيطر على الاقتصاد يمتلك مفاتيح المستقبل، والولايات قبلة شعوب الأرض يطمح كل قليل حظ إلى الوصول إلى أراضيها ومن يحكم الولايات يقرر مصير هذا الطموح، وليس مستغرباً أن تكون الأسباب السابقة حاضرة لأنها تقرأ واقع الحال وتندرج ضمن الأسباب المنطقية الموضوعية الناجمة عن ظروف فرضت نفسها ردحاً من الزمن، لكن المؤلم في الموضوع يكمن في الظروف النفسية والذاتية والتاريخية للشعوب الأقل حظاً، الشعوب التي تفتقر إلى أي ممارسة ديمقراطية، الشعوب التي لا تملك أداة واحدة من أدوات الديمقراطية، الشعوب التي حُكم عليها وحُكمت بديكتاتوريات تلعب دوراً وظيفياً لصالح الولايات وباقي الدول العظمى التي تتباهى بديمقراطيات تسيل لعابنا توقاً إليها دون أن يكتب لنا الظفر بالنزر اليسير منها .
لذلك تَرانا مشدوهين ونحن نراقب طوابير الشعوب أمام المراكز الانتخابية تختار من يحقق أهدافها وتطلعاتها بينما ترانا مذعورين شاحبين في طوابير أمام الفرن أو أمام مركز توزيغ الغاز أو على بوابات دوائر حكومية ومحطات وقود، تَرانا مشدوهين ونحن نراقب الشعوب تزدحم كي تعبر عن موقف أو رأي، بينما نحن نتراكم فوق بعضنا في معتقلات وزنازين نتيجة ارتكاب "جريمة" التعبير عن موقف أو رأي، تَرانا مشدوهين ونحن نراقب وسائل إعلامهم تعري المرشحين وتفند أقوالهم وادعاءاتهم بينما وسائل إعلامنا لاتنفك تلمع أزرار بدلة الحاكم وأحذيته، تَرانا مشدوهين من برامج مرشحيهم الانتخابية التي تسترضي الشعب وتتنافس على كسب صوته وخطب وده وهي تدرك أنها ستحاسب في الصناديق بعد أربعة أعوام بينما حكامنا يتربعون على عروشهم لا يرمش لهم جفن حيال جوع شعوبهم وتشردها وموتها، تَرانا مشدوهين من تداول دستوري أصيل للحكم من قبل أحزاب تستوعب الشعوب وتحضرها كي تكون الأداة الحقيقة والفاعلة في التغيير بينما حكامنا يحتكرون السلطة عقوداً طويلة متسلطين على شعوب أُفرغت حياتها السياسية إلا من حب السلطان .
عندما كنا صغاراً، كنا نخشى الذهاب إلى حفلة زفاف ليست أمهاتنا ممن دعين إليها، كنا نخشى أن يسألنا أحد أترابنا : هل أمك حاضرة في العرس ؟ فنصاب بالخجل و نعود من حيث أتينا خائبين مكللين بالأسى، وأمهاتنا اليوم لسن مدعوات إلى هذه التظاهرات، ونحن بالأصل لسنا مغرمين بقادة هُمُ في الأصل الذين سلطوا علينا حكامَنا وهُمُ من حرقوا ربيعَنا تالياً، لكننا غرقى في فراغ التعبير عن الانتماء، مصابون بداء التوق إلى إثبات الوجود، فكيف لا نتابع انتخاباتهم؟ وكيف لا نحفظ أسماء مرشحيهم؟ وكيف لا ننخرط في حياتهم السياسية متفاعلين ومتحمسين حد انقسامنا بين جمهوري وديمقراطي، اشتراكي ويميني، محافظ وعمالي، بديل وديمقراطي مسيحي؟
نحن محرومون، والمحروم يرى إلى ضفة المنعَم، ولو صير لنا ونعمنا ذات معجزة بدساتير تحترم إنسانيتنا وتحفظ كراماتنا لما فعلنا أقل مما يفعل المنعَمون، ولا أدل على ذلك من أن أناساً أوفر حظاً حين يُسِّرَتْ لهم الحياة في دول تنعم بتداول السلطة والديمقراطية انخرطوا في الحياة السياسية وانتسبوا إلى أحزاب تلك الدول ووصلوا إلى مواقع السلطة في كافة مستوياتها .
نحن شعوب تحب أوطانها، وتغار عليها، وتعشق أعلامها، لكننا منبوذون من حاكميها محرومون من ممارسة أتفه الحقوق فيها، لا تحمينا دساتير ولا تنصفنا قوانين، لا تجمعنا كلمة ولا تؤطرنا أحزاب، نحن خلاصة القول مقموعون محاربون ممن لم نخترهم يوماً ولم نحبهم يوماً لأنهم "سرقوا رقادنا واستراحوا" .
نزار غالب فليحان
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!