-
ما نزرعه نحصده – هكذا تجيب الكارما
تقع الحروب في كثير من دول العالم، ويعاني سكانها من الظلم والاضطهاد والقتل على مدار دورات حياتية مختلفة، وفي دول أخرى يكون لعواصف الطبيعة، كلمة الفصل في موت آلاف الضحايا كل عام، وخسارات مادية هائلة، وعند كل خضة تمر بها البشرية، تدور الأسئلة حول الحكمة مما يحدث. لماذا تُزهق أرواح أطفال، يولدون حديثاً، أو يبلغون من العُمر بضع سنوات. هل من العدل أن تكون المجاعة مصير شعوب، تستقر في أراضٍ معروفة بغناها منذ زمن بعيد؟ هل هو أمر قَدَري، أن ينشأ شخص في عائلة ميسورة الحال، ويتدرج بشكل اعتيادي في مراحل الدراسة، ثم بعد أن يصبح طبيباً، يتعرض لحادث وهو في طريقه إلى العيادة، تُسحق فيه قدماه، ويكمل ما بقي من أيامه كسيحاً؟ ثمة صبيان وبنات، وُلدوا في أسر كثيرة الثراء، وتنعموا بالأموال لسنوات طويلة، ثم أتى يوم، خسروا فيه ما كانوا يملكون. كما أنّ ثمة من يولدون بأمراض، وإعاقات في الأطراف، وغيرها من أجزاء الجسد، فلماذا تحدث الأمور بهذه الطريقة؟ هل نحن مسؤولون عن ذلك فعلاً؟ أليس ثمة فرصة للتعويض؟
تجيب الأفكار الهندوسية والجاينية والبوذية، عن أنّ قانون الكارما، هو المحفز الرئيسي لكل ما سبق، ويعني بصيغة بسيطة على أنّ لكل فعل نتيجة، ولابدّ أنّها ستترك أثراً على فاعل الفعل في وقت ما لاحق. بما أنّه صيغ بهذا النحو، فقد يبدو أنّ قانون الكارما، ليس إلاّ قانون السببية الكوني، الذي بموجبه يقع كل فعل أو حدث واحتمال. لكنْ، في حين يتعلق قانون السببية بالنتائج، بصرف النظر عمن يتأثر بها، فإنّ الكارما تهتم بالأفعال، بالقدر الذي تهتم فيه بفاعل الفعل، كما أنّ توليد النتائج، وفقاً لها، يعتمد على نوايا الفاعلين وأفعالهم معاً، بخلاف قانون السببية الذي تُنتَج فيه النتائج بالاعتماد على الأفعال فقط.
إنّ معرفة هذه الحقيقة الكونية، تمنع الإنسان من شتم الحياة أو غيره من البشر، أو إلقاء اللوم على الخالق الذي يعتقد به، عندما يرى السفهاء والفاسقين مكرّمين في المجتمع، وعندما يجد أنّ جيرانه، الذين لا يتمتعون بالفضائل النبيلة، أو العقل الراجح، يزدهرون، ويتمتعون بجميع وسائل الراحة ومتع الحياة. إنّ الطبقة الفقيرة والمتعبة من المعاناة، لا تجد عزاءً في أي تفسير، إلاّ في عقيدة الكارما.
وفقاً للرؤية البوذية لقانون الكارما، يخلق القتل العمد كارما سلبية، ما يجعل القاتل يعاني من ارتدادات فعله، لكنّ القتل لا يتوقف فقط على قتل النفس البشرية. يستهلك العالم ثلاثمئة وستين مليون طن من اللحوم في كل عام. يضم هذا الوزن الهائل، ملايين الأبقار والأغنام والدجاج والأسماك وغيرها من الحيوانات والطيور، التي يقتلها الإنسان في سبيل أن يتغذى عليها، ومن يَقتل، يُقتل، وما يُزرع، يُحصَد، ووفق هذا الحُكم، تكون النتيجة عادلة.
اشتُقت كلمة كارما من الكلمة السنسكريتية «كري»، وهي تعني الفعل، والفعل ليس إلاّ السبب والنتيجة في آن واحد، وبناء على ذلك، فإنّ الكارما تتضمن الفعل، وما نتج عنه. تحت تأثير هذا القانون، لم يعد ثمة مجال للمصادفات والأحداث المفاجئة غير المخطط لها. تعني الكارما، بعيداً عن التفسير الصارم، أنّه يمكن للإنسان أن يُدير قَدَرَه بنفسه. إنّها الطريقة الأكثر فعالية للوجود، وبقدر ما يكون المرء واعياً، يتحدد المصير ونوعية الحياة.
في حالة كهذه، ما يُعرف على أنّه قدر، ما هو سوى الأفعال التي ارتُكبت في الماضي، فيتحدد بها ما سيأتي في المستقبل، الأمر الذي يجعل البشر، يحصدون ما يستحقون، بناء على أفعالهم، بدلاً من أن يحصدوا ما يرغبون فيه.
لكنْ وفقاً لقانون الكارما الصارم، بحسب ما ورد في الكتب الهندوسية المقدسة، ليس ثمة مجال لتفادي الحصاد، إذ ينبغي على الجميع اختبار عواقب الأفعال الخاطئة، إلى أن تُدَمر الخطيئة، ويخرج الإنسان من دائرة السامسارا؛ وهي دورات الولاة والموت، التي يمر بها الإنسان إلى أجل غير مسمى، بسبب الكارما. لتحقيق ذلك، وإيقاف تكرّر الولادات، وتجاوز العالم المادي الذي تعمل فيه الكارما، ناقشت الدارماساسترا، وهي مجموعة من النصوص السنسكريتية القديمة التي تناولت قواعد السلوك والمبادئ الأخلاقية، الخطايا المختلفة والتجاوزات الأخلاقية، بالإضافة إلى الكفارات الخاصة بكُل منها، إذ أنّ فاعل الشر، يتحرر من شره، بالإعلان عن الفعل والندم والحرارة الداخلية، وتلاوة نصوص الفيدا المقدسة، التي تحتوي على المعرفة الأساسية، المتعلقة بالسبب الكامن وراء الوجود ووظيفته، والاستجابة الشخصية للوجود.
في كتابه «الخلود - نهج فيدانتا»، ذكر الحكيم سوامي بارثاساراثي، أنّ الكون الأكبر ينطبق بقدر متساوٍ على الكينونة المصغرة، وكل إنسان يخضع لهذا القانون. إنّه يعمل على المستويات الجسدية والعقلية والفكرية. على سبيل المثال، عندما يُعامل الجسم بالانضباط المناسب لليوغا والتمارين الرياضية، فسيكون في الوقت الحاضر سليماً وصحياً، وفي حال لم يحصل على تدريب بدني مناسب، وتسامح مع الاستجابة الحسية، سيصبح هزيلاً ومريضاً. على غرار ذلك، فإنّ تدفق الأفكار والعواطف نحو الإيجابية أو السلبية، من شأنه أن يحدد طبيعة الشخص الداخلية الحالية. لذا فإنّ ما نحن عليه الآن، هو نتيجة لما فعلناه في الماضي، الذي يمتد تاريخه حتى هذه اللحظة، وما سنصير إليه في المستقبل، يعتمد على ما نفعله منذ هذه اللحظة. إنّه قانون لا يمكن التراجع عنه.
أولئك الذين يفهمون قانون الكارما، ويتصرفون وفقاً له، تتطهر أفعالهم، ويدخلون إلى حياة البركة. في اللغة السنسكريتية، تسمى هذه الفلسفة كارما يوغا. إنّها إحدى الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق الحقيقة المطلقة، وهي تعني طريق العمل المتفاني، والتخلي عن الأفعال الأنانية، المرتَكِزة في أساسها على جني منافع شخصية، والاستعاضة عنها بأفعال لا علاقة لها بالأنا، وبالتوقعات التي نخطط لها، يؤديها الإنسان بانخراط تام، وشغف عميق، حينها يصبح الفعل طريقاً للتحرر. عندما نغير سلوكنا، ورؤيتنا للأمور، تتغير حياتنا.
ليفانت: ميرنا الرشيد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!