الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ماذا بعد سياسة تجويع شعب كوردستان؟
 صبحي ساله يي

اعتاد البارعون في فضاء التشويش في العراق منذ عقود عديدة على تزييف الحقائق وتغيير الوقائع لصالح أجندات ومصالح حزبية وسياسية تارة، أو قومية وطائفية ومذهبية تارة أخرى، أو خدمة لأجندات إقليمية ودولية على حساب منع رؤية الصور الواضحة.

في عراق ما قبل 2003، عندما وصل النفاق الى ذروته، حولوا الانقلاب والمؤامرة إلى ثورة، ونزوات الرئيس إلى أفكار البطل القومي، وقراراته ورغباته إلى ضرورات تاريخية، والمنهاج الحزبي وقرارات مجلس قيادة المؤامرة الى دستور وقوانين. وبعد 2003 ونتيجة لقراءات خاطئة غيروا التحرير إلى احتلال، والفساد المأساوي غير المنتظر إلى شطارة غير مسبوقة، ومن خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دمروا التفاهمات وأطلقوا على ممارسات خرق الدستور تسمية فرض القانون، وغيروا الهزائم والكوارث المكتملة الأركان الى انتصارات وهمية، والتضليل المرفوض إلى صمود مقبول ومنظم يدفع ثمنه العراقيون من دمائهم وأرواحهم وأموالهم. كما شنوا الحروب الشعواء كل الذين يطرحون الأسئلة الجادة، حول نواياهم وما يريدون تحقيقه، وما حققوه إلى الآن، واتهموه بالتخوين والتهييج وبمحاولة إجهاض الجهود التي تراهن على الخروج من المخانق والطريق المجهول وإنهاء الأزمات والإخفاقات، ومشاهد التراجيديا الإنسانية التي تذل وتهين.

وبالنسبة إلى شعب كوردستان، وخلال عقدين من الزمن، كررت حكومات العراق المختلفة والعائشين في هوس وشهوة السلطة ومراكمة المال والثروات عبارات وبيانات وتصريحات على مسامع الكوردستانيين، (نحرص على تنفيذ الدستور ونلتزم بالشراكة والمساواة والديمقراطية)، ولكن، على المستوى الميداني مارسوا بحقه كل السياسات المعيبة القاسية التي بدأت بالترهيب والإقصاء والتهميش والحصار الاقتصادي ووصلت الى التجويع، وخلال الأيام الماضية تحولت إلى القصف بالدرونات المستوردة من الخارج والمدفوعة أثمانها من أموال العراقيين.

يفسر الكوردستانيون بكل مشاربهم ما نفذتها جماعات مشبوهة ضدهم، بحجة متغيرات سياسية وعسكرية تواجهها حلفائها، ولهجة الآخرين في الإعلام التقليدي التي تعد قبولاً بفكرة التجويع والقصف، بأنها إشارات واضحة إلى احتمالات التفكير بشن حرب واسعة على كيانهم، وإجابة لسؤال: ماذا بعد سياسة التجويع التي أسفرت عن أضرار جسيمة؟ وماذا بعد التهديدات المبطنة لكل من سبق أن ألب المشاعرالشوفينية والعنصرية البغيضة وبات يبحث عن أرض بديلة لاستمرار الصراع والابتزاز؟

أما الفاعل السياسي الكوردستاني الذي يتفهم دوافع القوى المعادية ويدرك تكتيكات تبادل وتوزيع الأدوار بين بعض أطراف الاطار التنسيقي، ويدرك ان ثقافة معاداة الكورد متأصلة في عقول الكثيرين ولا تموت، فإنه ما زال متحفظاً، لاعتبارات سياسية وأمنية واقتصادية، في خطابه الدبلوماسي وحذرا في تعامله مع السلطات التنفيذية التي لا تمتلك سوى المناورة، ومع الأحزاب السياسية الشيعية التي لها مجموعات مسلحة موالية للخارج ولا تستطيع تغيير استراتيجية ارتباطاتها، كما لا يريد أن يقطع الخيط الرفيع بينه وبينها، ولا يريد أن يتقاطع مع موقف محمد شياع السوداني الذي يواجه أزمة الدور المزدوج، إذ يدفعه طموحه في إنجاح حكومته الى تنفيذ الدستوروالاتفاقات السياسية والإيفاء بالتزاماته التي طالما أعلن عنها، وخلق الأجواء الهادئة والمستقرة ووقف سياسة التجويع والترهيب التي تصاعدت وتيرتها في العام الماضي ضد الكورد من جهة، والظهور بمظهر القوي المستقبل غير المكبل بالضغوط الخارجية والنفوذ السياسي الذي أوصله الى سدة الحكم من جهة أخرى. لذلك يحاول السوداني تفنيد ممارسة سياسة التجويع، وتحميل جماعة صغيرة عبء تنفيذ الهجمات التي تشن على كوردستان، دون  الذهاب بعيداً معها ودون تحديدها علناً، لأنه على يقين بوجود مصاعب جدية وكبيرة تواجهه وتواجه فريقه الوزاري منذ تشكيل حكومته.

ليفانت - صبحي ساله يي

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!