الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مخاطر المنطقة الآمنة في الشمال السوري
مخاطر المنطقة الآمنة في الشمال السوري

في محاولة من تركيا لمنع قيام كيان كردي على حدودها الطويلة مع سوريا، تدخلت عسكرياً بشمال حلب وأقامت منطقة درع الفرات، ثم سيطرت بالقوة العسكرية على منطقة عفرين بعملية غصن الزيتون، وهي تسعى اليوم جاهدة لانتزاع موافقة دولية على توسيع نفوذها في بقية الشمال السوري شرق الفرات تحت عنوان إقامة منطقة آمنة فيه. بعد أن سبق وضيعت فرصة ذهبية لفعل ذلك مستفيدة من التحالف الدولي للحرب على داعش بداية عام 2014 .


وإذا كانت تركيا قد حصلت على موافقة روسية إيرانية على عملياتها السابقة مقابل ثمن ضخم (تسليم حلب مقابل الباب ، والغوطة مقابل عفرين) وفقاً لتفاهمات سوتشي، وضمنت حتى الآن الصمت الغربي عن عملياتها غرب الفرات بمقابل مد نفوذها لضبط منطقة إدلب ومنع قيام إمارة إسلامية متشددة، أو مقابل الحيلولة دون تهجير المزيد من السوريين نحو أوروبا ... فإنها تصطدم الآن برفض غربي جدي لمثل تلك العملية شرق الفرات، لكنها تستمر بالتهديد والإعداد لتلك العملية مراهنة على عدم رغبة الغرب في التورط بنزاع عسكري، ومقتدية بسلوك إيران وروسيا، وقد أصبحت على وشك المباشرة بمثل تلك العملية خاصة بعد أن نجحت في انتزاع دعم روسي إيراني لها، وضمنت صمت عملي من قبل النظام عنها مقابل المباشرة بعملية التطبيع معه.


السبب في حصولها على ذلك الدعم في القمة الأخيرة، أن الحسابات الروسية والإيرانية قد أدركت أنه لكي يستقر التواجد الإيراني في وسط وجنوب سوريا، والروسي في الساحل، لابد من استكمال اخراج التواجد الغربي، ولابد من استكمال عملية التغيير الديموغرافي في سوريا، وبشكل خاص تهجير البؤر العربية السنّية التي تشكل خطراً على استقرار ذلك النفوذ التقاسمي بين الدول الثلاث، التي تستمر بإدعاء حرصها على وحدة سوريا !، في حين هي عملياً تحضر سوريا لتقسيم واحتلال يدوم ويدوم، فالواقع السوري قبل الحرب لم يكن يحتوي أي معطيات لتقسيم جغرافي، لكن بفعل الانزياحات الديموغرافية الكبيرة بسبب تلك الحرب الهمجية التي استهدفت المدنيين أساساً، وبسبب سيناريوهات التهجير التي اعتمدتها دول سوتشي، قد تصبح قابلة لمثل ذلك التقسيم برعاية جيوش الاحتلال.


ما هي مبررات الحديث عن منطقة آمنة الآن بعد أن حطت الحرب أوزارها؟ الشعب السوري يقتل ويهجر منذ ثمان سنوات، ولا يوجد شبر واحد آمناً فيها، ولم تتحرك تركيا ولا غيرها لفرض منطقة آمنة، فالأمن المقصود ليس أمن المواطن السوري بكل تأكيد، كما أن منطقة شرق الفرات ليس فيها من العنف والصراعات ما يفوق بقية المناطق، بل العكس هو الصحيح، فهي الأكثر هدوءً وأمناً، إذن المنطقة الآمنة المزمعة ...لمن؟ ، للسوريين الذين سيدفعوا للاقتتال عرباً وكرداً فيها؟ ... لا بكل تأكيد، إنها آمنة للنفوذ التركي والإيراني والروسي فقط ولا غير.


الكرد وكل المجتمع الدولي يؤكدون عدم سعيهم لإنشاء دولة كردية في الشمال السوري، وقد فشلت مثل تلك المحاولة في العراق، ويدركون استحالة ذلك، كما يتعهدوا أن لا تستخدم الأراضي السورية كمنطلق لأي تهديد أمني لدولة تركيا، وهم مستعدون لتقديم الضمانات لذلك بما فيها تسيير الدوريات المشتركة على امتداد المنطقة الحدودية وبعمق معقول، فلماذا تصرّ تركيا وروسيا إذن على إنشاء منطقة آمنة كبيرة وإقامة مشاريع عمران وتوطين فيها؟ هل يتوقعون من السوريين المهجرين أن يستغنوا عن بيوتهم ومدنهم الأصلية ويتركونها للميليشيات الإيرانية، وينتقلوا للعيش في تلك المستوطنات التركية طوعياً، أم فقط من هم تحت الضغط والترهيب الذي يجبرهم على النزوح لأي منطقة تحفظ لهم حق الحياة حتى لو كانت خيمة أو ظل شجرة في أرض يملكها الغير؟.


ما هي المناطق المرشحة لذلك؟ ( إن ادلب تحت القصف الروسي، وبقية المدن المحتلة تحت الترهيب الأمني للنظام وايران)، والأهم من ذلك كله والأخطر، هم سنّة الساحل الذين يتعرضون لضغوط متزايدة وتجري بحقهم عمليات ترهيب منهجية سوف تتطور وتتصاعد لدفعهم للنزوح نحو المنطقة الآمنة التركية شرق الفرات، تمهيداً لقيام دولة علوية بإشراف وحماية روسية مطلقة على الساحل السوري.


قبول روسيا وايران بدعم العملية التركية مع وعد بتحييد النظام، وراءه نية حقيقية في تقاسم وتقسيم سوريا فيما بينهم بعكس ما يدعون تماماً، وتركيا تساهم في ذلك المخطط تحت عنوان الأمن القومي، الذي لا يمكن ضمانه من دون تسوية داخلية عادلة بين مكونات الشعب التركي ذاتها، ولا يحل باحتلال دول الجوار ... وبدلاً من أن تقوم تركيا بتحويل ادلب لمنطقة آمنة فعلاً عبر فرض سيطرتها على هيئة تحرير الشام وتفكيكها ومساعدة المجالس المحلية على فرض سلطة القانون، وهو ما تعهدت به، تتلكأ بفعل ذلك، وتمتنع عن إجبار حلفائها في سوتشي على وقف القصف والالتزام بسياسة خفض التصعيد، لنية في نفس يعقوب، وبدلاً من أن تساهم بإعادة اعمار إدلب لأهلها، تعد ببناء المشاريع الضخمة لتنفيذ أكبر عملية تغيير ديموغرافي ستكون نتيجتها تقسيم سوريا، والتي ستكون مقدمة لتقسيم تركيا ذاتها لو نظرت للبعيد


.

إننا نحذّر من اندلاع العمليات العسكرية في الشمال السوري وبشكل خاص بين العرب والكرد بمساندة الجيش التركي، فهي نار خطيرة سرعان ما ستنتقل للداخل التركي وتجد من يؤججها عالمياً. و ما نأمله أن لا تقوم تركيا بإشعالها، و تقتنع بأن حلفاءها في سوتشي يسعون لتوريطها بأعمال لا أخلاقية سرعان ما ستنعكس عليها، وأنهم يسعون جدياً وفعلياً لتقويض وجودها كعدو تاريخي لهم (لا ولن ينسوه أبدا). وأن مصالح وأمن الشعبين السوري والتركي هي واحدة ولا يمكن تجزئتها، وأن للكرد حقوقاً يجب الاعتراف بها لكي تستمر صيغ العيش المشترك في بلداننا.


كاتب وسياسي سوري


 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!