الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مخرجات اجتماع إسطنبول.. مقترحات أوكرانية بحاجة للدراسة وروسيا إلى تخفيض التصعيد

  • يستمر الدخان الأبيض.. تنازلات وتعهّدات
مخرجات اجتماع إسطنبول.. مقترحات أوكرانية بحاجة للدراسة وروسيا إلى تخفيض التصعيد
مفاوضات 29/30 مارس بين روسيا و أوكرانيا في إسطنبول قصر دولمة بهتشة. الأناضول

تعليق إخباري

وائل سليمان
  • تركيا كوسيط
  • خطوتين للتهدئة.. مسار سياسي وعسكري
  • مقترحات كييف
  • تعهدات عسكرية
  • أصداء إيجابية ودخان أبيض من إسطنبول
  • الحذر مستمر على الأرض ومناوشات متقطعة
  • خاتمة.. جيوبولتيك جديد والصين رابح كبير

    استكملت روسيا وأوكرانيا سلسلة المفاوضات اليوم الثلاثاء 30 مارس في مدينة إسطنبول التركية، إذ عُقدت في قصر دولمة بهتشة الرئاسي برعاية الوسيط التركي المحافظ بدبلوماسية على مسافة واحدة من الفريقين المتفاوضين. منذ قرابة شهر، جرت محادثات تمهيدية في أحد القصور بإسطنبول بين الطرفين، ليعود الاجتماع بينهما بعد انقطاع أسبوعين، والآن يصف وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو التوافقات الحاصلة بأنها "التقدم الأهم منذ بدء المفاوضات". لم تُدن تركيا روسيا في مجلس الأمن، ولديها علاقات اقتصادية متينة بموسكو ولاسيما في قطاع السياحة، بينما تبيع طائرات بيرقدار إلى أوكرانيا، تشتري الأسلحة والصواريخ من روسيا.

كانت التصريحات التركية الرسمية متوازنة إلى حد بعيد على الرغم من رفضها الحرب ودعوة أنقرة للحوار؛ فلم تتبن تعبير الغزو في إعلامها الرسمي ونقل المستجدات ساعة بساعة من منابر الدولتين على حد سواء ما يمكن ملاحظته في وكالة الأناضول الرسمية دون أي خُطَّة دعائية أو اصطفاف في الخطاب يدعو للسخط عليها من أحد. هذا ما جعلها خياراً مقبولاً كوسيط فاعل بين الطرفين مستضيف للمفاوضات، أيضاً بحكم العَلاقة الاقتصادية القوية بالثنائي والجيرة الجغرافية وثقة الطرفين بها.

وهو ما لم يكن سهلا بكل الأحوال؛ فقد تعرّضت أنقرة لانتقادات الكرملين بسبب صفقات طائرات بيرقدار إلى أوكرانيا، وبقيت القدس خياراً احتياطياً كان اقترحه الطرف الأوكراني بعد مكوكية نفتالي بينت، ولاسيما أن مينسك ببيلاروسيا لم يكن خياراً مفضلاً للمفاوض الأوكراني.

إلى ذلك، فقد خرج الدخان الأبيض لمن ينتظر بأمل متفائلاً بعد البناء على الفعل مقتضاه سابقاً في إيقاع تحرك المحادثات وتصريحات الطرفين الإيجابية في الفترة الأخيرة، ولاسيما إعلان قبول زيلينسكي حياد بلاده والحوار على إقليم دونباس داعياً لمقابلة بوتين لإنهاء الحرب، لكن لافروف وضح وقتذاك أن اللقاء سيكون بعد إتمام التفاهمات وتجهيز الأوراق اللازمة. هذه الآمال عززها تصريح رئيس الوفد الروسي، مساعد الرئيس فلاديمير ميدينسكي، للصحفيين بأن المحادثات الروسية الأوكرانية التي جرت في إسطنبول اليوم الثلاثاء 30 مارس كانت بناءة وإيجابية.

خطوة بخطوة للتهدئة

على عادة المفاوض الروسي في عدم الاستعجال والبناء على باقة المطالب بشكل تعزيزيٍ مستجد تزامناً مع واقع الأرض والمواقف الدولية، يعلن ميدينسكي قائد فريق المفاوضات الروسي ووزير الثقافة وعضو في المجلس العام لحزب روسيا الموحدة اليوم الأربعاء 30 مارس بعد انتهاء جولة المفاوضات استراتيجية عملٍ مقسّمةٍ إلى خطوتين للوصول إلى لتهدئة. لقد كانت المحادثات على يومين - 29 و 30 مارس - بيد إن مصادر في الوفد الروسي ووزارة الخارجية التركية قالت إن الجولة انتهت وإن اجتماع يوم الأربعاء قد توقف على وذكرت تاس الروسية.

سبق أن طلب الرئيس الأوكراني اجتماع مع الرئيس الروسي مُبدياً انفتاحه على طلبات موسكو بشأن الضمانات الأمنية وقبول حياد أوكرانيا بل واستفتاء في إقليم دونباس..، ما أعاد طلبه الطرف الأوكراني بعقد اجتماع بين الرئيسين فلاديمير بوتين وفلاديمير زيلينسكي بالتزامن مع التوقيع الأحرف الأولى على معاهدة سلام من قبل وزارتي خارجيتهما، أو في وقت أبكر مما كان مخططاً له من قبل. لكنّ الخطوة الأخرى كانت ستقلل القوات الروسية بشكل كبير من أنشطتها تجاه كييف وتشرنيغوف.

لاشيء يدعو للعجلة نسبياً بالنسبة إلى روسيا على ما يظهره إيقاع المفاوضات بالرغم من قسوة العقوبات ونتائجها لكن النتائج تستحق الصبر كما يعتقد الكرملين، فقد رد ميدينسكي المعروف بقوميته المتطرفة وتمسّكه بالقيم التقليدية بإن مقترحات كييف ستُدرس في المستقبل القريب ويُبلّغ الرئيس بوتين وبعد ذلك ستعود موسكو برد، معتبراً أن الوفد الروسي في إسطنبول تلقى من نظرائه الأوكرانيين "موقفا مصوغا بوضوح" على حد قوله.

قَسّم الطرف الروسي الخطوتين إلى خطوة في المسار السياسي وأخرى في العسكري. ستكون الخطوة الأولى إذ تعرض روسيا على كييف المضي قدماً في الاجتماع المحتمل بين زعماء البلدين. بينما كان من المفترض في البداية أن يلتقي بوتين وزيلينسكي بعد توقيع اتفاقية سلام أولية بين وزارتي خارجيتهما، يُقترح الآن إتمام هذين الحدثين في وقت واحد.

الخطوة الثانية أعلنها نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين بقوله: "في الوقت الذي تنتقل فيه المحادثات إلى الشروط العملية، تكون وزارة الدفاع الروسية بدأت تقليص النشاط العسكري تجاه كييف وتشرنيغوف بشكل كبير".

مقترحات كييف

تشمل مقترحات المفاوض الأوكراني المكتوبة والملحوظة بجدية من الطرف الروسي فرض حظر على إنتاج ونشر أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى حظر نشر القواعد العسكرية الأجنبية في أوكرانيا وفق ميدينسكي، الذي صرّح في وقت لاحق للصحفيين بأن موقف كييف يعني أيضاً رفض متابعة عودة شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول إلى أوكرانيا بالقوة العسكرية، أي أن الأمر يبقى مفتوحاً لتقاسم مصالح مشتركة في الجزيرة مستقبلا.

تبدي أوكرانيا مرونةً واضحةً مستعيدة مشهد بقاءها وحيدة في بداية الغزو، في تحرك اعتبره كثر من المحللين أنه تحول وانعطاف هو الأكثر عقلانية وواقعية للقيادة الأوكرانية منذ بداية الغزو الروسي. يتوضح هذا الاتجاه بقول ألكسندر تشالي، عضو وفد كييف، أن أوكرانيا وافقت على تبني وضع محايد وغير نووي إذا مُنحت ضمانات أمنية، التي "يجب أن تكون في مضمونها وشكلها مماثلة للمادة 5" من معاهدة حلف شمال الأطلسي.

خريطة السيطرة الروسية في أوكرانيا
خريطة سيطرة  القوات الروسية في أوكرانيا

يجب أن تتضمن الضمانات مساعدة عسكرية وإنشاء منطقة حظر جوي بعد ثلاثة أيام من المشاورات من أجل السعي لحل دبلوماسي. بيد إن تلك الضمانات لن تغطي شبه جزيرة القرم ودونباس، وفقاً لرئيس الفصيل البرلماني لحزب خادم الشعب الحاكم في أوكرانيا، ديفيد أراخامية، الذي يشارك في المحادثات، إلا إن الأمر خاضعٌ للمفاوضات الآن وإيجاد تسوية مقبولة لكن الأهم التوافق على الحوار لإيجاد تسوية مقبولة، مادام  تصريح الطرف الأوكراني "يتفهم" وفق قوله "حق الروس أن يعتقدوا أن القرم روسية لكن من حقنا استعادة كل ماهو أوكراني"

تقترح كييف دولاً ضامنة، يمكن أن تشمل أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (بما في ذلك روسيا)، وكذلك ألمانيا وإسرائيل وإيطاليا وكندا وبولندا وتركيا. لكن يبقى طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قائماً على الأجندة الأوكرانية في دفتر شروط الوفد، بالإضافة لتعزيز الأمر ومطالبة الدول الضامنة بمساعدة أوكرانيا على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي "في أقرب وقت ممكن".

دخان أبيض من إسطنبول لا يسكت الأسلحة الروسية حتى الآن 

على الضفة الأخرى في أوكرانيا من مخبأه السري، يتابع الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي وأعضاء حكومته المفاوضات مع الجانب الروسي مُقدماً تصريحاً أولياً واصفاً المؤشرات الأولية قبل بدء الجولة بـ"الإيجابية"، معتبراً أن الإشارات التي تلقاها يوم أمس الثلاثاء 29/30 مارس من منصة المفاوضات يمكن وصفها بالإيجابية، لكنها لا تُسكت الأسلحة الروسية على حد قوله.

وفي تلك الأثناء، أعاد شحن معنويات الشعب الأوكراني بالتأكيد على دور القوات المسلحة الأوكرانية وكل من يشارك في الدفاع عن البلاد، للتخفيف من وقع تنازلات لاحقة في اتفاق السلام القادم يمكن أن تشكل ضغطاً أو حرجاً على قاعدة أن التنازلات من حيث موقف القوة والواقعية السياسية، معتبراُ أن الوثوق في كلمات ممثلي روسيا التي تستمر بتدمير البلاد ليس تاماً في دعوة للاستمرار بنفس الزخم والمعنويات على الأرض بالتزامن مع المحادثات.

في 24 فبراير الماضي، أطلقت روسيا ما أسمته عملية عسكرية في أوكرانيا وجرت على نفسها ردود فعل دولية غاضبة، وفُرضت عليها عقوبات اقتصادية ومالية "مشددة" ناهزت 5000 عقوبة بالمجمل كانت جاهزة ومعدة في حال وقع الغزو. واشترطت روسيا لإنهاء "عمليتها الخاصة لحماية دونباس" كما تقول تخلي أوكرانيا عن أي خطط للانضمام إلى كيانات عسكرية بينها حلف "ناتو"، والتزام الحياد التام، وهو ما كانت تعتبره كييف "تدخلا في سيادتها". لكن الآن تبدو الخطوط الحمر الأوكرانية أكثر زرقة مع مخرجات جولة 29/30 مارس، ما جعل روسيا تبدأ بتقليص العمليات العسكرية حول كييف ومدينة أخرى، بينما ترى القُوَى الغربية أن التهديد لم ينته.

اقرأ المزيد: لافروف يصل إلى الصين.. الملف الأفغاني على الطاولة

ستتمسك روسيا بمواقع سيطرتها في أثناء المفاوضات مع وقف إطلاق النار وخفض للتصعيد. إذ ما تزال القوات الروسية تسيطر على 93 % من المنطقة الشرقية من لوهانسك التي تخضع لسيطرة حلفاءها الانفصاليين، و54 في المئة من المنطقة الشرقية الأخرى من دونيتسك، إضافة إلى ما احتلته في الشريط الجنوبي الساحلي من بلدات ومدن مثل خيرسون وماريوبول وأيضاً، طوق شمال أوكرانيا وجيب كييف. سيبدأ الكرملين بتكثيف الانسحاب الجاري مسبقاً نحو الشرق مع تقدم خطوات التهدئة المتفق عليها. 

هذا الغزو خلّف آلاف القتلى والجرحى ولم تعتمد إحصائيات رسمية موثقة حتى الآن، وأجبر ما يقرب من أربعة ملايين أوكراني على الفِرَار إلى خارج البلاد وكان للمقاومة الشديدة من القوات الأوكرانية دور فاعل، إضافة للدعم الأوروبي والأمريكي. أيضا، سببت هذه الخطوة التي اعتبرها الغرب غير محسوبة بدقة  - ينقصها وضوح في الإستراتيجية العسكرية حسب خبراء عسكريين أمريكيين-  من الطرف الروسي بخسارات كبيرة في الاقتصاد المحلي، سيتبعها تعافٍ بطيء ريثما إلى حين ترفع العقوبات، وتحديات مستقبلية أمام روسيا لإيجاد أسواق لتصريف خاماتها الرئيسة بعد اجتماع الغرب على قرار لا رجعة عنه للتخلص من الاعتماد على عليها.

يمكن القول إن الغزو الروسي الأراضي الأوكرانية أي دولة ذات سيادة والتهديد بإسقاط عاصمتها وقلب نظامها، كان محطة تاريخية فاصلةً رُسمت عندها، تغيرات جيوسياسية واستراتيجية طويلة الأمد. سبق هذا التحرك اتفاقيات موقعة بين روسيا والصين ناهزت 500 صفحة وقعها الرئيسين الصيني والروسي في بكين في افتتاح أولمبياد بكين للألعاب الشتوية، ومن ضمنها 10 مليار متر مكعب شهرياً من الغاز، توطئة لفهم جرأة الكرملين في أوكرانيا. لقد عززت "هذه الحرب" باتجاه قطبية متعددة أكثر وضوحاً وثقلاً تظهر فيها روسيا المدعومة من الصين خطراً دائماً على جيرانها الأوروبيين الباحثين عن استقلالية وجبهة دفاع مشتركة مستقلة و/أو بالتوازي مع العضوية في حلف الناتو، ولاسيما فرنسا وألمانيا، بينما يتعزز التحالف الأوراسي على الضفة الشرقية من العالم، لكن تكون الصين فيه أكثر هيمنة مع روسيا منهكة يكون فيها الدب الروسي بحاجة للتنين دائماً في تبعية قد تغدو ثقيلة مستقبلا على روسيا في حسابات ميزان التجارة على وجه التحديد.


مصادر: ليفانت نيوز _ تاس_ الأناضول _ رويترز _ بي بي سي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!