الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مسرحيّة "شمس ومجد" للمخرج أسامة غنم تسلّط الضوء على حياة الممثلين

مسرحيّة
مسرحيّة "شمس ومجد" (ليفانت)
بوح إنساني وجداني شفيف وحشي روحي يتجه نحو السردي الكامن في ذوات شخصيات مسرحية "شمس ومجد" من تأليف وإخراج أسامة غنم، وتمثيل "نانسي خوري، جنا عبود، آية محمود، جان دحدوح، ينال نصور، فادي حواشي، وعلاء زهر الدين". ومخرج مساعد ديما أباظة، دراماتورج لينا الرواس، ومساعد مخرج ربيع محمد. ويقام في المسرح الدائري بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق.
هذا البوح يتجلّى في الكشف اللامتوقع واللامرئي عن رؤيا تقرب إلى حد ما من خرق الزهد الثاقب والبرود المتقد في المألوف.

حكاية المسرحية:

تبدأ حكاية مسرحية "شمس ومجد" من شخصية (مجد، جنا عبود) طالبة دبلوم علم الاجتماع التي تذهب للعمل في المطعم الذي فيه (طارق بن زياد، جان دحدوح) ويعلمها أصول مهنة الكرسون في المطعم، وطبيعة زبائن كل طاولة، والخدمة المطلوبة لهم، بينما أختها (شمس، آية محمود) تعمل في بار يملكه (مارشميلو، فادي جواشي) الذي يعمل في التمثيل، وتأتي إلى البار الممثلة النجمة الصاعدة (جوليا، نانسي خوري)، وهي التي تقيم علاقة مع زميلها بالدفعة في قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ويتركها، وتحاول أن تقيم علاقة مع زميل آخر في دفعتها (خليل، ينال منصور)، لكن خليل لا يتمادى معها في مراميها لأنه لا يحب أن يكون "إستبنه أو سبير" أي بديل أحد، وهو يقيم علاقة مع (شمس، آية محمود) التي تدرس في معهد خاص في جرمانا، ويطلب منها أن تؤدي نموذج حيوان لكي تقلده، وتخرق خيار هذه العلاقة مع (غيث، علاء زهر الدين) الذي يتخلّى عنها لمصلحة علاقة أخرى.



إن العلاقات القائمة في العرض المسرحي تقدم نموذجاً خاصاً للوسط (الفني- التمثيلي) في سوريا، خصيصاً في مرحلة الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية.

المسرح والتمثيل داخل المسرح:

تقوم شمس في أداء العديد من النماذج المعتمدة في أقسام التمثيل في المعاهد والكليات التي تدرس التمثيل من "الأرنب إلى السلحفاة، القطة، الكلبة، والضفدعة"، وتسأل الممثلة جوليا عن حيوانها المفضل في الأداء أثناء الدراسة عندما كانت تشرب في البار، وتقوم بأداء وتقليد عدد من الشخصيات الحيوانية منها "السلحفاة والضفدع والكلبة" أمامها.



بينما يلعب خليل ومارشميلو العديد من الشخصيات في المسلسل الدرامي الذي يصورنه عن الأوضاع في سوريا، ولا توظف الشركة المنتجة خبير متفجرات بسبب رغبتها في توفر بالإنتاج، ويصاب خليل نتيجة تفجير قنبلة صوتية التي تثير الدخان والغبار، ويخاطبه مارشميلو بأنه "يجب أن نموت نحن كممثلين" من أجل توفير المال من الشركة المنتجة، وأن المشهد الذي يعملون على تصويره هو مواجهة المحتل السوري في يوم الجلاء. وهذا التفجير في العمل الدرامي يذكر خليل بالتفجير الكبير الذي حدث في جرمانا بالعام 2012، والذي ذهب ضحيته أكثر من (12) مواطناً سورياً وكيف كان على خليل أن يشارك في إسعاف الناس ونقل الضحايا أمام سكنه.

منذ ذلك التفجير حدث تغيّر في شخصية خليل ساعده على الهدوء والعمل بجرأة في ورشة ودروس التمثيل في المعهد، وهذا ما يظهر أثناء تدريس خليل لمادة التمثيل في المعهد الخاص بجرمانا.



ويطالب خليل شمس التي ستؤدي دور البطولة في مسرحية "التلال البيضاء"، عن نص للكاتب الأمريكي همنغواي، في استحضار الخيال ليكون الأساس في اجتراح الشخصية الأساسية في العرض المسرحي، ولكي لا يكون العرض ظاهرة صوتية فقط مثلما يحدث في القراءات المسرحية في يوم المسرح العالمي من كل عام، فالصوت هو اللاعب الأساسي في هذا اليوم، (فحكاية التلال البيضاء) رجل وامرأة في محطة القطار، ويطالبها في التحليق بالخيال للوصول إلى بحث خيالي مشترك بينه وبينها لتحديد الحالات المطلوبة لديها في شخصية المرأة المنتظرة في محطة القطار، وتعود شمس لحديث بأن كل ممثل يجب أن يقلد حيوان، وأن لكل ممثل حيوان محبب يشتغل عليه أثناء الدراسة، لكنها تعمم تجاه الممثلين جميعاً في القول "ضروري الممثل يصير حيوان"، ويحضر جانب من التمثيل في المشهد الذي تشكله مجد مع طارق في فرد اليدين بحالة الطيران مقلدين بطلي فيلم "تايتنك" بمقدمة السفينة، في مكان خاص بهما أمام درجات الجامع الأموي.

ويعزز الحضور المسرحي الحديث من قبل شمس عن شخصية "أنتيغون" بينما لا تستهويها الشخصيات النسائية الشكسبرية.

الإخراج:

إن جرعة التلقائية العالية التي يقدمها المخرج أسامة غنم توضح أن العمل على الممثلين لم يكن في إخراج الحالات لديهم، وإنما العمل على تعزيز الحالات الإنسانية والمعاناة اليومية لهذه الشريحة الإنسانية التي نادراً ما يسلّط الضوء عليها كحياة عادية إنسانية لبشر يعيشون الحياة بكافة تفاصيلها اليومية من التعب والإرهاق والأزمات اليومية من الغلاء، ووصف الطعام الذي يتناولنه ويفضلونه، والمطاعم التي يرتادونها، لأن لدى هذه المطاعم وجبات وساندويش شهي، وأنواع المشروبات التي يحبونها مثلما تحب الممثلة جوليا ويسكي "شيفاز 18".

إن التدفق التلقائي والطبيعي في الأداء جعل من لحظة الخصام والضرب الذي يتعرض لها طارق من زميلته مجد ينفعل أمام الراغبين بدخول المطعم أن يصرخ في وجههم "سكرنا.. نعم سكرنا المطعم"، وأنهما غير قادران على العمل في ذاك اليوم.
هذه التلقائية هي التي تدفع شمس لتأخذ غيث إلى منزلها وتنام معه وتلقي منولوج لتعبر عن حالتها كاملة بعيداً عن التكلف والتشخيص في أداء شخصيتها، إذ جاء أداؤها عفوياً متدفقاً بدون تكلف.

هذا الأداء هو ما دفع جمهور العرض المسرحي للبقاء في مقاعده طيلة عرض مدته أكثر من ثلاث ساعات ونصف دون مغادرة صالة المسرح الدائري في المعهد العالي للفنون المسرحية.

الجمهور:

يمكن ملاحظة أن نفاذ بطاقات العرض لأسبوع كامل منذ ثالث يوم للعرض يوضح مدى شغف الحضور، ومتابعة عرض مسرحي حقق حضوراً متميزاً جعل العديد من الشخصيات التي حضرت هذا العرض تكتب على صفحاتها الخاصة عما أحبته في هذا العرض، والذي لم يستطيع الكتابة من بعض الجمهور شارك من كتب عن هذا العرض، ولسنوات طويلة كان المسرحيون السوريون يشتكون من قلة متابعة الجمهور المسرحي السوري لأعمالهم، لكن واقع الحال لدى هذا الجمهور يقول إن العرض الذي يشد ويعجب هذا الجمهور يحضر إليه راغباً في الوصول إلى جماليات ومقولات هذا العرض بعيداً عن الاستعراضية والادعاء أن الجمهور غادر المسرح إلى التلفزيون وغيره من أدوات الميديا والأون لاين الحديثة التي تبقي الجمهور في منازله، رغم أنه يمكن الإشارة إلى أنّ الجمهور الدمشقي لم يعتد إلى الآن أن تصبح هذه المدينة تنام باكراً مثل العديد من المدن العربية رغم ادّعاء السائقين بعدم وجود الوقود الكافي للبقاء في العمل حتى ساعات متأخرة من الليل وصباح اليوم التالي.



أخيراً.. يجب الإشارة إلى حسن التنظيم الذي عمل عليه الفريق الإداري والإنتاجي في مسرحية "شمس ومجد"، إذ يسجل أنه لم يكن يوجد أي (مشاهد أو متلقٍّ) إضافي في يوم ما عن عدد كراسي المسرح الدائري في المعهد بحيث يشكل عبئاً إضافياً عليهم، وإنما الالتزام الشديد بأن يكون عدد المتلقين المشاهدين بعدد كراسي المسرح، إذ من الصعوبة بمكان مشاهدة عرض مدته ما يقارب الأربع ساعات وقوفاً أو جلوساً على درجات المسرح هبوطاً بدون إسناد للظهر.

ليفانت - بسام سفر

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!