الوضع المظلم
السبت ٢٣ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مشروع "يا مكان" يجمع قصص حقيقية في محاولة لحفظ الذكريات إلى مدى طويل

مشروع
مشروع يا مكان يجمع قصص حقيقية

الذاكرة هي إحدى قدرات الدماغ التي تُمكِّنه من تخزين المعلومات واسترجاعها. وتدرّس الذاكرة في حقول علم النفس الإدراكي وعلم الأعصاب. وهناك عدة تصنيفات للذاكرة بناء على مدتها، طبيعتها واسترجاعها للحالات الشعورية, ولكن ضيفنا الباحث الفلسطيني/السوري "بلال زعيتر" يحاول عبر مشروعه حفظ الذكريات لمدة طويلة لتكون لنا الخازن الدائم والأبديّ. 


جريدة ليفانت التقت الباحث بلال زعيتر مؤسس الموقع الإلكتروني لمشروع يا مكان التوثيقي للحكايا، حيث يرسم  أمكنة حقيقية في عوالم افتراضية، فكان لنا معه الحوار التالي:



بداية من هو بلال زعيتر ؟


بلال زعيتر باحث في علاقة اللغة وتأثيرها وتأثرها في الصراعات. حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة دمشق وماجستير في التكنولوجيا والتحديات الاجتماعية من جامعة باريس الثامنة، وحالياً أتابع أطروحة دكتوراه في المدرسة العليا لعلوم الاجتماع في باريس. كما أعمل على ربط اللغة بالتكنولوجيا لإنتاج تطبيقات رقمية تساعد في الإجابة على أسئلة اجتماعية مختلفة تتعلق بالهوية والاقتصاد واللغة والتعليم.  


لماذا ارتقى زعيتر لتسمية المشروع  "يا مكان"!



التسمية يمكن قراءتها بطريقتين. يا ما كان أو يا مكان. في القراءة الأولى يحمل عنوان المشروع حالة قصصية تتسق مع حكايانا التي تبدأ عادة بعباراة "كان يا ما كان يا قديم الزمان...." وتنضوي هذه القراءة على التركيز على البعد الزمني. في القراءة الثانية يحمل المشروع المعنى المكاني. ففي التسمية نوع من النداء لبعيد هو المكان في هذه الحالة. والمراد من هذا إسباغ صفة إنسانية على المكان. وكان لا بد من تسمية تحمل قراءتين كنوع أيضاً من التأكيد على وجوب انتشار ثقافة تعدد القراءات لأي موضوع أو حدث أو شخصية.




ما الهدف من مشروع "يا مكان" الذي بجمع القصص
؟


مشروع يا مكان أو يا ما كان غايته الأساسية تكريس فكرة المكان وعلاقته بالذاكرة لدى السوريين والفلسطينيين السوريين. يفتح المشروع نافذة لتحويل الحنين لطاقة فعّالة ومنتجة بدلاً من طاقة مؤلمة وتساهم في تآكل الأرواح. من خلال المشروع يمكن للسوريين والسوريات وضع نقاط على خارطة سوريا لأماكن اعتادوا العيش فيها قبل أن تتغير الأمكنة بفعل سلطات الأمر الواقع والتشويه الديمغرافي القسري.


يمكن إذاً للمستخدمين وسم نقاط معينة على الخارطة كالبيت والمقهى ومكان العمل والمدرسة والجامعة والمشفى والحارة والسوق وبيوت الأصدقاء والجيران وحتى المشافي والمقابر بقصص ارتبطت بها وعيشت فيها. يمكن للمستخدمين نشر صور وملفات فيديو وصوت ونصوص مكتوبة مرافقة لتوثيق الذكريات وحفظها من الضياع والتلف والنسيان بمرور السنين أو لأسباب استراتيجية ممنهجة تستهدف الذاكرة. بهذه المشاركة الجماعية لطاقة الحنين وللذكرى يتم انتاج قصص وسرديات تساعد في كتابة التاريخ بطرق جديدة بعيداً عن مراكز القوة السياسية والعسكرية. وبهذه الكتابة أيضاً يتعرف الناس على أنفسهم أكثر وتتبلور ملامح هوياتهم ويؤمل أن ذلك يساعد عادةً في التخفيف من حدة الاغتراب والعزلة وأسئلة أزمة الهوية. كما قد تساعد تلك القصص في علاج الصدمات النفسية لكثيرين.   


ما هي المواد التوثيقية التي يمكن استخدامها لفهم ما جرى ولكتابة التاريخ ولنقاش المستقبل؟


الصور جزء من المواد التوثيقية التي يمكن استخدامها لفهم ما جرى ولكتابة التاريخ ولنقاش المستقبل (أو أكثر) المشترك. صحيح أننا في مشاريع أخرى كنا عملنا على جمع الأعمال الفنية التي انبثقت في سوريا في ذروة مراحل الانتاج الفني الابداعي أي عامي 2011 و 2012 وهي ما يقارب من 14 ألف عمل نشرها أكثر من 140 فنان بالإضافة لصفحات مختصة. كانت تلك الأعمال مثابة دليل قاطع على سلمية الثورة وعلى تفجر ينابيع الابداع كواحدة من نتائج الثورة السلمية المبكرة من بعد سنوات القمع الطوال والتي جففت منابع الابداع لدى أغلب السوريين.


كما قمنا بجمع عدد كبير من لافتات الثورة السورية المصورة وما إلى ذلك من دلائل بصرية على لغة الثورة. لكن لكل مرحلة احتياجاتها الاجتماعية وهو ما يتفق عليه عدد لا بأس به من السوريين اليوم من أن مفردات ولغة واحتياجات المرحلة ليست كتلك التي سادت عام 2011 و 2012. ولهذا فإن توثيق صور الذكريات وأماكن العيش في ما مضى تعتبر اليوم ضرورة ملحة وهذا ما نسعى إليه. لأن هذه المفردات هي من أفضل الأدوات في مواجهة التغيير القسري وسلطات فرض الأمر الواقع.


كيف كانت الآلية لجمع هذه الصور والمعلومات خلال مشروعك؟


نجمع المعلومات من خلال مشاركة جماعية من آلاف السوريين في شتى الأماكن ممن تم تهجيرهم من بيوتهم قسراً سواء أكان التهجير الإرغامي قد حدث باتجاه أماكن أخرى داخل البلاد أو نحو بلاد جديدة. لكن بكل الأحوال فالمشروع هدفه توثيقي وداعم وبالتالي فهو مفتوح لكل السوريين وحين أقول لكل السوريين فهذا يعني لكل السوريين بلا استثناء وبالطبع للفلسطينيين السوريين أيضاً. يبقى التحقق من المعلومات المنشورة سؤالاً آخر. ولهذا فنحن لا نقوم بفتح النشر على أوسع الأبواب لأن ذلك يجلب معه احتمالات كثيرة للأذية والضرر. سواء من خلال نشر معلومات كاذبة أو الاعتداء في الفضاء الرقمي على حياة الآخرين. لذلك فهناك معايير دقيقة وصارمة للنشر وهو ما يلقي بعداً أضافياً من التحديات التي يواجهها المشروع. فالأتمتة ليست الحل.


 كيف ترى الهوية السورية في بلاد اللجوء.. من خلال طرح أفكار مشروع (يا مكان) بجمع الصور؟


حين تسأل عن الهوية السورية فأنت تتحدث عن جانب كبير ولكنه واحد من جانب الهوية الإنسانية الفردية ألا وهو جانب الهوية الوطني أو القومي. وبالطبع فهذا الجانب أساسي في مجتمعاتنا  وسياساتنا المعاصرة  لكنه واحد. للهوية جوانب متعددة كالدينية والاثنية والثقافية والجنسية وما إلى ذلك. ومشروع يامكان يحاول التفاعل مع كل مكونات الهوية لدى من يحملون الجنسية السورية أو لا يحملونها بالضرورة.


ولكنهم سوريون إما لأنهم يعتبرون أنفسهم كذلك أو لأن العالم يعتبرهم كذلك أو نظراً لظروف عملية بحتة كأن يكونوا قضوا ردحاً من الزمان ضمن حدود جغرافية لما بات يعرف منذ سايكس بيكو بسوريا. كما ترى فسؤال الهوية إذا بمعناه الوطني هو سؤال صعب ويواجهه ليس السوريون وحدهم بل أغلب شعوب الأرض في ظل التغيرات الاقتصادية السياسية التكنولوجية الحديثة. ويتفاقم السؤال صعوبة حين تكون جوانب الهوية الأخرى مضطربة نظراً لتراكمات طويلة من التجهيل المتعمد. ثم تزيد الأمور صعوبةً بشكل بالغ حين نضيف لها جانب الاغتراب القسري لجوءً كان أم نزوحاً إذ يتم نزع الإنسان من جذوره بين عشيه وضحاها لو أردنا اسخدام شيئاً من الاستعارات.


فالسؤال اليوم هو ربما عن أي هوية سورية نتحدث. خاصة وأننا قد أدركنا في السنوات الماضية سهولة "تغريب" (الأخر) وسهولة انتاج منظومات ثقافية ولغوية تجعل من "نحن" مقابل "هم" أو "أنتم" أدوات كفيلة بترخيص كل أنواع الانتهاكات من نزع الوطنية عن (الآخر) وصولاً إلى تبرير قتله. لهذا فإن يا مكان يحاول أن يفتح الباب نحو تشاركية جماعية تستهدف انتاج نصوص حول الهوية في نية لفهمها ومن ثم نقاشها. ونأمل أننا سننجح في ذلك.  


ليفانت - حوار سامر دحدوح 

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!