الوضع المظلم
السبت ٢٦ / أكتوبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مصير الأكراد السوريين من أنصار العمال الكردستاني في ظل التحولات الإقليمية والدولية

مصير الأكراد السوريين من أنصار العمال الكردستاني في ظل التحولات الإقليمية والدولية
شيار خليل

 

في خضم التغيرات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط والتوترات الإقليمية، تقف الأجنحة المختلفة لحزب العمال الكردستاني (PKK) أمام تحديات كبيرة قد تعيد تشكيل هيكليته الداخلية وتحدد مصير أعضائه. يجد الأكراد السوريون الموالون لحزب العمال الكردستاني أنفسهم في وضع معقد؛ فمع تنامي التوترات الدولية ضد إيران، والحملات المستمرة التي تقودها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، يبرز التساؤل حول مدى مصلحتهم في البقاء مع الحزب أو الانفصال عنه.

لطالما ارتبط الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني بعلاقات وطيدة مع قيادة الحزب، ما مكّن هذا الجناح من الحصول على دعم عسكري ولوجستي وسياسي من الحزب. مع تصاعد الأزمة السورية، شكّل الأكراد السوريون العاملون مع الحزب قوة محورية على الأرض، خاصة في شمال وشرق سوريا، حيث استفادوا من الخبرات القتالية والتدريبات العسكرية التي وفرها لهم الحزب، بيد أن هذه العلاقة تعني، في الوقت ذاته، تبعية الجناح السوري لأجندة حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك ارتباطاته الإقليمية التي تتأثر بشكل مباشر بمواقف كل من إيران وتركيا.

ومع تغيرات الأوضاع في سوريا وانحسار تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت هذه العلاقة محل تساؤل، حيث ظهر أن بقاء الأكراد السوريين ضمن هيكلية حزب العمال الكردستاني قد لا يكون في صالحهم على المدى الطويل، فهم اليوم مطالبون بتحديد موقفهم من الحزب في ظل بيئة إقليمية متوترة، والتوازن بين ما يقدمه الحزب من دعم وبين المخاطر السياسية والعسكرية التي قد يتعرضون لها.

تمثل تركيا تهديدًا مستمرًا لحزب العمال الكردستاني بسبب اعتباره كيانًا إرهابيًا يهدد أمنها القومي، وتزداد حدة العمليات العسكرية التركية في كردستان العراق وشمال شرق سوريا، مما يعرض الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني لضغوط متزايدة، من جهة أخرى، ترتبط بعض أجنحة حزب العمال، خاصة الجناح الموالي لإيران، بمصالح إيرانية إقليمية، حيث تدعم إيران هذا الجناح لأسباب تتعلق بنفوذها الإقليمي ومواجهة نفوذ تركيا في المنطقة والتدخل في شؤون دول الجوار، ويضع هذا الجناح السوري في موقف حساس؛ إذ إن ارتباطه بهذا الجناح يجعله ضمن تحالف إقليمي تتداخل فيه الصراعات وتزداد فيه الضغوط الدولية.

ماذا عن الانقسام الداخلي في حزب العمال الكردستاني؟

بدأت مؤشرات الانقسام تتجلى داخل حزب العمال الكردستاني نتيجة التباينات بين الجناح السياسي الذي يميل إلى التفاوض مع تركيا والسوريين، والجناح العسكري الذي يواصل عملياته ويعلن تبنيه لها، فتصريحات زعيم الحزب عبد الله أوجلان الأخيرة من مكان اعتقاله في تركيا بشأن إمكانية التفاوض السياسي مع الحكومة التركية تثير شكوكًا حول استمرارية الجناح العسكري، خاصة في ظل تأكيده على عمليات هجومية ضد تركيا تتعارض مع التوجه السياسي لأوجلان.

هذا التضارب يزيد من الضغوط على الأكراد السوريين العاملين مع الحزب والذين لهم وزن سياسي جيد في سوريا الآن، فهم مجبرون على التعامل مع تباينات الرؤية بين الجناح السياسي والجناح العسكري، وهو ما يعرضهم لخطر أكبر، لا سيما إذا قرر الجناح العسكري المدعوم من إيران التصعيد ضد تركيا، ما قد يضعهم في مواجهة مباشرة مع القوات التركية، كما أن هذه الانقسامات قد تقوض من تماسك الحزب وتجعل الأكراد السوريين بالمجمل عرضة لاضطرابات داخلية تزيد من عزلتهم على الساحة السياسية السورية.

إذاً ما الخيارات المحتملة للجناح السوري في حزب العمال الكردستاني؟ 

في ظل هذه التحديات، قد يجد الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني نفسه أمام عدة خيارات مصيرية، تتطلب منه تحديد مسار مستقل أو استراتيجيات جديدة للتعامل مع التحولات في المنطقة.

منها التبعية المستمرة لحزب العمال الكردستاني، وهنا إذا اختار الجناح السوري الاستمرار ضمن حزب العمال الكردستاني، فسيكون عليه مواجهة التحديات التي تفرضها سياسة الحزب المتقلبة والمتأثرة بأجندة إيران، وإن هذا البقاء يعني احتمال تورطه في صراعات إقليمية جديدة، وقد يفرض عليه هذا التبعية لمواقف تتعارض مع مصالحه كقوة محلية تسعى لتحقيق الاستقرار في شمال وشرق سوريا، وبكل تأكيد هذا الخيار قد يوفر له الحماية المؤقتة من خلال الدعم العسكري واللوجستي، لكنه يعرضه على المدى الطويل لضغوط قد تضر بمستقبله.

أما خيار الانفصال عن حزب العمال الكردستاني والسعي إلى الاستقلالية السياسية، فهو يتمثل في انفصال الجناح السوري عن حزب العمال الكردستاني وتشكيل كيان مستقل يتوافق مع الواقع السوري ويتبنى أجندة سياسية تبتعد عن التحالفات الإقليمية المتداخلة، وفي هذا السيناريو، يمكن للجناح السوري تقديم نفسه كقوة كردية سورية تسعى للتفاوض والعمل ضمن حل سياسي سوري أوسع، وهو ما قد يكسبه دعمًا دوليًا ويجعله في موقف أفضل على الساحة السورية، هذا الخيار يمنحهم مرونة أكبر في تشكيل تحالفات جديدة مع قوى محلية ودولية أكثر من الحالي ويقلل من اعتمادهم على حلفاء إيران استراتيجياً. 

أما الخيار الثالث فهو تركيز على العمل المحلي وتجنب الصراعات الإقليمية، وهنا قد يسعى الأكراد السوريون إلى التركيز على تحقيق مكاسب محلية، من خلال التحالف مع قوى محلية سورية وأحزاب كردية غير مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، ويعزز هذا الخيار فرصتهم في الحفاظ على مكتسباتهم في شمال سوريا والتأثير إيجابيًا على مستقبل المنطقة، خاصة مع الرغبة الدولية في استقرار سوريا وإنهاء الصراعات الدموية، وطبعاً هذا النهج قد يقلل من مواجهتهم مع تركيا ويجنبهم الصدام المباشر مع القوى الإقليمية الأخرى، إذ يسعى لبناء توازنات محلية لا تتدخل في الصراعات الدولية الكبرى.

والخيار الرابع هو التوجه نحو العمل السياسي بدلًا من العسكريفي ظل الضغوط الكبيرة على الحزب بسبب نشاطاته العسكرية، قد يكون من مصلحة الأكراد السوريين التركيز على العمل السياسي ضمن استراتيجية طويلة الأمد تحقق لهم الاستقرار، فالانسحاب من العمليات العسكرية قد يتيح لهم المجال للتحرك السياسي في الساحة السورية بشكل يخفف من حدة الضغوط ويضمن الاعتراف بهم كطرف سياسي يمثل الأكراد في الحلول المستقبلية للأزمة السورية.

في ظل هذه التحولات، من المهم أن يدرك الأكراد السوريون العاملون ضمن حزب العمال الكردستاني أن مصالحهم المستقبلية قد تتطلب توسيع دائرة تحالفاتهم والانفتاح على الأحزاب الكردية الأخرى في سوريا بعد الانفصال والابتعاد عن سياسات جناح العمال الكردستاني المرتبط بإيران، إضافة إلى القوى السورية بشكل عام. هذا التوجه يمكن أن يساهم في بناء شراكات قائمة على مصالح مشتركة، ويعزز الوحدة الكردية، ما سيساعدهم في مواجهة التحديات التي تهدد استقرار مناطقهم.

التحالف مع الأحزاب الكردية السورية الأخرى، مثل المجلس الوطني الكردي أو قوى المعارضة المعتدلة، قد يخلق جبهة كردية سورية أكثر تماسكًا، وقادرة على المساهمة بفعالية في أي حل سياسي محتمل، كما أن التعاون مع القوى السورية الأوسع سيوفر للأكراد فرصة للاندماج في إطار وطني جامع يحقق مصالح الجميع، ويخفف من التوترات التي تسببها علاقاتهم الإقليمية.

الانفتاح على القوى الكردية والسورية سيمنح الأكراد السوريين العاملين مع حزب العمال الكردستاني شرعية سياسية ويعزز مكانتهم على الساحة السورية، كما سيسهم في تعزيز فرص الحل السياسي بعيدًا عن التأثيرات الخارجية وضغوط الأطراف الإقليمية.

ومن هنا نستنتج أنه ومع استمرار الضغوط الدولية والإقليمية على إيران وتنامي العمليات العسكرية التركية، يواجه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني خيارات صعبة تتطلب منهم اتخاذ قرارات حاسمة حول مستقبلهم. فالبقاء ضمن الحزب يضمن لهم دعمًا عسكريًا، ولكنه يضعهم في مواجهة ضغوط متعددة، أما الانفصال يمنحهم استقلالية أكبر وفرصة للتأثير محليًا، لكنه قد يعرضهم لمخاطر فقدان الدعم.

أمام هذه المعضلة، يبقى الخيار الأنسب للأكراد السوريين هو البحث عن نموذج يجمع بين الاستقلالية السياسية والتكيف مع الواقع المحلي في سوريا، بما يعزز مصالحهم ويضمن لهم مكانة مستقلة بعيدًا عن الصراعات الإقليمية المعقدة.

ليفانت-شيار خليل

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!