الوضع المظلم
الإثنين ٢٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • معروف الرصافي.. شاعر الثورة والأدب في زمن الإمبراطوريات

  • أيها الإنجليز.. لن نتناسى بغيكم في منازل الفلوجة
معروف الرصافي.. شاعر الثورة والأدب في زمن الإمبراطوريات
الشاعر والسياسي العراقي الراحل معروف الرصافي

اشتهر الشاعر العراقي معروف الرصافي، بأسلوبه ورصانة لغته، وكان من المميزين في عصره، حيث اشتهر بالنثر والشعر واللغة والآداب، ويعتبر ديوانه (ديوان الرصافي) الذي رُتب إلى أحد عشر باباً منوعاً، وفي علوم وآداب مختلفة، مثل الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة.

كما عُرف عن الرصافي مواقفه السياسية الصلبة، والتي لا تحتمل التأويل، وهو عايش الاحتلال البريطاني للعراق، وكان من أشدّ الرافضين لطريقة تشكيل الدولة والدستور وتعيين الملك بعد ثورة 1920. حيث اعتبر أن كل ما ينتج عن الاحتلال، هو خارج إرادة العراقيين ولا يتناسب مع تصورهم وتطلعاتهم لدولتهم المنشودة. وكتب آنذاك قصيدة ينقد الإجراءات التي فُرضت على العراقيين، قال فيها:

علم ودستور ومجلس أمة.. كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها.. أما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم أنه.. وفقاً لصك الانتداب مصنف

نشأته وأعماله

ولد معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي، في بغداد عام 1875 في فترة الحكم العثماني، وهو من أب كردي، وأم تركمانية، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب. لكنه نشأ وعاش ومات في بغداد، ووصفه الكثير من الباحثين الذين كتبوا عنه ودرسوا شعره بأنه ذو حس عروبي، وله مآثر في ذلك؛ في شعره ومواقفه السياسية، قال في أحدها:

أعرني لساناً أيها الشعر للشكر.. وإن تطق شكراً فلا كنت من شعر

وجئني بنور الشمس والبدرِ كي أرى.. بمَعْناك نور الشمس يُشرق والبدر

وحُم حول أزهار الرياض تطيباً.. بها مثلما حام الفراش على الزهر

وقم في مقام الشكر وانشر لواءهُ.. برأس عمودٍ خذه من غرة الفجر

فإن لبيروت حقوقاً جليلة.. علىَّ فنب يا شعر عنيَ في الشكر

فإني ببيروت أقمتُ لياليا.. وربَك لم أحسب سواهن من عمري

وقضيتُ أياماً إذا ما ذكرتها.. غفرت الذنوب الماضيات من الدهر

لئن تك في بغداد يا دهر مذنباً.. على ففي بيروتَ كم لك من عذر

قرأت بها درسَ المكارمِ مُعجبا.. بكل كبير النفس ذي خُلق حر

تلقى الرصافي تعليمه الابتدائي في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحصل على شهادتها.

وتتلمذ على يدّ الشيخ محمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.

 

اقرأ المزيد: تصنيف الشعر العراقي واتجاهاته.. على ضوء النظرية النقدية الجديدة: التحليل والارتقاء

ورحل بعد الدستور إلى أستانا، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً في مجلس المبعوثان العثماني.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى انتقل إلى دمشق عام 1918، ثم ذهب إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل اليومية عام 1923 لمدة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، وانتخب فيما بعد عضواً بمجلس النواب في بغداد.

ومن أشهر كتبه: "ديوان الرصافي" و"دفع الهجنة" و"تاريخ آداب للغة العربية" وغيرها الكثير.

وكان بيّن الرصافي في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية" دوافعه بالاعتماد على اللغة العاميّة في بعض أشعاره بقوله إنّ متطلبات العصر الذي يعيش فيه يحتاج إلى لغةٍ تتماشى معه، بحيث تتطور عبر مراحله المختلفة؛ فاللغة عنده هي أداةٌ تعبّر عن أفكار الناس وحاجاتهم الحياتيّة، ولا شك أنّ هذه الحاجات تختلف من زمن لآخر، ولهذا أصبح من الجائز عدم التقيّد بلغة من سبق وعاش في الزمن الماضي، بحسب ما نقله باحثون في الآداب والشعر العربي.

مواقف نضالية

"أيها الإنجليز، لن نتناسى بغيكم في منازل الفلوجة ذاك بغي لن يفيد انتقاما – وهو مُغر بالساكنين علوجه". أبيات عبّر من خلالها معروف الرصافي عام 1941 عن غضبه من الاستعمار البريطاني الذي كان يحاول اقتحام الفلوجة بالقوة والنار وإطفاء شعلة المقاومة فيها آنذاك، وفقاً لمؤرخين ومراجع أدبية.

ولطالما دعا الرصافي إلى الثورة الاقتصادية والسياسية وجعل العلم أداة لتغيير المجتمع نحو التطور والنمو، ومنح الحريات من أجل الوصول إلى الرخاء والاستقرار. وينقل بعض المؤرخين، حادثة جرت مع الرصافي، عندما كتب إحدى القصائد منتقداً الملك فيصل الأول والبلاط الملكي، طلب منه الملك الحضور وعاتبه، لكن الرصافي رفض الاعتذار عما كتب، وغادر غاضباً من البلاط.

اتسمت شخصيته الناقدة بالوضوح دون مواربة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأمور الوطنية، وكان خصومته مع الآخرين يترجمها في أبيات شعر، دون تجريحٍ للآخرين. بما فيها خصامه الأدبي، مع الشاعر جميل صدقي الزهاوي، الذي وصل حدّ المقاطعة قبل أن يعودا وتصالحا عام 1908. وانقسم الأدباء والروائيون في تلك الفترة بين مناصر للرصافي والزهاوي. حتى وصل بهم التراشق الأدبي إلى الصحف الورقية التي كانت تصدر في ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: هل يمكن الشعر أن يؤرخ مأساتنا؟

المرأة في حياة الرصافي

كان للمرأة نصيب كبير من أشعار واهتمامات معروف الرصافي الاجتماعية، فقد لقبه بعض الباحثين، بشاعر الاجتماع، نظراً لدوره في تسليط الضوء على الظروف الحياتية والمعيشية للناس في عصره، واهتمامه بالفئات المهمشة من النساء والأطفال والفقراء.

ودعا في عدة مناسبات للتركيز على تعليم المرأة لأنها تشكل نصف المجتمع وعامود الأسرة التي تربي وتطعم وتعلم أبناءها، فنهضتها هو نهضة للأسرة والمجتمع والدولة، وقدم في وصف المرأة أبيات من شعره، نذكر بعضاً منها:

فحضن الأم مدرسة تسامت.. بتربية البنين والبنات

وأخلاق الوليد تُقاس حسناً.. بأخلاق النساء الوالدات

وليس ربيب عالية المَزايا.. كمثل ربيب سافلة الصفات

واستمر الرصافي في نضاله الأدبي والسياسي إلى أن وفاته المنيّة في منزله بالأعظمية بالعاصمة العراقية عام 1945، وفي عام 1970 أزيح الستار عن تمثال الرصافي في بغداد بساحة الأمين، لتسمى في ما بعد بساحة الرصافي.

ليفانت – خاص

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!