-
ميار الإدريسي يقوّض مشروعية "دولة داعش" و يدعو الى "جيوسياسة التعارف الإنساني"
عبد العزيز اغراز - صحفي و كاتب مغربي
يعيش اغلب الشباب في عالمنا الإسلامي حالة من عدم الفهم والحيرة بفعل وقوفه على تناقضات كبرى بين المعتقدات والمسلمات التي تلقاها من تربيته الدينية وما يعيشه في الواقع. نجد مثلاً، أن الإسلام يدعو الى العدل والرحمة وأن "خير الناس أنفعهم للناس"، وفي المقابل يسجل الواقع تصرفات لبعض الجماعات المتطرفة التي تتبنى المرجعية الإسلامية، تتسم بإقصاء الغير ونشر ثقافة الكراهية حتى وصل الأمر إلى ارتكاب ابشع الجرائم بإسم الدين. مما ساهم في إزدياد عدد حلات الإلحاد وإلى انتشار ظاهرة الاسلاموفوبيا.
ولمجابهة الفكر المتطرف الذي ينبت الإرهاب قام مجموعة من أساتذة الرابطة المحمدية لعلماء المغرب بإصدار دفاتر "تفكيك خطاب التطرف"، ضمن سلسلة "الإسلام والسياق المعاصر"، اخرج الدكتور خالد ميار الإدريسي الخبير في قضايا التطرف والارهاب (متخصص في العلاقات الدولية ورئيس المركز المغربي للدراسات الدولية والمستقبلية ، ويشرف على موقع مستقبليات الالكتروني)، الدفتر السابع تحت عنوان "الدولة الإسلامية.. قراءة في الشروط وبيان تهافت الخطاب المتطرف".
تحديات العصر الحالي
يسلط الاكاديمي ميار الغدريسي الضوء على التحديات الكبرى التي يعرفها العصر الحالي المتمثلة في "مجتمع المخاطر العالمي" حيث تواجه جل الدول مخاطر من صنع كافة الفاعلين في العلاقات الدولية، مثل الهجرة القسرية، الإرهاب، انتشار الأسلحة، تكاثر وانتقال الأمراض، تصاعد موجات الإلحاد الجديد وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر، تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا ، التفكك القيمي واتساع منطق التلذذ المفرط والترويج لنماذج السعادة الزائفة، وتحول «الربيع العربي » إلى شتاء قارس وسيادة حالة الإحباط.
ويستنتج المؤلف أن التدبير الجيوسياسي يقتضي معرفة محكمة بالفرص المتاحة أو الأخطار الممكنة، التي من شأنها ضمان أو نسف مشاريع الدولة) أو قوة معينة (وذلك ارتباطاً بموقعها الجغرافي في سياق دولي معين). ويرى أن الجيوسياسي المحنك هو الذي يقتنص الفرص الملائمة لتقوية موقع الدولة واستشراف دوام ذلك ومراعاة المصالح الجيوسياسية المتعددة.
جيوسياسية التعارف الإنساني
يعرّف الدكتور ميار الإدريسي جيوسياسية التعارف الإنساني، بأنها " البحث المستمر على فرص التعاون الإنساني وتبادل المنافع وتفادي مخاطر الصدام والاحتقان والهلاك." مع "السعي القوي والدائم لتطوير كفاءات التدبير وكفاءات استيعاب المعارف العالمية، وكفاءات توقع واستشراف المآلات العالمية".
ويرى الكاتب أن العالم الإسلامي في وضع جيوسياسي لا يسمح له بالدخول في صراع مع العالم، بل أصلا ليس هناك حاجة لتبني منطق استراتيجيات المواجهة والتناحر، إذ يتعين الانتقال من براديغم التنافس الشرس إلى براديغم التعاون المستمر، لمواجهة التحديات الكبرى التي ستواجهها البشرية، مما يفرض على الجميع التضامن الإنساني من أجل بقاء العنصر البشري.
ويضيف: "جيوسياسية التعارف الإنساني، لا تتأسس على مفهوم دار الإسلام ودار الكفر، ولا يعني ذلك إطلاقاً نفي وجود أناس أو مؤسسات غير مؤمنة بالله. ولكن التقسيم بناءاً على الكفر والإيمان، لم يعد ممكناً، على مستوى المجال الجغرافي. لأن الإسلام اصبح موجوداً في كل بقاع الدنيا، وهو قابل للتمدد والانتشار دون مواجهة جيوسياسية.
ويوضح الكاتب: "جيوسياسية التعارف الإنساني، تفترض الانتقال من نحن والغرب إلى نحن والإنسانية جمعاء؛ ومن دار الكفر والإسلام إلى دار الدعوة والاستجابة أو إلى دار العطاء الإنساني، ولا يكون ذلك بالعنف والقهر والغدر والخيانة والجهل والغباء وتمكين الغير من المبررات لتمزيق العالم الإسلامي بدعوى الهمجية وعدم التحضر".
الشروط الأخلاقية لقيام الدولة الاسلامية
ابرز الكاتب في هذه الدراسة شروط إقامة "الدولة الإسلامية"، أولهما شرط أخلاقي لتدبير الاجتماع الإسلامي ينبني على المقاصد الستة المرعية (حفظ الحياة، حفظ الدين، حفظ العرض، حفظ النسل، حفظ العقل، حفظ المال). والثاني شرط جيوسياسي يقوم على مفهوم جيوسياسة التعارف الإنساني. واكد أن شكل الدولة لم يكن هاجساً في مرحلة الدعوة النبوية الشريفة، بل كان الهدف الأسمى هو ربط العباد بخالقهم وتحقيق التوحيد وتأسيس ميثاق الأخوة الإنسانية. ولا ينفي أن التنظيم الذي كان قائماً في المدينة المنورة يمكن الاصطلاح عليه بدولة، ولكنه لم يكن غاية بالأساس، ولم ينبني على المفاصلة مع الغير، حيث ضمنت صحيفة المدينة التعايش والأمان والحق في الحياة والعيش والمسكن والمأكل والدين والعرض والمال والعقل بل حتى حق "المستقبل" للجميع مسلمين ويهود و "إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة".
وأوضح الاكاديمي ميار الإدريسي أن إقامة الدولة الإسلامية ليست مجرد نزهة أو خطاب يتشدق به، أوهوى يتلاعب بالعقول، بل هو أمر في غاية الخطورة يقتضي سياقاً محلياً وإقليمياً ودولياً مناسباً ويشير إلى أن هواجس إقامة "دولة إسلامية" استجابة لفئات عريضة من المتدينين في العالم الإسلامي والمطالبين باسترجاع العز، أدى إلى طرح نماذج متطرفة في تدبير "الدولة " لا تراعي المقاصد الشرعية للإسلام، ولا تحترم حتى الأخلاق العامة المتفق عليها بين كافة الناس. ومن تلك النماذج "دولة داعش المتطرفة، التي أثبت الواقع، فشلها التام في تحقيق الكرامة والأمان لمن يقع تحت سلطتها أو لجيرانها في المجال الجغرافي.
في دفتره لا يدين الإدريسي صفة "إسلامية الدولة" و انما يدين كل مشروع يدعي هذه "الاسلامية وهو بعيد عنه كما هو حاصل مع مشروع داعش وبعض تجارب التنظيمات الإرهابية الأخرى، التي تتناقض مع روح الشرع و روح العصر معاً .
واكد المؤلف أن الدولة الحقيقية المتوائمة مع روح الشرع هي التي ترتكز في تدبيرها على الأخلاق الشرعية والمرعية في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباقي السلف الصالح. ويوضح أن مرتكزات التدبير الأخلاقي للإجتماع الإسلامي، لا تقوم فقط على الاستدلال "الشرعي" على حق إعلان أو قيام "دولة إسلامية " وإنما على شواهد التدبير العملي واليومي والمستقبلي للشأن الإنساني ككل. وهكذا فإن "الخروج " عن الإطار الأخلاقي للتدبير، لا يزيح فقط "الصفة الإسلامية " بل حتى "الصفة الإنسانية ".
يرى الباحث خالد ميار الإدريسي أن "الدولة الإسلامية" المفترضة مدعية للتوفر على توهج أخلاقي داخلي وخارجي. فالتوهج الداخلي كامن في مراعاة حقوق المواطنين والسعي إلى تطوير نمط عيشهم بشكل يضاهي "النماذج غير الأخلاقية". وعدم الاكتفاء بالتلويح بشعارات التفرد بالنزاهة الأخلاقية أو اختطاف صفة "السلف الصالح" أو ادعاء "الفرقة الناجية" أو غير ذلك من المقولات التي يتم الاحتيال عليها لبناء مشروعية دينية، تستعمل لنسف مشروعية حق الآخر في الوجود. ويقوم التوهج الأخلاقي الخارجي، حسب المؤلف على ضمان رعاية حقوق الله وحقوق الناس وحقوق الكون، وارشاد العالم نحو الأمان وتجنب آفات الدمار الكلي.
تهافت جيوسياسة رعب"الدولة المتطرفة"
يوضح الإدريسي أن جيوسياسة الرعب تقوم على إحداث حالة من الهلع والخوف وترك المتاع أو المبايعة القهرية لعناصر "الدولة المتطرفة "، ويؤكد أن اتساع وتمدد التنظيمات الإرهابية في المجال ناتج عن بروز ظاهرة الدولة الفاشلة، التي لم تعد قادرة على أداء الوظائف التقليدية للدولة المعروفة، (وبناء على المؤشر العالمي للدول الفاشلة فان الدول المنتمية للعالم الإسلامي، من أكثر الدول التي تصنف في خانة الأكثر فشلاً).
ويضيف الكاتب أن جيوسياسة الرعب هي تطبيق لاستراتيجية التوحش، وعموماً يمكن اختزال معالم جيوسياسة الرعب من خلال الإعلام الداعشي والكتابات المنظرة للتطرف الداعشي وغيره في إنهاك الدولة القائمة كما حدث في العراق وسوريا وسيناء مصر، إبادة المختلف معه، إحياء الرق وسبي النساء، ضرب البنيات التحتية ونهب أموال المؤسسات والاستيلاء على مخازن السلاح، التهديد بقتل المخالفين، تفجير الأماكن العمومية في الخارج (فرنسا مثلاً)، اختطاف الأطفال وتجنيدهم، إشراك مرتزقة العالم، وعقد تحالفات إقليمية مع حركات قتالية مثل ما يقع في سيناء ومالي وليبيا ونيجيريا.
ويؤكد الادريسي أن جيوسياسة الرعب المعتمدة من طرف التنظيمات الإرهابية في العالم الإسلامي وعلى رأسها داعش ومن تحالف معها، لا تؤدي إلا إلى مزيد من إنهاك المسلمين؛ وتمهيد الطريق للقوى الدولية لوضع يدها على بلدانهم بحجة محاربة الارهاب، بدل نصرتهم والإعلاء من شأنهم وضمان الكرامة لهم ولمن تعامل معهم؛ وأكد الكاتب ان في ذلك مفاسد عظيمة تخالف روح الشرع مستدلاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سل السيف علينا، فليس منا" فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ويندد الإدريسي بمن اتخذ الشرع مطية لتحقيق أغراض خاصة، أذ لا يعقل أن تدعى "دولة " أنها تتأسس على الأخلاق الكريمة والإسلام الحنيف، وتنتقد" الطغاة "، ثم تبني رؤيتها الاستراتيجية على "الارتزاق الحربي" باسم الدين. ولذا فإن اتخاذ "الخلافة الإسلامية" للارتزاق هو مفسدة كبيرة وتشويه لمقاصد الشرع؛ وكما يقول ابن خلدون: " إن الإمارة ليست بمذهب طبيعي للمعاش ".
كما أن التدبير الأخلاقي للدولة - يضيف المؤلف - لا يمكن أن يركن إلى وسيلة التكفير من أجل نسف مشروعية المختلف، وإنما بسط وعرض البرامج والنظر في مآلاتها وصلاحيتها ومدى توائمها مع الشرع وتطلعات الناس في زمانهم ، وتكمن مظاهر عدم مراعاة مآلات المنظور والأفعال عند "الدولة المتطرفة" ، حسب الإدريسي، في التلازم بين التكفير واستحلال الدماء، ونسيان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون عند الله من دم رجل مسلم" رواه الترمذي والنسائي.
خاتمة
استخلص الاستاذ الباحث أن المبادئ التي تتأسس عليها "الدولة المتطرفة" مثل الحاكمية والولاء والبراء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاعتداء على الأجانب في ديار المسلمين وفي ديارهم وتكفير وتقتيل المختلف معه مذهبياً، في حاجة إلى إعادة فحص ومراجعة ومواءمة حقيقية مع المقاصد الشرعية الحقيقية.
وفتح ميار الإدريسي باب الأمل امام العالم الاسلامي للقضاء على التطرف والارهاب شرط تكاثف جهود الجميع لتحقيق ذلك إضافة إلى ضرورة الانخراط بشكل حقيقي في تنمية شاملة وارساء قواعد إدارة الحكم الجيد، وصياغة منظومة تربوية وتعليمية قائمة على الاعتدال وتشجيع روح الإبداع، وابتكار سياسات اجتماعية ناجعة تكفل الكرامة للجميع.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!