الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
نظام الأسد وسياسة حافة الهاوية
WhatsApp Image 2020-02-12 at 10.29.39

إعداد وتحرير: صادق عبّارة


بالرغم من التوتر الشديد الحالي بين تركيا ونظام الأسد، والذي بدأ بالتصاعد خلال الأيام القليلة الماضية، ورغم الضربات الموجعة التي يوجهها كلا الطرفان لبعضهما البعض بشكل مباشر في سابقة خلال سنوات الحرب الدائرة في سورية، في حين كانت المواجهات تتم بالوكالة طوال الوقت. وفيما يبدو انه تغير في قواعد الاشتباك على الساحة السورية، والتي ذهب كثيرون للظن بأنها قد تمثل منقلبا على نظام الأسد، إلا ان كثيرا ما ينبئنا بعكس ذلك.


على مدى عقود، واجه آل الأسد خلال حكمهم لسورية العديد من الأزمات التي لا تختلف عن الواقع الحالي الذي يمر به نظام بشار الأسد، وهو ما يبدو على أن من اعتاد ان يدير أزمات حافظ الأسد أو يرشده لسبل الخروج منها، ما يزال يقوم بدوره الوظيفي نفسه. والتي لطالما أنقذت الأسد وأبيه من حافة الهاوية.


أول صدام بين سورية الأسد والجارة تركيا:


عام 1998، فاق العداء التركي تجاه نظام الأسد الأب العداء الحالي لنظام ابنه بشار الأسد، أتى ذلك بعد استضافة حافظ الأسد لزعيم لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. فكان أن هددت القيادة التركية بشن عملية عسكرية ضد سورية. ويعلن وزير الدفاع التركي آنذاك "عصمت سيزجين" بأن الديبلوماسية تنتهي مع استمرار حافظ الأسد إلحاق الضرر ببلاده". لتحشد تركيا بعدها 10000 جندي على الحدود مع سورية، وويعلن الجيش التركي عن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية على دمشق، ترافق هذا بمع تحليق للمقاتلات التركية على الحدود السورية، وتلميح المسؤولين الأتراك لاستهداف معسكرات لحزب العمال الكردستاني في البقاع اللبناني زعمت أنقرة بوجودها.



زعيم حزب العمال، عبد الله أوجلان إلى جوار معراج أورال أحد قادة مليشيات الأسد الحالية

لم يدفع ذلك حافظ الأسد بداية للاقرار بإيوائه اوجلان، واستمر بنفيه متهما تركيا بالعمل مع إسرائيل واتخاذ اوجلان ذريعة لمهاجمته، ومع تصاعدر تهديدات أنقرة بشكلها ذاك، بدأ الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، وساطته في عدة زيارات مكوكية بين أنقرة ودمشق، ولتتدخل إيران أيضا بإقناع أنقرة للعدول عن الإقدام بعمل عسكري، انتهى ذلك بالتوقيع على معاهدة أضنة بين أنقرة ودمشق، والتي وصفت بالمذلة لحافظ الأسد آنذاك، وإغلاق معسكرات حزب العمال، وطرد أوجلان، لتعتقله تركيا لاحقا في كينيا، في شباط/1999.


الأزمة إبان الغزو الأمريكي للعراق:



وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في لقاء مع بشار الأسد عام 2003

لم يطل بشار الأسد المكوث في السلطة ليبدأ العبث الولايات المتحدة التي غزت العراق عام 2003، وتصبح الحدود السورية العراقية منطلقا لألاف الجهاديين وتدفق السلاح والعبوات التي بدأت بحصد الجنود الأمريكيين في العراق، والتي عزاها البعض لخبرته الضئيلة، وقال أخرون انها كانت خطوات مدروسة مع الإيرانيين آنذاك، لتعلو بعدها نبرة المسؤولين الأمريكيين باتهامه بالسماح بعبور مسلحين إلى العراق عبر حدوده. الأمر الذي لم يكن كفيلا بوقف الأسد تدفق المقاتلين للقتال في العراق.


زادت الولايات المتحدة من ضغوطها على بشار الأسد، والتي عكستها واشنطن عبر إجبار جيشه مغادرة لبنان بعد قرار أصدره مجلس الأمن عام 2004، والذي لم يكن كفيلا بمنع الأسد عن العبث في العراق، حتى ألمح المسؤولون في واشنطن أن سورية يمكن أن تكون الدولة القادمة على قائمة الدول التي تسعى الولايات المتحدة لتغيير نظامها الحاكم. ليزود بعدها بشار الأسد الأمريكيين بمعلومات حول الجهاديين، واعتاقل العائدين منهم إلى سورية، وازاح الحرج عن واشنطن بتعذيبه المعتقلين الذين كان الجيش الأمريكي قد سلمهم للأسد لاحقا.


أزمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري: بمرور أربعة أشهر على صدور قرار مجلس الأمن الذي يقضي بخروج جيش الأسد من لبنان، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، و كان نظام بشار الأسد المتهم الأول باغتياله، لتظهر التحقيقات تباعا بأن قرار اغتيال رفيق الحريري اتخذ من بشار الأسد شخصيا، وتبين تورط كبار ضباط الاستخبارات في نظامه بتدبير اغتياله مع حلفائهم في حزب الله اللبناني.


وعلى الرغم من أن عام 2005 كان الأكثر تهديدا لحكم بشار الأسد، وبعد اتهام وجهته لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري لكبار مسؤولي الأسد، الذي تزامن مع انشقاق عبد الحليم خدام، نائب بشار الأسد والذراع الأيمن لأبيه طيلة فترة حكمه. وفي الوقت الذي بدا أن حكم الأسد إلى زوال، تلاشى كل ذلك، حتى أن واشنطن خففت من هجومها على دمشق منذ ذلك الحين.



اللواء رستم غزالي، احد أبرز المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، والذي مات في ظروف غامضة عام 2015

الثورة السورية وخط أوباما الأحمر: مع اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد عام 2011، والتي واجهها الأسد بطريقة وحشية من قتل واعتقال طال متظاهرين، ليبدأ جيشه باقتحام المدن والبلدات التي ثارت ضد حكمه، ويمارس قتلا وتهجيرا ممنهجا خلف أكثر من 300 ألف قتيل بحسب أرقام ذكرتها الأمم المتحدة، ومقتل ما يقارب من 20 ألفا تحت التعذيب، وسط ادانات دولية وتصريحات مناهضة لبشار الأسد. وصولا لتلويح الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عام 2012، محذراً بشار الأسد، من أن استخدام أسلحة كيماوية في الصراع الدائر في بلاده سيكون "خطا أحمر" سيدفع إدارته إلى تغيير حساباتها تجاه الأزمة هناك. والذي تجاوزه الأسد بعد أقل من عام واحد، في آب/2013، حين استفاق أهالي الغوطة ، على هجوم بالأسلحة الكيماوية، أدى لمقتل 1500 مدني غالبيتهم نساء وأطفال.


أعقب هجوم الغوطة ردود فعل دولية غاضبة، خاصة مع خط أوباما الأحمر، فيما بدا أنها نهاية بشار الأسد، ليفاجأ الرئيس الأمريكي الجميع بأن بلاده "مستعدة" لتوجيه ضربة عسكرية ضد سوري"، لكنه سيطلب من الكونغرس الموافقة على العملية العسكرية من منطلق الأمن القومي. ويصوت الكونغرس الأمريكي بالرفض فيما بعد. وينجو الأسد مجددا، وينتهي الخط الأحمر الذي التف حول عنق الأسد باتفاقية تقضي بتسليم الأسد ترسانته الكيماوية، بحسب مقترح قدمته روسيا.


مجددا .. المواجهة مع تركيا: مطلع الشهر الحالي، استهدفت قوات الأسد إحدى النقاط العسكرية التركية التي تم تثبيتها ضمن اتفاقي استانا وسوتشي التي أقرها الأسد، مخلفة مقتل أربعة جنود أتراك وجرح تسعة أخرين. لم يكن استهداف النقطة التركية صدفة، بل أتى ضمن حسابات بشار الأسد باللعب حتى الرمق الأخير كعادته، ولأن مقتل الجنود الأتراك سيكون ذا صدى أكبر في الداخل التركي، وهو ما يبدو أنه الدافع الأكبر خلف استهداف قاعدة عسكرية سبق أن وافق الأسد نفسه على إنشائها. جاء الرد التركي سريعا. وأعلن الرئيس التركي أن الجيش التركي استهدف عدة قواعد عسكرية لجيش الأسد، اسفرت عن مقتل أكثر من 30 من مقاتليه.لكن الأسد تابع ما يجيده هو أو من اعتاد إدارة أزماته وأبيه من قبله، ليستهدف مجددا، رتلا عسكريا تركيا قرب إدلب، مخلفا مقتل خمسة جنود أتراك. والذي استدعى ردا تركيا أوسع، بقتل أكثر من 100 من مقاتلي الأسد. وتهديدات تركية بعمل عسكري انتقامي.



مدرعة تركية بعد استهدافها بغارات جوية من مقاتلات الأسد في تفتناز شرقي إدلب

ضمن السياق نفسه، بالتزامن مع مفاوضات مكوكية عبر ذراعه السياسية في الخارجية الروسية التي تسعى لإقناع أنقرة بالعدول عن القيام بفعل عسكري وكأننا عام 1998، ويبدو من غير المفهوم، إن كان يمتلك الأسد ضمانات تعصمه من المضي بسياسته في السير نحو حافة الهاوية التي يجيد الوقوف عليها، ويبرع في المناورة على شفيرها، كما في كل مرة، كأنه يملك مفاتيح الخروج من أزماته قبل دخولها، أو لعله يمتلك مقابلا لا ينضب، وهو ما ينبأنا بنجاته من عواقب هجومه الأخير على النقاط التركية.


 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!