الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
نیجیرفان بارزاني.. من أرض أصلب إلی أفق أرحب
آراس عبد الكريم

"قلت للسیاسیین في بغداد نحن أخطأنا وأنتم أخطأتم أیضاً". هکذا تحدّث رئیس إقلیم کوردستان في حوارە مع قناة الشرقیة، لیلة الخمیس المنصرم، ٢٢ نیسان، فهکذا واجه نفسه والآخرین معاً، ووضع الجمیع أمام المسٶولیة القصوی تجاه التحدیات وإلی ما آل إلیه الوضع في العراق. إنّه لیس رأياً عابراً، بقدر ما هو آلیة عقلانیة لقراءة ثلاثیة، الواقع والذات والآخر في آن معاً.


 أو لیس حقاً من الحکمة والشجاعة مواجهة الذات قبل الآخر؟ فهکذا یتعامل نیجیرفان بارزاني مع ذاته والآخر، وهکذا عرفناه دوماً. فهو یری الواقع کما هو، ولیس کما یحبّذه أن یکون علیە. فتجربته في إدارة الأزمات ومواجهة المشاکل السیاسیة خیر دلیل علی أنّه لا یعنیه ما یهمه وما یرمي إلیه فحسب، بل الآخر لدیه هو في حدّ ذاته موضع اهتمام بکل ما یراه وینوي تحقیقه، لذلک نراه یقول بکل قناعة بأننا في إقلیم کوردستان "علینا واجبات ولنا حقوق معاً"، وذلك لأنّه قبل کل شيء رجل دولة بکل ما للتسمیة من معنی، ولأنّ کل ما یصبو إلیه یسیر صوب حل العقد الذي بات أسلاکاً شائکة تعصر العراق شیئاً فشیئاً. لذا یسأل متألماً "إلی متی؟ حقاً إلی متی هذا النزیف؟ وهو لیس کمثل کثیر من الساسة، إذ غالباً ما یبدؤون بطرح الأسئلة وینهون طروحاتهم بالسٶال أیضاً. بل هو یواجه السٶال ذاته بطروحات وآراء لایجاد أجوبة واقعیة وعقلانیة حول "ما هو الحل؟".


لا یختلف اثنان علی أنّ أرضیة التفاهم والرٶیا المشترکة بین الأطراف السیاسیة في عراق الیوم أصلب من أن یمکننا أن ننظر بعین التفاٶل لتبعات تبشر بانفراج وآفاق تمکن الشعب العراقي من أن یتنفس الصعداء. فکما صور الرئیس نیجیرفان بارزاني في حدیثه المشد السیاسي العراقي في حجمه وصورته الواقعیة، قائلاً: "هناك دوماً في العراق من یشعر بالقلق والخوف حیال الماضي، وهناك من یخاف من المستقبل، وهناك من یخاف من الماضي والحاضر والمستقبل، وهم الکورد"، فهذا المشهد المٶسف هو حقاً ما تشهده الساحة السیاسیة في العراق الجدید الذي ما هکذا اتفق اللاعبون السیاسیون والقوی والمکونات العراقیة علی بنائه.


لا شك في أنّ من یجهد من أجل التفاهم والسلام یمتلك جرأة وشجاعة تفوقان ما یمکن لأي محارب في میادین القتال من امتلاکهما، فمیدان مبارزة السلام لیس مفروشاً بالورود، بل الأحری، وخصوصاً في المشهد العراقي عموماً، مفروش بالأشواك والمطبات. لذا فرجل السلام هو دوماً رجل المهمات الصعبة، یمتلك الشجاعة والحکمة والإرادة لمواجهة التحدیات بعقلیة منفتحة ورٶیا واضحة، یٶمن بما یطرحه ویقول ما یفعله. والعراق یحتاج الیوم لأکثر من رجل من هذا النمط، سیاسیون جریئون، یواجهون أنفسهم قبل غیرهم بالحقائق، یقدمون طروحات وخارطة طریق واضحة وواقعیة تکون جامعة للأطراف المختلفة وعابرة للعقد والعناد السیاسي، سیاسیون صادقون لا یقفون خلف الشعارات والوعود الواهیة، یعنون ما یقولونه عن المصالح العلیا للشعب، وما یعلنون عنه، فیما یخصّ مستقبل العراق والأجیال القادمة. فقد تعب الناس من الخطابات البراقة والجدالات السیاسیة العقیمة، فإذا کان السٶال النمطي عند النخبة السیاسیة هو "ما العمل؟". فعند الشارع هو "أین العمل؟"، وهذا ما أفصح عنه رئیس إقلیم کوردستان، جاساً نبض الشارع العراقي عموماً، بل ومدرکاً بعوالم وتطلعات الأجیال الجدیدة قائلاً: "إنّ من ولدوا في عام ٢٠٠٣ أصبحوا الآن في الثامنة عشرة من العمر". وهم کبقیة أجیال الشعب العراقي المغلوب علی أمرهم، من غیر الممکن أن یعیروا الاهتمام طول الدهر إلی الخطب الرنانة والشعارات البراقة للنخبة السیاسیة، فهم "یستحقون حیاة أفضل"، علی غرار ما قاله رئیس الإقلیم.


إذاً، فنیجیرفان بارزاني قد وضع الساسة العراقیین بکل أطیافهم أمام خیارین لا ثلاثة لهما: إما الحوار العقلاني والتفاهم والعمل المشترك لإیجاد حلّ جذري للمشاکل والتحدّیات من أجل النهوض بالبلد معاً تحت وطأة اللامبالاة، بل وحتی الجهل السیاسي، وإما الوقوع بالعراق في الهاویة، قالها وهو واضع النقاط علی الحروف، قالها آملاً إیجاد صدی لدی النخبة السیاسیة المختلفة، ولدی الشارع العراقي عموماً.


إنه واقف علی أرضیة صلبة، لکنه یتطلع وینحو صوب أفق أرحب للعراقیین کافة. فهل هناك سیاسي، بل حتی عراقي، یختلف مع هذا النهج السیاسي وهذا التطلّع لبر الأمان؟ فکلنا.. بکل اختلافاتنا، شئنا أم أبینا، علی ظهر السفینة ذاتها، فالبحر أمامنا، بل خلفنا أیضاً، فلا نملك غیرها، ولا توجد سفینة نوح ثانیة.


آراس  عبد الكريم


ليفانت - آراس  عبد الكريم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!