الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل الصين هي القطب الثاني القادم؟  
 لمى الأتاسي

ربما الصين هي هذا القطب الجديد الذي تخشاه الولايات المتحدة، وهي الدولة التي يجب اليوم أن يلجأ إليها كل باحث عن توازنات في علاقاته مع الولايات المتحدة. وهكذا حين أعلن بايدن في بداية حكمه عن تراجع ما في بعض اتفاقيات بلاده مع المملكة العربية السعودية، لجأت المملكة لتقارب معلن مع الصين، هذا كان ردها.

وهكذا تفعل اليوم دول كثيرة حين تخذلها الولايات المتحدة. كل ما يمسّ الصين يعني الولايات المتحدة وإن كانت شعوب سوريا والعراق وأفغانستان لا يعنوا حكام الولايات المتحدة كثيراً، فإن كل ما يمسّ الشعب الصيني من بعيد أو قريب يعنيها. وملف أقلية الأويغور المسلمة الصينية يعتبر من القضايا الإنسانية التي تثير اهتماماً جاداً في الولايات المتحدة والغرب والعالم، فمنذ ١٩٤٩ تسيطر بكين على إقليم تركستان الشرقية الذي يقطنه الأتراك الأويغور، ويبلغ عددهم ٣٠ مليون تقريباً، أي ٩ بالمائة من سكان الصين الأويغور، تم حرمانهم من حقوقهم الثقافية، ويتم استعبادهم وتعنيفهم من قبل الحكومة الصينية.

بالتالي، في الدول الديمقراطية الغربية أي تقارب ديبلوماسي مع الصين باتت ترافقه مظاهرات احتجاجية ضد الانتهاكات الصينية للأويغور، هذا ما حصل حين استقبل الرئيس الفرنسي، الرئيس الصيني، الذي كان ملزماً أمام منظمات المجتمع المدني في فرنسا أن يؤكد على تطرقه للقضية مع السلطات الصينية، وأي إهمال منه للخوض بالموضوع يحسب عليه. وأما الموقف الرسمي لأي دولة من قضية انتهاكات الصين لحقوق الأويغور، فلقد أصبح له رمزية تعكس حجم التحالفات والخلافات الدولية القائمة.

كل عام تقريباً تقدّم دول عديدة في الأمم المتحدة بياناً يدين الانتهاكات بحق أقلية الأويغور، هذا العام بلغ عددهم 42، ووقعته مع الولايات المتحدة، تركيا، فرنسا، بريطانيا، بلغاريا، كندا، كرواتيا، السويد، وغيرهم من الدول، وهذا البيان الموجه للأمم المتحدة ضد الصين أصبح توقيعه مؤشراً للتوترات بين الدول. في أكتوبر الماضي وقّعت ٦٢ دولة، من بينها ١٤ دولة عربية، بيان رد دفاعاً عن الصين، يعتبر أن الانتهاكات بحق أقلية الأويغور، تلك المشار إليها  في الشكوى، ما هي إلا مجرد تضليل إعلامي، وبأن هناك تسييساً مضللاً لقضايا حقوق الإنسان وازدواجية في المعايير.. وللمفارقة وقعت على هذا الرد مع الصين دول تعيش صراعات فيما بينها، كإيران والسعودية، فرغم صراعاتهم في اليمن ومناطق أخرى، وجدوا في التقرب من الصين مصلحة مشتركة.

وكما تسعى الصين لمصالحة الدولتين، إيران ترفض الدور المطلوب منها أمريكياً، وهي تعاند الولايات المتحدة منذ عقود، لكنها تعتبر بنظر الرؤية الأمريكية للمستقبل أهم دولة في استراتيجية الصراع مع الصين، ويوم سيقبل النظام الإيراني بلعب الدور المطلوب منه أمريكياً ستتغير كل موازين القوى، حتى ذاك الحين سيبقى الضغط على إيران مستمر، وما الملف النووي، وحتى الصراعات الإقليمية، إلا بهدف الضغط المباشر لتقبل. فهل هذا يعني أن للحكومة الإيرانية قيم إنسانية تختلف عن القيم الأميركية؟ حتماً لا، وإلا فكيف كانت لتقبل بتدمير سوريا وقتل الشعب الأعزل وإرسال جيشها لحروب إقليمية؟ وكيف كانت لتقبل بدعم الفساد والعنف في العراق ولبنان وسوريا؟ المسألة لا علاقة لها بالقيم.

باختصار، إيران تراهن على صعود القطب الصيني، وهذا لأنّها ترى مصالحها على المدى البعيد معه مضمونة أكثر من تلك التي تعدها بها الولايات المتحدة، وحتماً هذا لأسباب جيو استراتيجية، كدورها في مشروع طريق الحرير الذي تعمل عليه مع الصين. هذا الخيار الإيراني الباهظ الثمن هو سر الحرب المشرقية المدمرة. لماذا إيران؟ لأسباب عديدة جغرافية ودينية وغيرها، بالمحصلة الإسلام هو حصان أميركي جاهز للحروب طالما هناك شعوب جاهزة للموت المجاني، أليس هكذا واجهت الولايات المتحدة السوفييت في أفغانستان؟ ألم تحارب طالبان دفاعاً عن معتقداتهم القطب الثاني السوفييتي آنذاك؟

المطلوب حسب كلام أوباما الموثق، هو مد إسلامي جديد، صيني أفغاني إيراني تركي، بهدف إنهاء الصين من داخلها. هذا حتماً ما برر رفض بعض الدول للنهج العدائي مع الصين. لم يكن الاتحاد السوفييتي جنة لسكانه تماماً كما يعاني حالياً الشعب الصيني من ديكتاتورية حكامه وظروف معيشية صعبة، ولكن حين استفردت الولايات المتحدة بالقرارات الدولية لم تكن أكثر رحمة مع سكان هذا العالم. هل اكترثت الولايات المتحدة لمصير أحد من الشعوب في العقود الأخيرة؟ هل أحلّت الديمقراطية والعدالة ومحت العنف والفساد في العراق وليبيا وسوريا؟

السائق الأميركي، وإن كان أميّاً، هو من يقرر من سيحكمه ومن سيحكمنا، ومن خلال سعر برميل النفط في قريته يتخذ قراراته المصيرية ويختار نظام الولايات المتحدة دون حتى أن يقرأ جريدة.. أصبح، ونحن نتفرج من بعيد على ديمقراطيته الجميلة مكتوفي الايدي، هو له الحق بممارسة حقه بالانتخابات، بالقبول وبالرفض، عابثاً بمصير ملايين البشر، ولكي يضمن السياسي الأميركي كرسيه ومنصبه يجب أن يرضي هذا السائق الأمريكي، حتى ولو كان هذا على حساب ملايين من البشر في قارات أخرى.

لم تعرف البشرية قبل هذه الحقبة حكم قطب واحد قط، كانت هناك دائماً قوى متوازية من قطبين أو أكثر يتنافسون على السيطرة والنفوذ في هذا العالم، وتنافسهم يحدث قليلاً من التوازن، إن ظلمنا هذا لجئنا لذاك.. ولكن في عصرنا الحديث لا ملاذ من ظلم نعيشه في مرحلة القطب الواحد التي بدأت مع سقوط الاتحاد السوفييتي.

منذ مدة تحاول الصين التواجد كمنافس اقتصادي جاد، مؤثر ولكنها لم تصل بعد لمستوى المنافسة العسكرية. الحلف الأطلسي "الناتو"، الذي تقوده الولايات المتحدة، يهيمن على أغنى الدول فارضاً القرار السياسي. لا يتجاوز أحد القطب الواحد جدياً وإن سمح له فقط بالتعبير.

 

 لمى الأتاسي

ليفانت - لمى الأتاسي

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!