-
هل تتخلى روسيا البوتينية عن الأسد؟
اتّسمت العلاقات الروسية -السورية بالمصلحة المتبادلة بين الأنظمة على حساب تنمية شعبي بلديهما وازدهارهما، فحرصت موسكو دائماً على تثبيت حكم الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، منذ استيلائه على السلطة في عام 1970 حتى عام 2000، قبل توريث الحكم لابنه الرئيس الحالي بشار، وذلك نتيجة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية واستغلالهم موقع سوريا الجيوستراتيجي على البحر المتوسط وتوسطها عقدة الطرق البرية التي تصل الغرب بالشرق وصولًا إلى دول الخليج العربي. روسيا
في منتصف الأربعينيات كان الاتحاد السوفياتي بخضم الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبحاجة لحلفاء فعليين في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه الخصوص، فأسس السوفيتيون علاقات متينة مع العراق وسوريا، وبدرجة أقل مع ليبيا ومصر.
وهذا ما دعا روسيا الاتحادية، الدولة الوريثة للاتحاد السوفياتي، إلى أن تستمر في علاقتها مع سوريا إبان حكم الأسدين، الأب ووريثه، والدفاع عن بشار الأسد بكل ما أوتوا من قوة عسكرية وسياسية، خصوصاً ما بعد الثورة السورية التي انطلقت في منتصف مارس/ آذار 2011، لا سيما بعد خسارتها لحليفها العراقي «صدام حسين» بعد الغزو الأمريكي في عام 2003، والإطاحة بالنظام الليبي المُمثل بالرئيس «معمر القذافي»، في أكتوبر/ تشرين الأول 2011.
لا أشاء الابتعاد تاريخياً في العلاقات الروسية السورية، لأن المتابع للشأن السوري يرى عمقها منذ وصول حافظ الأسد لسدة الحكم في سوريا عام 1970، وتقديمه لقاعدة طرطوس البحرية هدية للاتحاد السوفيتي، وقتذاك، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط السورية. وهذا يؤكد، أنّ سوريا لم تكن محطة حديثة العهد لمصالح الحكومات المتعاقبة في موسكو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما زاد من أهميتها فيما بعد بالنسبة للروس خسارتهم ميناء البصرة النفطي في جنوب العراق على ضفاف شط العرب، ليتبعها بعد نيف وثماني سنوات خسارة موطئ آخر، ميناء طرابلس البحري في العاصمة الليبية. روسيا
وإذ تنبع أهمية دور روسيا في حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد من خلال العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية القائمة بين البلدين منذ ما يزيد على خمسة عقود. حيث لا يخفى أن هذه العلاقات ضعُفت وركدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكنها سرعان ما استعادت حيويتها بعد تسوية قضية الديون الروسية التي كانت مستحقة على سوريا، حين قررت موسكو، في كانون الثاني 2005، شطب 80٪ من هذا الدين، الذي تقدر قيمته بعشرة مليارات ونصف المليار دولار، وتوقيع اتفاقية على إقامة ما يقارب الـ100 مشروع روسي في عموم سوريا.
وهنا لا بد من بيان، أن سوريا كانت في عام 2010 السوق الرابعة لاستيراد السلاح الروسي بعد الهند وفيتنام والجزائر، حيث بلغ الميزان التجاري في العام الذي سبق الثورة الشعبية في سوريا بما لا يتجاوز المليار دولار، بعد أن أصبحت سوريا السوق الثانية عام 2012، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين في حدود 2 مليار دولار، معظمها صفقات عسكرية روسية.
كما أن احتدام الصراع السوري المسلح وتقدم فصائل الثوار على حساب جيش النظام والميليشيات الحليفة كان فرصة حقيقية لتدخل حكومة بوتين وإعادة ما تم تحريره من مناطق وقرى إلى سلطة الأسد، بعد أن أصبح الثوار في عام 2013 على بعد سبعة كيلومترات من القصر الجمهوري في قلب العاصمة دمشق. وهذا ما أتاح للروس الغوص في الصراع السوري وتجريب أسلحتهم الحديثة على ساكني المدن المنتفضة ضد حكم الرئيس الوريث «بشار الأسد» للاستفادة من تسويقها عند دول المنطقة، لتصبح الجزائر من دول المقدمة في استيرادها للأسلحة الروسية في عام 2020.
وبالرغم من إحراج النظام السوري لحليفه الروسي دولياً من خلال استخدامه للسلاح الكيميائي ضد مناهضيه لمراتٍ عديدة، ألا أن فكرة التخلي عنه ما تزال في أرجوحة الدبلوماسية الروسية، تارة يصرحون بأن الأسد ليس في ميزان حساباتهم، وتارة أخرى يجدون بقاءه في السلطة يعزز من تحقيق لكامل مصالحهم في سوريا والمنطقة. روسيا
وفي ضوء تلك الظروف، يعزو البعض من المتابعين للشأن السوري تمسك الكرملين بالرئيس «بشار الأسد» وعدم وثوق الروس بالمعارضة وشخوصها؛ بسبب ارتباطاتها المتشعبة مع الدول الغربية والعربية، بالإضافة إلى تركيا التي تحتضن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ومشاركة الجيش الوطني المعارض المدعوم من حكومة أنقرة مع جيش بلادها في العمليات العسكرية لصد العدوان المستمر على قطاع إدلب، الممتد من "شمال محافظة حماة" وصولاً إلى "ريف حلب الغربي"، في محاولة لتوقيف جيش النظام والقوى الحليفة له (فيلق القدس الإيراني- حزب الله اللبناني- الحشد الشعبي العراقي.. إلخ)، بالإضافة إلى المساندة الجوية من قبل الطيران الحربي الروسي الذي يشكل مع القوى البرية ثنائية لا يمكن أن ينفكان عن بعضهما البعض.
الادعاءات الروسية
الادعاءات التي تقدمها موسكو في شرح مواقفها داخل وخارج مجلس الأمن ما زالت واهية، وهذا ما أظهرته من خلال مسار أستانا العسكري ومؤتمر سوتشي الذي عُقد تحت عنوان "الحوار السوري"، بحضور شخصيات معارضة ألقت بأجسادها على أرض مطار سوتشي الدولي.
كما أنّ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصصت لمناقشة القضية السورية، واستخدام الروس والصينين لحق النقض (فيتو) لمرات عديدة، وصلت لـ16 مرة خلال عشرة سنوات. ومنذ ذاك الحين، ثمة قناعة تشكلت دولياً تقول، ما تفعله موسكو يركز على دعم النظام ومنع سقوطه، بناءً على حقيقة أنه الحليف الوحيد المتبقي لهم في المنطقة. بل وعارضت أيضاً قراراً دولياً بفرض عقوبات اقتصادية "ملزمة" ضد النظام في الخامس من كانون الأول 2011، قدمته كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال كمشروع قرار لمعاقبة النظام السوري، والذي نقضته روسيا والصين، وهو الفيتو الأول لبلدين معاً.
ومن انعكاسات تلك الحادثة، تعاطي الأوروبيين مع المسألة السورية من خلال المادة 41 من القانون الدولي لميثاق الأمم المتحدة، والتي تخول مجلس الأمن القيام بإجراءات ما دون عسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية وقطع العلاقات الدبلوماسية.
روسيا فعلت كل ما بوسعها لدعم النظام السوري، مستفيدة من تردد الموقف الأمريكي والأوروبي في تعاطيهم مع التغيير في سوريا وتوجسهم من البديل، والذي رجحه المشروع الإسلامي الذي أضر بالثورة الشعبية بسبب العبء الذي حملته المنطقة بعد ظهور فرع للقاعدة (جبهة النصرة) نتج عنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وترديدهم لشعارات عدائية للغرب متماهيةً مع خطاب قادة الحرس الثوري الإيراني (الموت لأمريكا الموت للغرب الكافر).
وبالتالي كان الحل الدولي الذهاب نحو تسوية سياسية بعد إرهاق كل الأطراف المسلحة واستنفاذ قواها وأدواتها البشرية والمادية والتسليحية. وهذا ما أقرته روسيا أيضاً من خلال الموافقة على القرار الدولي 2254 عام 2015. لكنها سرعان ما التفّت عليه للإبقاء على النظام والمطالبة من شريكتها في مسار أستانا تركيا بالضغط على المعارضة وجرّهم إلى مسار إصلاح دستوري حسب مخرجات سوتشي، في يناير/ كانون الثاني 2018. روسيا
لإلقاء المزيد من الضوء على واقع الموقف الروسي، من الضروري عرض المخاوف والشكوك الموجودة في موسكو وتحليلها، والتي جاءت نتيجة عدم وجود جو من الثقة في التعامل مع الغرب. وكذلك عدم وجود أي ضمانات بأن أي قاعدة بديلة للنظام الأساسي ستأخذ بعين الاعتبار المصالح الروسية في سوريا.
مكاسب مهمة حققتها روسيا بعد دخولها إلى سوريا:
- عقد الإيجار الذي أبرمته مع رئيس النظام بشار الأسد لتأسيس قاعدتين عسكريتين على الأراضي السورية على ساحل البحر المتوسط، وستسمح القاعدتان لروسيا بإنشاء أسطول بحري قادر على العمل في المياه الخلفية لبحر أزوف (امتداد البحر الأسود إلى الشمال الغربي)، فيما يمكن لسلاح الطيران الروسي الانطلاق على امتداد شرق المتوسط.
- عودة روسيا لاعباً مهماً في الشرق الأوسط ليسد الفجوة التي حدثت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
- الحد من نفوذ إيران، بوصفها داعماً أجنبياً رئيساً لنظام الأسد ومن كونها الحليف الأقوى له.
- تثبيت أقدام روسيا التوسعية الأخيرة، التي كان من ضمنها ضم أبخازيا، وجنوب أوسيتيا وشبه جزيرة القرم، وتثبيت أقدامها في شرق أوكرانيا.
ختاماً، تمسك الكرملين بالأسد، ليس من مبدأ عدم وجود بديل حقيقي، ولكن لأنهم لا يضمنون مدى قبول القادم الجديد لوجودهم والعمل على تحقيق قضاياهم الجيوستراتيجية. كما أنّ بقاء الأسد يمنحهم نصراً رمزياً، كمؤشرٍ حقيقي يدل على انتصارهم على كل الدول الداعمة للمعارضة السورية وبكافة أطيافها. وهذا طموح روسي بحد ذاته، فكل محاولات موسكو في مجابهة واشنطن يصب في سياق انتزاع اعترافٍ منها بوجودها كقوة عسكرية وجيوسياسية. روسيا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!