الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل تسقط الدوامة السورية فكرة المجلس العسكري؟
إياد إبراهيم

يقول "دي ماجيو": "في إطار عملية خلق (السيستم) تطور النخب الحاكمة ممارسات تخلق على المدى البعيد بيئة معينة تقيد من قدرة غيرهم على إحداث تغيير لاحق". ويقول مالك بن نبي: "هناك أيضاً أنواع من الجراثيم الناقلة للأمراض الاجتماعية، وهذه الجراثيم الخاصة أفكار معدية، أفكار تهدم كيان المجتمعات أو تعوق نموها".


عندما تصبح أيديولوجيا ما خارج إطار العصر، يلجأ المدافعون عنها إلى ما يعرف بالمغالطات المنطقية للدفاع عنها في وجه منتقديها، وذلك لضعف الحجّة، وعدم المقدرة على مواجهة النقد. والمغالطات المنطقية كثيرة، أفرد البعض لها كتباً لشرحها وتفنيدها، في محاولة لتنبيه أصحاب الفكر من عدم الوقوع في فخاخها والارتباك في مواجهتها.


يعتبر الساسة أكثر من يلجأ للمغالطات المنطقية في مواجهة الأسئلة المحرجة، وتصبح المسألة أكثر خطورة عندما يكون هؤلاء الساسة في دول أنظمتها استبداديّة، كالنظام السوري مثلا، حيث لا يتجرّأ أحد على محاولة التشكيك بما يقال. وعلى المدى الطويل، يتفاقم الخطر ليصبح كارثة حقيقية عندما تصبح المغالطات المنطقية جزءاً لا يتجزأ من طريقة الجدال والحوار لدى الشعب برمته وعلى مستوى النخبة أيضاً.


الحكم بناء على المصدر مغالطة تستخدم بقوة على الساحة السورية، وهي تعني الحكم على الفكرة أو الرأي بناء على المصدر، أو الشخص الذي عبر عنها. تفسر هذه المغالطة تلك الظاهرة المستغربة في الشارع الثوري، حيث تخبو الأفكار والشخصيات التي تطفو على السطح سريعاً، بل أصبح البعض يخشى الظهور، ويخشى طرح أفكار أو مقاربات جديدة لأنّه يعرف النتيجة مسبقاً.


من أجل ممارسة الفساد بأريحية دونما خوف أو وجل؛ عمّم النظام السوري الفساد على مستوى المجتمع، وأُجبر المواطن على دفع الرشوة أو تقبلها، وأُجبر على الاختلاس -كلاً حسب موقعه- ابتداء من سرقة المليارات، وانتهاء بالتلاعب بعداد الماء والكهرباء، وعلى هذا، أصبح كل سوري مصدراً غير موثوق لأية فكرة أو معلومة أو رأي أو مكانة –حسب منطق المغالطة– لذلك، عليه أن يخرس. ولكي تكتمل الصورة وتصبح أكثر قتامة، فالذين غادروا البلد منذ زمن ولم يشاركوا في حفل الفساد العام، هم أيضاً لا يصلحون لشيء، فهؤلاء تلوّثت عقولهم بثقافات بلدان المهجر. وبالتالي، لدى هؤلاء أجندات تندرج ضمن سياق العمالة والغزو الثقافي. لذلك، فليخرسوا هم أيضاً.


جنباً إلى جنب تعمل هذه المغالطة مع ما يسمى بثقافة تحطيم الآخر، فمن لا يستطيع ارتقاء سلالم النجاح يجعل الناجحين أو المتفوقين يهبطون إلى مستواه، أو أقل من ذلك إذا أمكن، من خلال حملة من الشيطنة تبدأ بحسبه ونسبه مروراً بتاريخه، وصولاً إلى التهكم من أقواله أو إنجازاته أو مشروعه. بهذا يكون السوريون في قلب دوامة تبتلع كل شيء، وتضع الجميع أمام حائط مسدود، بل وتوحي أحياناً، وكترجمة لهذا السلوك فإنّ السوريين يقولون بطريقة غير مباشرة: "دعونا، أو أعيدونا إلى ما كنا عليه".


الكل يعلم أنّ ما انزلقت إليه سوريا من فوضى عارمة يحتاج إلى مرحلة انتقالية يكون للعسكر فيها دور بارز، فهم الوحيدون القادرون على ضبط الأمن وخلق الأرضية المناسبة لعودة اللاجئين، وعندما تطرح فكرة المجلس العسكري المشكل من ضباط أصحاب خبرة، وممن رفضوا مشاركة النظام بجرائمه كأداة تنفيذية لمجلس الحكم الانتقالي، يتوقع أن تلقى ترحيباً كبيراً من جمهور الثورة كفكرة منطقيّة عقلانيّة تلامس مصلحة الجميع، لكن ما يمكن أن نطلق عليه اسم "الدوامة السورية" التي هي نتاج العقل الجمعي السوري الذي صاغت السلطة معظم مفرداته، مازالت تقف حائلاً بين السوريين وبين معرفتهم أين تكمن مصالحهم.


يقول "إريك فروم": "أعتقد أنّ الحرية هي القدرة على اتباع صوت العقل والمعرفة في مواجهة صوت المشاعر اللاعقلانية". فلنكن أحراراً بحق، ولنتبع صوت العقل والمعرفة، ليس من خلال تقبل فكرة المجلس العسكري كأداة تنفيذية للسلطة السياسية في مرحلة إعادة الاستقرار، وإنّما من خلال اعتبارها فكرة قابلة للنقاش والدراسة من خارج نطاق الدوامة، فإما رفضها على أسس علمية منطقية، وإما قبولها على نفس الأسس. ولكن ليعلم الجميع أنّه من أكبر الأخطاء أن يسند الأمر إلى غير أهله.



إياد إبراهيم


ليفانت - إياد إبراهيم

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!