-
هل تُبيح العالمية لصاحبها ما حرَّمه على غيره؟
نُشر مقالٌ في جريدة الناس نيوز للكاتب نشمي عربي تحت عنوان "لا غمزات ولا همزات، هي لوحات فرزات". الكاتب التزم نقاش نقاط الخلاف التي أثارها رسم الكاريكاتير للفنان السوري علي فرزات، المنشور منذ العام 2002، لكن تم ربطه حديثاً باسم سيدة هي عضو من أعضاء الائتلاف السوري.
كجميع الحروب الكلامية التي شهدناها خلال العشر سنوات الماضية بين أطرافٍ جميعها تُحسَب على المعارضة، انتهت هذه الحرب بالشتائم وتبادل الاتهامات والألفاظ السيئة، وضاعت النقاط المهمة في رحى مطاحن هذه الحرب، بدل من أن تُطرح على الطاولة بنقاشٍ واسع.
مقال الكاتب ابتدأ بطرحٍ موضوعي عن طبيعية تعرّض السيدة العاملة في الشأن العام، والسياسي بصفةٍ خاصة، للنقد الذي يمكن أن يصل حد التجريح في كثيرٍ من الأحيان، كما عرّج على حق الفنان في تقرير أدواته للتعبير عن الفكرة المُراد توصيلها. جانبَ الكاتب الصواب كثيراً في موضوعيته لهاتين النقطتين، واقترب ليكون صوت العقل في نهاية هذه الحرب الكلامية بشرحٍ وتوضيحٍ بعيداً عن الاتهامات والمَسبات، إلاَ أنّه أسقط نقطتين لا يمكن الحديث عن الموقف برمته دون التطرّق إليهما بعدما قرر الكاتب الحديث بموضوعية عن هذه الحرب.
عمد الفنان علي فرزات بعدما طاله من انتقاداتٍ، إلى الدخول لصفحات من أدانوه "وهم كُثر" وهاجمهم برسالةٍ أو بتعليقٍ استخدم فيه نفس السلاح الذي دافع عنه وعن حقّه بامتلاكه.
اختيار الفنان فرزات جسدَ سيدة للتعبير عن فكرته، يقع ضمن حقه الكامل في النقد والتعبير، وارتكاز السيدات على حساسية استخدام جسد الأنثى في الفن لتوجيه النقد له، هو استمرارٌ لتقديس هذا الجسد الذي يعطي مُبرراً للوصاية على المرأة وما يتبعه من أفعالٍ تصلُ حد القيام بقتل النساء، بحجة الحفاظ وعدم المساس بقدسية هذا الجسد من قبل حراسٍ له وعليه.
لكن كان من الغريب وازدواجية الموقف، استخدام الفنان فرزات لنفس هذه الحساسية في مهاجمة كل من أدان هذا الكاريكاتير، من خلال تلميحاتٍ جنسيةٍ بحتة، فكيف يدافع عن حقه في نقض هذه الحساسية ثم يستخدمها نفسها "لليِّ ذراع" من أدانه وكاريكاتيره؟
ثم لم يتوانَ كاتب المقال كذلك، ككل من ساند الفنان علي فرزات، بالتركيز على فكرة عالمية الفنان، لنجد أنفسنا أمام سؤالٍ، هل تُعطي العالمية مبرراً لصاحبها بأن يرتكب ما يريده من أفعال، وأن يصمت المتلقي تحت ضريبة هذه العالمية؟ هل كان يجب أن يصمت الشعب السوري على ازدواجية موقف الشاعر علي أحمد سعيد إسبر، المعروف بأدونيس، واتخاذه موقفاً معادلاً للثورة السورية بحجة أنّه اقترب من الحصول على جائزة نوبل للآداب، وهو الذي حصل بالفعل على جائزة غوته الألمانية عام 2011؟ وهل كان يجب أن يصمت العالم أمام حرب رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019؟
في الحرب الكلامية التي دارت، وكان الفنان فرزات أحد أطرافها، خسر الفنان من الجولة الأولى، بعدما رضخ للانتقادات التي طالته وانجرف للرد عليها، بدلاً من التمسك بأحقية وأهمية ما طرحه.
فلم يعد ممكناً الحديثُ عن عمل الائتلاف من منظور النقاش ووجهات النظر، بل إنه إساءةٌ بحق الثورة السورية لا بد من تصحيحها، فزيارة رئيس الائتلاف الوطني آنذاك، نصر الحريري، ونائبته، ربا حبوش، إلى عفرين في العام الفائت، عفرين التي ترزح تحت الاحتلال التركي بعد تهجير أهلها، لتأتي سيدة تدّعي تمثيل الشعب السوري في ثورته، وتصف نفسها بأنها "زيتونة من إدلب" على أرض عفرين! هي زيارة تقول إن من قام بها لا يمكن أن يكون قد تبنّى فكر الثورة أو رغبة التغيير.
لا نلبث يوماً بعد يوم إلاَ ونشهد ازدواجية المواقف والأحكام، فسقط فرزات في ازدواجية الحق في التعبير عن رأيه، وإنكاره على أطرافٍ أخرى، كذلك سقط كاتب مقال "غمزات لا همزات"، في موضوعية عرض النقاط التي تُجيِر الموقف لصالح "الفنان العالمي" وأهمل النقاط التي تُفقد الفنان مصداقيته في ادّعائه حرية الفكر والتعبير، برفضه حرية ورأي الآخر، فليست المسألة قوة العالمية أمام قوة الشعب، وإلاَ لما كانت الثورة السورية نعمت بحقٍ، في مواجهة قوىً عالمية كبرى وقفت بوجهها.
إنَ فكر الثورة بما يحتويه من حرية ورغبة بالتحرر، لا يمكن أن يقوده رجل أو تقوده سيدة دون التحلي بهذه الأفكار وعلى كافة المستويات، ولا يمكن لسيدة أن تسير قدماً في المجتمع وتكون مِثالاً إذا ما تخلّت هي نفسها عن جعل جسدها مكاناً ضعيفاً تُمسَك به من خلاله، فليس مقدساً ولا ضعيفاً، ليس شائناً ولا مبجلاً، فكيف تسمح بأن يكون هذا الجسد هو اليد التي تُمسَك بها لإيلامها؟
كسيدة سوريّة، كنت أتمنى أن يكون نقدُ فرزات نقداً أجوفاً قائماً فقط على الحطّ من شأن المرأة، وأن تتمكن السيدة المعنية بالرد على الكاريكاتير كما ردّت جانيت رينو، التي أوردها كاتب مقال "همزات لا غمزات" في مقاله، كمثالٍ عن استهداف العاملات بالشأن العام، وأن تردَ بردٍ شجاعٍ وكله ثقة، يأتي من عملها الحقيقي على القضية التي تدّعي تمثيلها.
نعم كنت أتمنى أن يعطينا الفنان العالمي درساً في حرية الرأي والتعبير وتقبل النقد، يأتي من إيمانه بهذه الحرية له ولغيره من أفراد، حتى لو لم يصلوا للعالمية التي وصل هو إليها.
ليفانت – هدى سليم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!