-
هل يعلن الغرب الطلاق البائن مع الإخوان المسلمين؟
وجدت جماعة «الإخوان المسلمين» في القارة الأوربية ملاذاً آمناً لهم، بعد سلسلة التصادمات بين الجماعة الباحثة عن السلطة والأنظمة العربية، وذلك منذ خمسينيات القرن الماضي.
الأمر لم يقتصر لاحقاً على البحث عن الأمان بل تعداه لمزاولة الأنشطة المشبوهة تحت غطاء «العمل الخيري»، فقد نجحت جماعة الإخوان بتأسيس شبكة علاقات من جنسيات مختلفة، تداخلت فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، مستغلة التساهل الأوربي حيالها، فامتدت نشاطاتها في أنحاء أوروبا عبر مؤسسات ومراكز أنشأتها الجماعة.
وهنا يحضر السؤال المهم عن سر العلاقة الجدلية بين الإخوان والغرب، وما الذي يجعل الحكومات الغربية متماهية مع نشاطات الإخوان، والغرب لا تنقصه الفطنة والنباهة إلى تاريخ الجماعة، الزاخر بالإرهاب، وإلى فكر الجماعة المتضمن مفاهيم عنفية تكفيرية انعزالية؟
في حقيقة الأمر العلاقات الغربية الإخوانية تأسست من بوابة خروج أوربا من حربين عالميتين حصدتا ملايين الأرواح، فجنحت الثقافة الغربية إلى الهدوء، ورفض العنف، ومنع الحروب، وانبثق عن ذلك التوصل إلى مواثيق دولية ذات طابع إنساني، أهمها «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» و«الميثاق العالمي بشأن اللاجئين»، فاستفاد الإخوان من هذا الظرف المواتي ليزحفوا إلى تلك البلاد حاملين «مظلوميتهم» المزعومة.
وهناك سبب آخر تكرس في المرحلة اللاحقة، مع تصاعد التيار الإسلامي الرديكالي متمثلاً بتنظيم القاعدة، فقد أخذت «القاعدة» على عاتقها مهمَّة مقارعة الغرب «الصليبي» وفقاً لمنظِّريهم، ونفَّذوا هذا عملياً بعد إطلاق «الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين» من قبل زعماء القاعدة «أسامة بن لادن وأيمن الظواهري». هنا تسلل الإخوان المسلمون إلى خشبة المسرح الدولي مقدِّمين أنفسهم على أنهم التيار الوسطي المتبني للفكر المعتدل.
يبدو أن الدول الغربية قبلت بفكرة التعامل مع الإخوان المسلمين للتعاطي مع العالم الإسلامي من خلالهم، واتخذ الغرب من الإخوان مصدراً بحثياً استقصائياً لمعرفة تركيبة البنية المجتمعية والنخبوية والتاريخية لدى المسلمين، وهذا الأمر تحديداً أتاح للإخوان -ولعقود من الزمن- هامش تزوير الحقائق ونقل الصورة مقلوبة إلى الغرب.
ومع اقتراب الكوادر الإخوانية من مراكز صنع القرار تشكل «لوبي» إخواني قوي عمل بشكل متدرج على تمرير «رؤاه» بهدف التأثير على راسمي السياسات الغربية، وعلى خط مواز عمل الإخوان على الاندماج بالمجتمع الغربي، من خلال مؤسسات خيرية، ومنظمات مدنية، مما ترك بصمة مهمة في المجتمع الغربي، لا سيما في القضايا الكبرى.
لكن السنوات الأخيرة كشفت زيف ادعاء الإخوان للوسطية والاعتدال، بالتزامن مع صدور دراسات تؤكد بالوثائق ضلوع جماعة الإخوان بالإرهاب القاعدي بشكل أو بآخر، وورود تقارير تثبت أن المؤسسات التي تنشئها وترعاها الجماعة ما هي إلا بؤراً للتخريب والتدمير، بما فيها المساجد التي حولها الإخوان إلى قواعد تدريبية متقدمة في بلاد الغرب.
وأشارت تقارير استخباراتية فرنسية إلى تورط «قطر» بشكل حاسم في دعم الإرهابيين من جماعة «التوحيد والجهاد»، بشمال مالي، كما تحدثت عن تدريب العشرات من الفرنسيين في مناطق ليبيَّة بين العامين 2011 و2014، وأنّ قطر شاركت بدور مهم في استقطاب وتجنيد وتدريب مقاتلين من دول شمال أفريقيا وآخرين يحملون جنسيات أوروبية وينحدرون من أصول مغاربية ثم تسفيرهم من ليبيا إلى سوريا عبر الأراضي التركية.
ورصدت «الاستخبارات الداخلية» في ألمانيا بقلق تنامياً ملحوظاً في نفوذ جماعة الإخوان داخل ولاية «سكسونيا» شرق ألمانيا، وأنّ جماعة الإخوان استغلت عبر منظمات، مثل الجمعية الثقافية «ملتقى سكسونيا» نقص دور العبادة للمسلمين الذين قدِموا إلى سكسونيا كلاجئين، لتوسيع هياكلها ونشر تصورها عن الإسلام السياسي، وتعززت المخاوف الألمانية بشراء الإخوان لعقارات على نحو كبير لتأسيس مساجد أو ملتقيات للمسلمين، بالتزامن مع رفض الجماعة لقيم رئيسية في النظام الديمقراطي الحرّ مثل الحرية الدينية أو المساواة بين الجنسين.
الأمر ذاته ينطبق على كل أراضي القارة الأوربية، حيث يوجد في بريطانيا «منتدى الشباب المسلم في أوروبا» وهو شبكة تتألف من 42 منظمة تجمع الشباب من أكثر من 26 بلداً، كما له صلات وعلاقات مع البرلمان الأوروبي.
لأجل تلك المتغيرات ارتفعت الأصوات المنادية بضرورة وضع جماعة الإخوان المسلمين وكل التنظيمات المتفرعة عنها تحت المراقبة والرصد المكثف والمستمر. ولكن الجدال حول الحظر المباشر للجماعة وإدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية من المرجح أنْ يستمر لبعض من الوقت.
وفي هذا السياق، ناقش البرلمان الألماني مؤخراً مسألة تمويل جماعة الإخوان المسلمين المتغلغلة في نسيج المجتمع الألماني، وذلك بعد سيطرة الجماعة على عقار مهم في ألمانيا، لوضع حد لتغلغل الإخوان في مفاصل المجتمع الألماني والذي ظهرت بداياته منذ الخمسينيات عندما تشكلت لجنة «الإشراف على المساجد»، التي أسسها المصري «سعيد رمضان» صهر مؤسس الجماعة «حسن البنا».
فهل بدأت قلاع الإخوان التي بنوها خلال سبعة عقود من الزمن بالانهيار؟.. المؤكد أن الجواب بالإيجاب في الدول الغربية تحديداً، لكن الانهيار التام لن يحدث ما دام المال القطري متدفقاً بطرقة أو بأخرى، والسؤال اللاحق هو: هل ينتقل مركز ثقل تموضع الإخوان المسلمين إلى آسيا مثلاً، وتحديداً إلى ماليزيا وباكستان؟
ليفانت - عبد الناصر الحسين
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!