-
هل يمكن للتحالفات التاريخية للمعارضة التركية أن تهزّ عرش أردوغان؟
تركيا مقبلة على انتخابات مصيرية في شهر أيار/ مايو المقبل ودخول محفوف بصراع حزبي قوي بين المرشحين مع محاولات لاستقطاب الأحزاب الصغيرة في المعركة الانتخابية من قبل التحالف الجمهوري وتحالف الأمة، وتعتبر هذه الجولة الانتخابية المرتقبة في تركيا مصيرية ومهمة جداً لكل من التحالفين دون الجولات السابقة.
معركة استقطاب بين التحالفين
لجأ أردوغان إلى سياسة استقطاب وجذب الأحزاب الصغيرة لترجيح كفة الفوز لصالحه تحت مظلة التحالف الجمهوري، بالنظر إلى الأحزاب التي أظهرت ولاءها الانتخابي لتحالف الأمة، نستطيع القول إن أردوغان اختار الأحزاب صاحبة الأيديولوجيات الدينية دون غيرها ليستطيع استقطاب أصوات كثيرة لصالحه للظفر بجولة انتخابية ثالثة، وتضم قائمة التحالف الجمهوري خمسة أحزاب، هي حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب هدى بار، وحزب الرفاه من جديد وحزب الوحدة الكبرى، وحزب الحركة القومية اليميني المحافظ.
التوجهات الخاصة لهذه الأحزاب تؤكد كيفية استغلال الميول المحافظة والدينية لدى هذه التشكيلات الحزبية من قبل أردوغان لكسب أكثر من 50 بالمئة من الأصوات في الحملة الانتخابية لأنه من الصعب جداً أن يظفر أردوغان بهذه النسبة من الأصوات مع وجود خصم قوي في الطرف الآخر من الحملة الانتخابية، والظفر بالمقعد الرئاسي يكاد يكون مستحيلاً لأردوغان دون اللعب على الوتر الديني لدى المجتمع التركي.
من ناحية أخرى، الركض وراء الأحزاب الصغيرة في تركيا يؤكد العجز في حزب العدالة والتنمية وعدم قدرته خوض العراك الانتخابي بالتوكل فقط على الحزب القومي، خاصة أن المعارضة توجهت إلى هذه الانتخابات بموقف قوي.
وتوجه تحالف الأمة بسبعة أحزاب مع وجود مرشحها الوحيد إلى الآن، كمال كليجدار، بالنظر إلى هذه المعطيات يمكننا التنبؤ بفوز الأخيرة في هذه الانتخابات التي ستشكل منعطفاً جديداً في تركيا.
وجود العنصر الكردي
ضمن هذه الجولة الانتخابية، الكورد حاضرون بقوة في المشهد الانتخابي، حيث انضمت أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا، حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى تحالف الأمة، مما يعزز موقف المعارضة أكثر، ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي ثالث أكبر حزب في تركيا ومظلة لمعظم المواطنين الكورد الذين يعيشون في تركيا، إضافة إلى صلابة ووحدة الرأي في صفوفه والتحرك كجسد واحد وهو ما يميزه عن الأحزاب الأخرى، ناهيك عن فوزه بنحو 12 بالمئة من الأصوات في الانتخابات العامة المحلية التي أجريت عام 2018. ولتفادي محاولة حظره ومشاركته في الانتخابات بسبب التهم الموجهة له أعلن دخول الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر، وهو ما لم يتوقعه تحالف أردوغان من حزب الشعوب الديمقراطي. هذه الخطوة توثّق قوة الأحزاب المعارضة ودخولها الانتخابات بمرشح واحد مع الحفاظ فعلاً على وجود عناصر وأحزاب مختلفة ضمن هذا التحالف، وهي نقطة تحتسب للشعب الكردي والشعب التركي لإجراء تغيير حقيقي في شكل النظام التركي، وتقليل الفرص أمام أردوغان وحلفائه بالحكم مجدداً بعدما حكم أكثر من عشرين عاماً تركيا، حكماً استبدادياً لاديمقراطي ومركزي.
الثمن المنتظر للأحزاب المنضوية إلى التحالفين
كلا التحالفين اعتمدا على مجموعة من الأحزاب المختلفة في السياسة، متجاهلين كمّاً هائلاً من الفروقات، للظفر بكرسي الرئاسة دون النظر إلى ما قد يحصل في المستقبل، وقد لا تشكل تلك الاختلافات مشكلات كبيرة بعد الظفر بالمقعد الرئاسي لصالح أحد المرشحين، لكن على الجانب الآخر قد تكون هناك تحولات أو تغيرات مفاجئة في مواقف تلك الأحزاب إذا لم تتوافق المواقف مع آمالها أو غاياتها فكل حزب انضوى إلى أحد الحلفين يتأمل مجموعة من المكتسبات والوعود والحقوق في البرلمان التركي بما يعطي النفوذ لتلك الأحزاب الصغيرة ويضمن مشاركتها في القرارات والإدارة مستقبلاً، إذ ليس هناك تنازل في سيادة تلك الأحزاب وإنما هناك ثمن تنتظر أن تقبضه بعد فوز المظلة المنضوية تحت ظلها، وهو بحد ذاته سيشكل معتركاً سياسياً جديداً في تركيا قد يعقد المشهد التركي في حال لم تقبض الثمن أو نشبت خلافات بينها ضمن الحلف الواحد.
موقف أردوغان الضعيف
موقف أردوغان في هذه الحملة الانتخابية ليس بالقوي جداً ولعدة أسباب، منها سياساته في الداخل والخارج ووساطته في الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب المياه مع العراق واليونان وسوريا، ناهيك عن التضخم في المعدل المعيشي للفرد ليتجاوز 64 في المئة في تركيا.
فتركيا تشهد حقبة من التدهور الاقتصادي التي أثقلت كاهل المواطن التركي بالإضافة إلى تراكم العجز في الميزانية العامة وهبوط الليرة التركية وارتفاع ثمن العقارات والغذاء.
المواطنون الأتراك أصبحوا عاجزين عن تحمل أعباء هذه الأزمة التي هي وليدة السياسات التركية الداخلية والصراعات التي دخلتها تركيا من أوسع أبوابها من دعم مليشيات عسكرية راديكالية قاتلت في كل من اليمن وأفغانستان وليبيا وسوريا والعراق إلى احتلالها لمدينتي سري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض عام 2019، ومدينة عفرين عام 2018 في شمال وشرق سوريا، ودعم مشاريع التغيير الديموغرافي في المناطق المحتلة من قبل الجيش الوطني، ومد أذرعها في الداخل السوري وجنوب العراق.
كل هذه المعطيات ترسم لن عدة سيناريوهات أحدها خسارة أردوغان وإفلاس وعوده وسياسته، بالإضافة إلى تمزقات قد يشهدها أنصار أردوغان وحلفاؤه في الداخل التركي وخارجه مما سيؤثر على الساحة الإقليمية والدولية والتركية.
وقد نشهد محاكمة لأردوغان ودعوات كثيرة قد يقيمها عليه المجتمع الدولي بسبب الانتهاكات التي ارتكبها أنصار أردوغان في سوريا والعراق، خاصة استخدام الأسلحة المحرمة الدولية في هجماته على مناطق شمال وشرق سوريا واستهداف المدنيين والصحفيين والنساء والأطفال والتعدي على سيادة دولة العراق وإقامة سدود غير شرعية على مصادر المياه المغذية لسوريا والعراق ضارباً عرض الحائط القوانين والمواثيق العالمية، وسط هذه السيناريوهات لا أظن أن الدول الإقليمية قد تحاول مساعدته بل ستتركه لمصيره كما حدث مع رؤساء سابقين في العراق وتونس ومصر.
زلزال فبراير من نقمة إلى لعبة للفوز بالانتخابات
كان لزلزال 6 فبراير/ شباط، تأثير على إضعاف موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأن الزلزال أظهر هشاشة الحكومة التركية وعدم قدرتها على مواجهة الأزمات والكوارث والتي كان من المفترض أن تركيا قادرة على تخطي هذه الكوارث بخسائر أقل مما خلفها الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وخلف دماراً واسعاً في البنى السكنية والتحتية، وأكثر من 50 ألف قتيل وثلاثة ملايين نازح ومئات الآلاف من العائلات المنكوبة، الزلزال أثر سلباً على تركيا ومناخها وسكانها وأثبت عجز النظام التركي برئاسة أردوغان عن تفادي هذه الأضرار الكبيرة في مناخ وبيئة تركيا. حدوث كارثة الزلزال سحب بساط الأمان من تحت قدمي الرئيس التركي الحالي وخلق مخاوف كثيرة للطبقة المتضررة من الزلزال وحتى التي لم تتضرر بشكل مباشر مما يرجح أن يكون الإقبال على اختيار أردوغان كرئيس لولاية ثالثة في تركيا ضعيفا مقارنة بالجولتين الانتخابيتين السابقتين.
استطلاعات للرأي أجريت في وقت سابق، كشفت أن تأييد أردوغان لم يصل إلى 43 بالمئة من الأصوات المؤيدة في حين أن أصوات المخالفين تجاوزت 51 في المئة، لذلك قرر أردوغان دخول معترك الانتخابات غير موفر أي طريقة للفوز، محاولاً تحويل الزلزال من نقمة إلى نعمة لصالحه بزيارة المناطق المنكوبة إثر الزلزال وإطلاق وعود جديدة بإصلاح الوضع الاقتصادي لتكون تركيا أفضل حالاً مما هي عليه الآن.
رؤية واضحة للمشهد التركي
في ظل تحضيرات الأحزاب المتحالفة خوض غمار الانتخابات الرئاسية لشهر مايو/ أيار المقبل عام 2023، أصبحت هناك رؤية واحدة وواضحة للمشهد التركي على الأقل ولهذه الرؤية جانبان:
الأول: بات المواطن التركي يرى أن توفير خبزه ومسكنه هو الأهم، وأفضل من يوفرهما له ليس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأن عشرين عاماً من حكمه أثبتت فشل وزيف مخططاته الاقتصادية للنهوض بالواقع الاقتصادي .أما الثاني: هي أن أردوغان هو أفضل من يجيد بناء مجده على مآسي الشعب التركي عبر استغلال زلزال 6 من فبراير/ شباط ، ليكون سبباً لنجاحه عوضاً عن أن يكون الممر لوصوله إلى السقوط والفشل في الانتخابات الحالية عبر تسمية حملته الانتخابية بإعادة إعمار ما دمره الزلزال والتي أطلقها من المناطق المنكوبة محاولاً اللعب على الوتر الحساس لدى الشعب التركي .
العيون في الداخل والخارج تترقب صدور النتائج
انتخابات الرابع عشر من مايو هي التي تحدد مصير تركيا، بالإضافة إلى الارتقاب الداخلي من الوسط التركي للانتخابات، كذلك الأطراف الخارجية هي أيضا تترقب وصول أحد الحلفين إلى سدة الحكم، خاصة سوريا والعراق وإيران وروسيا. إن عدم وصول أردوغان إلى الحكم مترأساً تحالف الأمة قد يغير في ملامح الخارطة السياسية والعلاقات بين هذه الدول كما يمكن أن يؤثر على مسار محاولات التطبيع مع النظام السوري بالإضافة إلى التأثير على وجود قواعد عسكرية تركية في الداخل السوري وجنوب كردستان والحرب الأوكرانية.
بالتالي هذه الانتخابات مصيرية أكثر مما أن تكون جولة انتخابية اعتيادية في تركيا وملامح الخارطة الانتخابية بالرغم من وضوحها مؤخراً إلا أنها قد ترتطم بمفاجآت كلا التحالفين لم يتوقعها، فكل العيون ترصد وتترقب بتوجس نتائج الحملات الانتخابية، كلٌّ يتأمل بوصول الحليف الذي يسهل وصولهم إلى مآربهم.
ليفانت - مالفا علي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!