رابط مختصر: https://tlns.live/aezOza

تعليق

كل فترة نسمع عن ضبط شحنة مخدرات قادمة من سوريا أو لبنان، أكثر المحتويات شيوعاً حبوب الكبتاغون التي تجد كما غيرها من سوريا بلداً آمناً لتصنيعها بدعم من جهات سلطوية أو من أقرباء رأس النظام بشار الأسد. قرأنا الأحد خبراً من لبنان عن اشتباك تاجر مخدرات من آل زعيتر مع الجيش اللبناني. ليس خبراً لبنانياً محلياً بمفاعيله يتوقف صداه عند معبر المصنع أو البدروسية والعريضة؛ لكن نشاط بطل الخبر علي زعيتر في الأغلب عابر للبنان نحو سوريا وربما المنطقة برمتها.

يتلازم المساران السوري اللبناني في صناعة وتجارة المخدرات منذ عدة سنوات مضت على نحو متعاظم وغير مسبوق لم يكن حاصلاً قبل عام 2011 بالرغم من انتشار الحبوب المخدرات وصناعتها على نطاق محدود بشكل غير مشروع في سوريا. لكن مع اقتراب الأعمال الحربية والتعفيش على الانتهاء وتراجع اقتصاد الحرب منذ منتصف 2017 إلى منتصف 2018 بدأت هذه الصناعة غير الشرعية بالقفز في معدلات أسية.

وجدت ميليشيات بزعامات من آل الأسد في شراكة تجار الحشيش في لبنان ولاسيما من بعلبك في البقاع خطوة يجب أن تحصل مادامت الحماية متوفرة والتغطية الأمنية مضمونة بدءً من الفِرْقَة الرابعة التي يرأس عليها ماهر الأسد وصولاً إلى ضباط أمن وتغطية من حزب الله اللبناني. لكن الأهم هو وجود واجهة بحرية للتصدير ولاسيما ميناء اللاذقية على ما ذكره أيضاً تحقيق مطول لصحيفة نيويورك تايمز. رابط التحقيق

ليس نوح زعيتر هذه المرة في الخبر، إنه علي منذر زعيتر الملقب "أبو سلة"، أعاد تذكيرنا بملف المخدرات وما يسببه للشباب السوري والمنطقة من أذى، حتى أصبح تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة أمراً اعتيادياً لمن هم دون السن القانونية في سوريا ولاسيما في محافظات اللاذقية وطرطوس ودرعا والسويداء على سبيل المثال.

على عكس قُوَى الشرطة والأمن السورية، تنخرط القُوَى الأمنية اللبنانية أو الجيش من حين إلى آخر في خضم عملية أمنية تلاحق فيها تجار مخدرات. كان آخرها من طرف الجيش اللبناني في حي الشراونة القريب من مدينة بعلبك في البقاع الشمالي بهدف الإطباق على واحد من أبرز تجّار المخدرات علي زعيتر "أبو سلة" انتهت بهربه مصاباً برجله وسقوط جندي من الجيش اللبناني وجرح خمسة آخرين. ساعده في الهرب أحد مشايخ آل زعيتر المقرب من حزب الله وفق مصادر بقاعية لشبكة العربية الإخبارية.

لا يستبعد أن يحل ضيفاً عند أحد أصدقاءه المعروفين في سوريا من أبناء الكار بعد وقوع ضحايا من الجيش اللبناني، قد ينتظره قرب أحد المعابر غير الشرعية في القلمون مع فرقة إسعاف مجوقلة. من المفهوم أن يتعاضد أبناء الكارتيل والآباء المؤسسين لتجارة الحبوب المخدرة على أوسع نطاق في الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا.

كانت سوريا الحبوب المخدرة متوفرة إلى حد ما منذ ما قبل اندلاع الثورة في آذار2011، إلا أن ظروف الحرب جعل تصنيعها أكثر رواجاً وانتشاراً واستخداماً وتصديراً. وباتت قيمة صادرات الكبتاغون تفوق بأشواط الصادرات الشرعية، ما جعل سوريا تصنّف على أنها "دولة مخدرات".

تصنيع وتهريب مستمر.. تأهب أمني وحدود مشتعلة

كثرت التقارير التي تناولت تجارة المخدرات بأنواعها منذ عدة سنوات على خلفية انتشارها في سوريا كبلد مصنّع وعبور ومستهلك لبعض الأصناف كالحشيش والحبوب بين طلاب الجامعات في السنوات الأخيرة. لكن كان الحدث الأكثر بروزاً في تموز 2020، من إيطاليا عندما شاهد العالم أكبر حمولة مخدرات في العالم 14 طن (84 مليون حبة) من الحبوب المخدرات (أم فيتامين) ضبطها الشرطة الإيطالية قادمة من ميناء اللاذقية، آنذاك، أفاد تقرير الحكومة الإيطالية أنها قادمة من تنظيم الدولة الإسلامية (سوريا)، ما أثار انتقادات وسخرية واسعة في حين كان التنظيم قد انتهى تقريبا والشحنة خرجت من ميناء اللاذقية.

قبلها، صادرت السلطات اليونانية، في يوليو 2019، ما وصفته بأكبر كمية مخدرات من نوعها تُضبط في العالم قادمة من سوريا، تزيد قيمتها عن نصف مليار يورو، بوزن 5.25 طن، 33 مليون حبة كبتاغون. وفي 4.2021 ضبطت السلطات اليونانية أكثر من أربعة أطنان من الحشيش مخبأة في شحنة من آلات صنع “الكب كيك” الصناعية متجهة من لبنان إلى سلوفاكيا. 

يستمر التعاون بين الحلفاء، يُهرّب باستمرار المواد المخدرة والأولية لصناعة حبوب الكبتاغون من لبنان إلى مناطق في القلمون بريف دمشق والقصير بريف حمص واللاذقية، وتنقل لاحقاً إلى الجنوب السوري. أيضاً، تستورد شركات أدوية سورية خاصة ما يمكنها استيراده من مواد خام تدخل في هذه الصناعة وتبيعها في السوق السوداء.

بما أن الخليج العربي سوق مستهدف، فالنية موجودة بإنشاء معامل جديدة في السويداء ودرعا، بتنسيق مع ضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية على ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

عودة إلى أقرب خبر معتاد حول ضبط شحنة حبوب مخدّرة، كان في 5 حزيران بالكويت، إذ ضبطت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية الكويتية خمس ملايين حبة كبتاغون مخبأة في 3 حاويات تحتوي على مواد غذائية من إحدى الدول الآسيوية". إلا إن مصدرها كان هذه المرة من بلد آسيوي وليس لبنان أو سوريا.

لكن لا يستبعد مراقبون أن يكون "كارتيل المخدرات اللبناني السوري" بطرفيه الأسدي وجماعات لبنانية مغطاة أمنياً من "حزب الله" وسعت نشاطها وأدخلت طرقاً جديدة لاستهداف منطقة الخليج العربي بعد قرار السعودية العام الماضي بخصوص المستوردات اللبنانية.

تُستَهدف حواضر الخليج العربي والشرق الأوسط ولاسيما مصر دائماً بشحنات المخدرات من كل صوب. قد قررت السعودية العام الماضي، منع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية أو عبورها من أراضيها، بعد إحباط تهريب أكثر من شحنة مخدرات مخبأة في شحنات الفواكه، كالرمان وغيرها من الشحنات القادمة من لبنان.

تجد أموال المخدرات وسيلة دائماً لتبييضها في سوريا أو لبنان أو العراق أو تركيا، أو من خلال شركات أوفشاور بعيدة. لقد وصف تقرير "الاستراتيجية الدولية لمكافحة المخدرات" الذي يصدر من الولايات المتحدة بشكل سنوي تركيا كدولة عبورٍ للإتجار بالمخدرات وتبييض الأموال لهذه التجارة من دول الجوار.

معبر الأردن وحدوده شريان مهم.. صنف عالي

ركز كارتيل المخدرات على معبر الأردن الشهير في عملياته التي استهدفت الخليج العربي، وما تزال الجمارك الأردنية كل فترة وأخرى تحبط محاولة لتهريب أحد أنواع المخدرات.

كانت آخر عملية أحبطتها الجمارك الأردنية في 18 نيسان المنصرم، مع صنف عالي يعد الأخطر، إذ بلغت الشحنة 21 كيلو من الهيرويين و 2 كيلو من الكريستال، تبعها إعلان الجيش الأردني، الأحد 22 أيار، تنفيذ عملية نوعية على الحدود السورية الأردنية أدت إلى مقتل 4 مهربين.

لا يبدو أن الأمر اختلف كثيراً على تلك الشحنات العابرة ترانزيت من لبنان، لقد أصبح تجار المخدرات وصنّاعها في وحدة حال مع شركاء جدد لهم في سوريا من عائلة الأسد كوسيم الأسد أو أبناء ضباط كبارعلى ما ذكرت تقارير إعلامية وتقصيات أمنية "غير مجدولة بالحسبة" خرج بعضها للعلن منذ سنوات في ما يمكن تسميه فضيحة " مخدرات طرطوس" التي تورط فيها أبناء ضباط كبار رئيس غرفة تجار طرطوس مضر يونس ابن الضابط المتقاعد اللواء توفيق يونس ( رئيس فرع 251 امن دولة  ). 

إلى ذلك، أصبحت سوريا بلداً مصنّعاً تنتشر معامل الحبوب المخدرة في عدة مناطق ولاسيما في منطقة اللاذقية معقل آل الأسد، على شكل وحدات صغيرة في مستودعات أو فلل في مناطق جبلية أو طرفية من المدن.

في أحد تقارير شبكة العربية، لفتت مصادر الشبكة إلى أنّ المجموعات المرتبطة بـحزب الله، والفرقة الرابعة التي يرأسها شقيق رئيس النظام السوري، ماهر الأسد، كثفت مؤخراً عمليات نقل المخدرات من لبنان إلى مناطق بمحافظة درعا والسويداء، بهدف إدخالها إلى الأردن وغيره من الدول العربية.

الأمر الذي يظهر من حجم المضبوطات والعمليات التي تنفذها قوى الجمارك الأردنية والجيش، ولاسيما في عملية 22 أيار الآنفة الذكر. كان من بين القتلى، قائد المجموعة، وهو قريب قيادي سابق بفصيل "مغاوير الثورة"، خرج من منطقة الـ 55 الخاضعة لسيطرة التحالف الدولي في أبريل/ نيسان 2020، واتجه إلى مناطق سيطرة النظام، في تدمر بريف حمص.

لديه باع في تجارة المخدرات وتربطه علاقات وطيدة بقياديين في "حزب الله"، ويترأس مجموعة محلية تنشط في المنطقة الجنوبية من سوريا، وتضم عشرات العناصر من أبناء درعا والسويداء، وفق مصادر خاصة لشبكة العربية.

طوق الكبتاغون والإمفيتامين حول الخليج.. الحرب الناعمة

تشكل تجارة الكبتاغون "اقتصاداً غير مشروع ومتسارع النمو في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط"، وفق "معهد نيولاينز" للأبحاث مستنداً إلى احتساب قيمة مضبوطات كبيرة وحدها، "قدرت قيمتها المحتملة لتجارة التجزئة عام 2021 بأكثر من 5,7 مليار دولار". ويشكل الرقم قفزة كبيرة مقارنة بقرابة 3,5 مليار دولار عام 2020.

كانت أقل شحنة مضبوطة محاولة تهريب نحو نصف مليون قرص إمفيتامين مخدر في 14 أبريل، والقبض على سعوديين و4 مواطنين عرب هم 3 مصريين وسوري. في 10 أبريل، القبض على مخالف لنظام أمن الحدود بمنطقة الرياض، بحوزته (40) كيلو غراماً من مادة الحشيش المخدر.

وفي 5 يناير الماضي، أحبط حرس الحدود في السعودية، محاولة تهريب 2.8 مليون قرص من مخدر "إمفيتامين" عبر الحدود الشرقية للمملكة، وأطنان من المواد المخدرة من جنوب البلاد.

وكشفت عملية أخرى للجمارك السعودية في 11 أيار الفائت عن ضبط 11.6 مليون حبة أمفيتامين في محافظة الجوف شمال السعودية في محاذاة الحدود مع الأردن.

لكن الأمر لا يتوقف على خط سوريا الأردن السعودية، بل هناك جهود ملحوظة لوزارة الداخلية العراقية تعلن عنها كل فترة كاشفة عن إحباطها لعمليات تهريب من العراق.

في 24 نيسان المنصرم، ضبطت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية بالاشتراك مع قوة من جهاز المخابرات الوطني العراقي ما يقارب ثمانية ملايين حبة مخدرة". من حين إلى آخر، تجري اشتباكات متفرقة في محيط بغداد وجنوب البلاد مع تجار المخدرات.

وفي آذار أفشلت السلطات في السعودية محاولة تهريب جديدة لمليون و272 ألف قرص إمفيتامين مخدر قادمة من خارج المملكة ومخبأة في شحنة برتقال.

عرضت صحيفة لوموند الفرنسية، نهاية يناير الماضي، مقالاً حمل عنوان “الأسد على رأس تجارة المخدرات في الشرق الأوسط”، كتبه البروفيسور في السيانس بو بباريس، بيير فيليو، أشار فيه إلى أن ماهر الأسد هو عراب تجارة المخدرات في سوريا في هذه الآونة، من خلال متانة العلاقة بين الفرقة الرابعة في سوريا وحزب الله في لبنان.

ووفق المقالة، فإن تصنيع وتجارة الكبتاجون التي يقوم بها النظام السوري وحزب الله، تسعى قبل كل شيء إلى لي ذراع المجتمع الدولي وإجباره على إلغاء العقوبات المفروضة على نظام دمشق.

وفي آذار من هذا العام، كشف قائد عام شرطة أبوظبي، اللواء ركن طيار فارس خلف المزروعي، عن تمكن "شرطة أبوظبي" من إحباط تهريب 1.5 طن من مخدر الهيروين وذلك بالتعاون والتنسيق مع الإدارة العامة لجمارك أبوظبي.

بيّن اللواء أن تحريات مديرية مكافحة المخدرات في شرطة أبوظبي استطاعت الكشف عن وصول شحنة مشبوهة من إحدى الدول المجاورة إلى ميناء خليفة، تحضيراً لإعادة تصديرها إلى إحدى الدول الأوروبية،

وفي مايو/أيار الماضي، قامت السلطات الماليزية -بناء على بلاغ سعودي- بمصادرة 95 مليون حبة، ويقال إن ميناء بنغازي الليبي -المرتبط بطريق شحن منتظم إلى سوريا- هو مركز تجاري رئيسي.

ففي تاريخ 26 فبراير الماضي أعلنت شرطة دبي إحباط أكبر عملية من نوعها لتهريب مخدر الكبتاغون في العالم، حيث بلغت قيمتها 1.8 مليار درهم إماراتي (حوالي نصف مليون دولار أميركي) وزادت كمية المضبوطات على خمسة أطنان أي ما يعادل أكثر من 35 مليون حبة كبتاغون هُرّبت من ميناء اللاذقية في سورية. وكانت الكمية مخبأة بحرفية داخل أسلاك معدنية ضخمة.

وأكد القائد العام لشرطة دبي حينها إلقاء القبض على 4 أشخاص عرب ينتمون لعصابة دولية متمرسة بتهريب المخدرات.

حزب الله

يشرف حزب الله اللبناني على إدارة  هذه المنظومة، وفق ما توصلت له دراسة أعدها مركز الدراسات في مؤسسة "أنا إنسان" السوري المعارض أن حزب الله بالتعاون مع عناصر النظام في "الفرقة الرابعة" أدخل أيضاً معدات لتصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة تعرف باسم المكابس إلى ريف درعا الغربي.

وتقول الدراسة إن تلك الحبوب المخدرة يتم تصنيعها وتوزيعها على فئة الشباب داخل سوريا، وكذلك تقديمها للعناصر المتطوعين في صفوف قوات النظام السوري وعناصر حزب الله بالإضافة إلى تهريبها للخارج.

اقرأ المزيد: كميات وأرقام صادمة من الكوكائين تصادرها إيطاليا

وفي آواخر عام 2017 كشفت مجلة "بوليتيكو" الأميركية في تحقيق مكون من 3 أجزاء عن أنشطة حزب الله المتعلقة بالمخدرات بدعم إيراني، ويتطرق التقرير الى عرقلة من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لمجريات التحقيق بهدف التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران. 

لم يبقَ منبر إعلامي رصين إلا وتناول قضية المخدرات في سوريا باعتباره صناعة مغطاة من النظام، في تقرير نشره موقع جريدة "إيكونوميست" (The Economist) البريطانية وصفت سوريا بأنها تحولت إلى دولة مخدرات، إذ تشكل أقراص الكبتاغون صادرها الرئيسي، كما أن الاستخدام الداخلي لهذه الأقراص انتشر بشكل واسع وأصبح يلحق أضرارا بالشباب المأزومين نفسياً بسبب الحرب والبطالة والفقر في عهد الرئيس الحالي بشار الأسد الذي ينازع على السلطة حتى الرمق الأخير.

إعداد وتحرير: وائل سليمان

ليفانت نيوز _ وكالات