-
“هونغ كونغ” وحلبة الصراع الجديدة بين الصين والغرب
مع تصاعد احتمالات المواجهة، سواء السياسية أو الاقتصادية وحتى العسكرية منها، بين الولايات المتحدة الأمريكية والتنين الصيني المتمرّد، والتي تتخذ أوجها في قضية تفشّي فيروس كورونا، يبدو أنّ الأمور آيلة للتصاعد بين بكين والدول الغربية، التي تلقي باللوم عليها في تفشّي الفيروس القاتل (كورونا)، بجانب قضية منظّمة الصّحة العالميّة ووقف التمويل الأمريكي عنها، وتأييد بعض الدول الأوروبية الهامة، كألمانيا، للاتهامات الأمريكية الموجّهة إليها بالتقصير في أداء مهامها، والتغطية على الصينيين.
احتمالاتٌ من الواضح أنّ بكين قد اختارات معها المُواجهة، فهي من جهة ترفض الاتهامات الغربية بالمسؤولية عن تفشي الفيروس، وتشير إلى أنّ المنظّمة الدوليّة قد أدّت مهامها كما هو واجب، ليس ذلك فحسب، بل بدأت الصين بتوجيه دفّة الصراع إلى مكان آخر يؤرق بالها منذ زمن، في هونغ كونغ، من خلال السعي إلى تطبيق مشروع قانون يُجرّم المعارضين لها في الإقليم الصغير، الذي كان سابقاً مستعمرة بريطانية حتى العام 1997.
المساعي الصينية للهيمنة على أكبر مركز كثيف سكانياً
تتميَّز هونغ كونغ بناطحاتها السحابيَّة الكثيرة ومينائها الفَسِيح، ويبلغ عدد سكَّانها نحو سبعة ملايين نسمة، ومساحتها 1,104 كم2، وهي تضمُّ بذلك إحدى أكبر الكثافات السكّانيَّة في العالم بين سكان المدن، وتتمتع المدينة باستقلاليّة عالية، ونظام سياسي مختلف عما هو موجود في عموم الصين، وذلك وفق مبدأ “بلد واحد، نظامان مختلفان”، والذي يُكرِّس للمدينة حكمها الذاتي، حيث للمدينة استقلالية قضائية تتبع هيكلها للقانون العام، كما أنَّ لديها قانوناً أساسياً مستقلاً، وينصُّ دستورها الذي وُضِعَ عقب نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز “درجةً من الاستقلالية” في كلِّ جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكريَّة.
اقرأ أيضاً: المُصالحة المريرة في أفغانستان ما بين كابول وطالبان
لكن تلك الاستقلاليّة قد أضحت هدفاً لبكين كما تُخطط، عبر مشروع قانون لـ”الأمن القومي”، أشعل موجة غضب واسعة بين الناشطين في هونغ كونغ، ممن يرفضون سيطرة الصين على المدينة، معتبرين إياه مساساً بالحريات. حيث أعلنت بكين، في الواحد والعشرين من مايو، عن مشروع القانون الرامي إلى منع “الخيانة والانفصال والتمرد والتخريب” في هونغ كونغ، وذلك ردّاً على تظاهرات نظّمها معارضون لبكين هناك، العام الماضي.
الغرب الرافض للنفوذ الصيني
لكن المساعي الصينية تلك لم تلقَ أيّ تأييد، خاصة من الأطراف الغربية التي تجد في هونغ كونغ مركزاً تجارياً يعتدّ به على حدود الصين، حيث أوضح مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، روبرت أوبراين، في حديث لقناة “NBC”، في الرابع والعشرين من مايو، أنّ التشريع، قد يعرّض مكانة هونغ كونغ كمركز مالي إقليمي، للخطر، وتابع بالقول: “يبدو أنّهم يسعون إلى الاستيلاء على هونغ كونغ من خلال هذا القانون للأمن القومي”.
مستكملاً: “إنّ وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لن يكون بإمكانه، حال قيامهم بذلك، تأكيد الحفاظ على درجة عالية للحكم الثاني في هونغ كونغ، وفي حال حدوث هذا الأمر سيتم فرض عقوبات على كل من هونغ كونغ والصين”، وتعقيباً على ذلك التطور، قال بومبيو: “إنّ الولايات المتّحدة تدين اقتراح فرض تشريع أمني قومي من جانب واحد وبشكل تعسفي على هونغ كونغ”، ملمحاً إلى إلغاء نظام المعاملة الاقتصادية المواتية للمدينة من قبل بلاده.
اقرأ أيضاً: “الإرهاب” خلفيّة لا تحتاج لأدلّة عن مُرتزقة تركيا في ليبيا
في حين استهجن كريس باتن، وهو آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ، في الخامس والعشرين من مايو، خطة بكين، داعياً حكومة بلاده إلى التدخل وطرح هذه القضية خلال قمة مجموعة العشرين المقبلة، مصرّحاً في مقال كتبه لصحيفة “فاينانشال تايمز”: “إنّه يتوجّب على بريطانيا وحلفائها في مجموعة العشرين أن تتخذ موقفاً ضد نظام الرئيس الصيني شي جين بينغ عدو كل المجتمعات المنفتحة”.
ووجه باتن اتهاماً للرئيس الصيني بـ”تمزيق” الإعلان المشترك الموقّع عام 1984، بين بريطانيا والصين بخصوص قضية هونغ كونغ المستعمرة البريطانية السابقة، والذي يمثّل مُعاهدة مُصدّق عليها ومسجلة لدى الأمم المتحدة، تنص على أن تعود هونغ كونغ إلى السيادة الصينية بحلول عام 1997، على أن يبقى النظام السياسي والاقتصادي الخاص بالجزيرة دون تغيير لمدة 50 عاماً قادمة، أيّ حتى العام 2047.
تايوان تستشعر بالخطر.. وأوروبا واليابان ترفضان
ولا يبدو أنّ المطامع الصينية بالاستيلاء على هونغ كونغ الصغيرة التي لا تعادل مساحتها شيئاً يذكر من مساحة الصين، قد أثّرت سلباً على هونغ كونغ فقط، فبلد آخر قد يعاني من وضع مُماثل، نتيجة عدم اعتراف الصين به، وادعاء بكين الدائم بأنّه جزء من أراضيها ألا وهي جزيرة “تايوان”.
فقد ذكرت رئيسة تايوان، تساي إنغ-ون، في الخامس والعشرين من مايو، أنّ بلادها ستقدّم “المساعدة اللازمة لشعب هونغ كونغ”، مدونةً على صفحتها في “فيسبوك”: “إنّ القانون المقترح يعتبر تهديداً خطيراً للحريات في هونغ كونغ واستقلالها القضائي”، معتبرةً أنّ “الرصاص والقمع ليس هما السبيل لمعالجة طموحات شعب هونغ كونغ في الحرية والديمقراطية.”
اقرأ أيضاً: تزايد الإشارات المُبشّرة بدنوّ خلاص البشريّة من كورونا
أما الاتحاد الأوروبي فقد أوضح بأنّ على بكين احترام الحكم الذاتي في هونغ كونغ، حيث صرّح شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي الذي يمثّل الحكومات الأوروبية: “نولي الكثير من الأهمية للحفاظ على درجة الحكم الذاتي العالية في هونغ كونغ بما يتّسق مع القانون الأساسي والالتزامات الدولية”، مشدداً عقب مؤتمر عبر الاتصال المرئي مع رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، أنّ الاتحاد الأوروبي واليابان “لديهما ذات الأفكار” بشأن الصين، مردفاً: “لسنا سذجاً فيما يتعلق بالسلوك الصيني”، مشيراً أنّ أوروبا تدعم مبدأ “دولة واحدة ونظامان”، الذي يحدد الحكم الذاتي لهونغ كونغ.
فيما قالت غرفة التجارة الأمريكية، في السادس والعشرين من مايو، إنّها تشعر بقلق عميق من مشروع القانون الصيني المقترح بشأن هونغ كونغ لأنه قد يقوّض حكمها الذاتي بموجب إطار العمل المعروف باسم “دولة واحدة ونظامان”، وحثّت بكين على تهدئة الموقف، مردفةً في بيان إنّ ذلك “سيكون خطأ فادحاً” يعرّض وضع هونغ كونغ الخاص للخطر، وهو وضع أساسي لدورها كمقصد ومركز جاذب للاستثمارات والأموال.
الصين تقرّ مشروع القانون
بيد أنّه لا حياة لمن نادى لهؤلاء، حيث صادق البرلمان الصيني، في الثامن والعشرين من مايو، على إعداد قوانين جديدة خاصة بالأمن القومي لمنطقة هونغ كونغ، بأغلبية ساحقة بلغت (2878 صوتاً مؤيداً، مقابل رافض واحد وستة ممتنعين عن التصويت) أثناء جلسة عقدها على مسودة قرار بشأن “إنشاء وتحسين النظام القانوني وآليات الإنفاذ لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة لحماية الأمن القومي”.
ومنح القرار الجديد اللجنة الدائمة في المجلس، التفويض لإعداد مشروع قانون الأمن القومي لهونغ كونغ، فيما أفادت سابقاً، صحيفة South China Morning Post بأنّ العمل على إعداد التشريع سيستلزم قرابة أسبوعين، وقد يدخل القانون الجديد حيز التنفيذ في أغسطس، ليغدو معها مصير الإقليم المزدهر اقتصادياً مجهولاً، ومرهوناً بما ستقرّره بكين، وما ستردّ به العواصم الأوروبية واليابان والولايات المتحدة عليها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!