الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
‎من يحكم العالم؟ (3).. اليهودية والماسونية
كمال اللبواني

في بداية القرن العشرين أحكمت الماسونية العالمية (كحزب عالمي يمثل الرأسمالية الإمبريالية) سيطرتها على اقتصادات العالم، وحكمت جيوش الدول الاستعمارية الأهم، بريطانيا وفرنسا، معظم المعمورة خدمة لها، حارمة ألمانيا وروسيا وإيطاليا واليابان من حصصهم، وهو ما سيتسبب بحرب عالمية ثانية بعد جيلين فقط.

فالحركة الماسونية كانت أداة الرأسمالية في حربها مع الإقطاع، ثم أداتها في التحكم بالدول التابعة والمنتدبة، وطرفاً في الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بإعطاء الدول المستعمرة استقلالها، عندما اشترطت أمريكا ذلك لدخول الحرب ضد ألمانيا، لتستمر تبعية الدول الضعيفة بفعل قوى الماسونية المتحالفة مع النظم المحلية، وبقوة الجيوش الوطنية التي نابت في إخضاع شعوبها عن جيوش الانتداب، أي بطرق مختفية تحت علم استقلال مزعوم، فأصبحت هي من تحكم وترعى مصالح الرأسمالية العالمية في دول العالم الثالث، وهي من تقيم السلطات وتخلعها، وهي من تنسق مصالح الرأسمالية العالمية بشكل متوازن.

اليهود الذين عاشوا تاريخياً كرأسماليين تجار في العصور الإقطاعية وتوزعوا في عموم العالم الإقطاعي، وجدوا أنفسهم في طليعة البرجوازية التجارية، ثم الماسونية، وهكذا صاروا هم (الأعداء المتمايزين) لكل المتضررين من التحول الرأسمالي (النبلاء والمجتمع التقليدي والإقطاعي) وبسبب التحلل الرأسمالي من القيم التقليدية اتهم اليهود بإفساد الأخلاق وتحطيم المجتمعات، وانتشرت النزعة المعادية للسامية بشكل واسع في كل الدول الرأسمالية خاصة التي تأخرت عن غيرها وأعيق تقدمها وتوسعها.

كما أن نفوذ اليهود في دول المركز كان مزعجاً للطغم المالية الناشئة فيها، وهذا ما هيأ  لحركة معادية للسامية لكن بطريقة أخرى في دول المركز، هنا أصبح قيام دولة إسرائيل  أحد طرق تقليص نفوذ اليهود في المركز الرأسمالي العالمي، وهو مشروع حصل على دعم اليهود الرأسماليين الأغنياء أيضاً، وعلى رأسهم عائلة روتشيلد التي تقع في مركز إدارة حكومة العالم المالية، فمشروع الصهيونية هو تجميع اليهود الفقراء المعرضين للاضطهاد في الأرض في العالم فوق أرضهم التاريخية المقدسة، بينما اليهود الأغنياء استمروا في عبادة المال أكثر من الدين، وبقوا في المركز (الصهيوني هو يهودي يجمع التبرعات من يهوديّ ثانٍ لإرسال يهودي ثالث إلى أرض الميعاد)، كما أصبحت معاداة السامية واضطهادهم سياسة طاغية في الدول الرأسمالية كلها المهزومة والمنتصرة في معركة التنافس الإمبريالي، فمن تنصره الماسونية ينتصر، وقد اعتبرت الدول المفرطة في النزعة القومية أن الماسونية هي منظمة يهودية معادية قومياً ودينياً، وهي محور الشر وسببه أينما كان، فصبت جام حقدها على اليهود، وهذا تسبب بالمحرقة النازية، حيث اتهم اليهود الذين كانوا في مقدمة الماسونية العالمية بالتسبب في خسارة ألمانيا للحرب العالمية الأولى.

بالنسبة لنا نرى الماسونية كلها كحركة صهيونية، وهو فكر مستورد من النازية، لكن  الماسونية العالمية هي حقيقة تريد تقليص نفوذ اليهود في المركز، لذلك دعمت الحركة الصهيونية، كشكل مضمر للتعبير عن معاداتها للسامية، ووسيلة للتخلص من اليهود ودفعهم للهجرة نحو فلسطين، بالنسبة للغرب يرون إسرائيل كمشروع يقلص نفوذ اليهود عندهم، ويضع اليهود الذين يكرهونهم في مواجهة قاسية مع عدو آخر لهم هو الإسلام، فالنزعة العنصرية المعادية للسامية هي ذاتها المعادية للإسلام واللاجئين حالياً، وعليه يمكن اعتبار الحركة الصهيونية كأحد تجليات معاداة السامية في الغرب، بعكس ما نظن، وأحد أدوات البرجوازية الغربية الساعية للسيطرة على العالم (الإمبريالية) فدعم وجود إسرائيل لم يكن حباً باليهود، بل هو بمقدار ما يكرهونهم ويكرهون العرب ومعظم الأجانب، والعنصرية بمقدار دعم الهجرة نحو إسرائيل.
 
‎بدأت حكومة الرأسمالية العالمية التخطيط لإقامة دولة إسرائيل في سياق  الحرب العالمية الأولى، وبعد نهاية الحرب وتفكيك الدولة العثمانية، سعت الماسونية العالمية للتحكم بالعالم الإسلامي الذي صار تحت الانتداب، وهكذا انشرت المحافل الماسونية في البلدان العربية كلها، وكانت السند الحقيقي لسلطات الانتداب، لكن ارتباط الماسونية باليهود ودعمها للحركة الصهيونية تسبب في تقليص نفوذ تلك الحركة في العالم الإسلامي الذي استشعر الخطر، ثم منعها بعد قيام دولة إسرائيل وسط انتقال موجة عارمة من معاداة اليهود إليه من أوروبا.

أصبحت إسرائيل خزاناً لليهود المكروهين في الغرب منشغلين في حربهم مع العرب المكروهين أيضاً، وأصبح استمرار الصراع بين إسرائيل والعرب هو سياسة ثابتة للغرب يستنزف فيها قدرات الخصوم ويضعهم تحت يده، فالغرب وبهدف السيطرة يستثمر في النزاعات، ويستفيد منها كي يبقى العالم تابعاً وضعيفاً ومستهلكاً وليس منافساً.

 

ليفانت - كمال اللبواني

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!