-
إدارة الإنتاج الإعلامي ومفهومه
في ظلّ المستجدات العلميّة والتطور التكنولوجي والتقني الهائل وعلى جميع الأصعدة المجتمعية، لم يعد الإعلام مجرد رسالة وثقافة وفكر، بل هو عملية صناعة متقدمة ودقيقة واسعة الانتشار لها مردودها، حيث انتقلت مثلاً الصحافة المطبوعة من صحافة أفراد إلى صحافة مؤسسات وبدأت المؤسسات الإعلامية من طباعية وسمعية ومرئية تأخذ فعلاً مساحة على المستويين الأفقي والعمودي في الكرة الأرضية، لتأخذ أشكالاً متعددة من العمل الإعلامي وتتحرك بوسائل متطورة يشكل نظام أداء العمل فيها ركيزتها الأساسية.
حيث ظهرت مؤسسات إعلامية ضخمة يعمل فيها المئات لا بل الآلاف من العاملين على ما يمكن تسميته بخطوط الإنتاج الإعلامي عبر أجهزة الاتصال الإلكترونية الحديثة ضمن خطط وبرامج يضعها وينفذها العاملون في تلك المؤسسة، لهذا كان لا بد من إدارة تشرف على هذه الخطط والبرامج لتحقيق الأداء الكفؤ لمراحل العملية الإعلامية، وما تتطلبه من جهد في التخطيط والتنظيم واتخاذ القرار في كيفية إدارة دفة التوازن ما بين الموارد البشرية والمادية اللذين يشكلان جناحي الأداء في مجمل مراحل العمل الإعلامي الذي لن يكتب له النجاح ما لم يحظَ بإدارة فاعلة تأخذ على عاتقها تحقيق أهداف العمل بكفاية وكفاءة.
وبناء عليه يأخذ مفهوم الإدارة في المؤسسات الإعلامية ولمختلف النشاط الاتصالي الذي تمارسه القطاعات الإعلامية بألوانها وأنماطها المعروفة، سواء أكان الإعلام مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، ليأخذ المفهوم الإداري لأي مؤسسة إعلامية على أنه كيان إداري له خصائصه ومواصفاته.
ونتحدث هنا عن المفاهيم الأساسية لإدارة المؤسسات الإعلامية ووظائفها الحديثة وهياكلها وخصائصها ونظامها وآلياتها ومدخلاتها ومخرجاتها وأنواع النظم فيها ومنحى تلك النظم وكيف يعمل ويطبق في الإدارة ويركز على أنماط وأساليب الإدارة وهياكلها في إطار عدة نظريات، منها الاستبدادية وحرية الإعلام ونظرية المسؤولية الاجتماعية "1".
عندما نتحدث عن المفهوم الإداري لأي مؤسسة إعلامية فإننا نتحدث عن مؤسسة تشكل كياناً إدارياً غير اعتباطي له شخصية اعتبارية تكون معروفة عادة للناس بمجرد الحديث عنها، مثلاً يعرف المرء الكثير عن تلك المؤسسة "خطابها الإعلامي وأساليب عملها" بحيث تتكون صورة عامة عن تلك المؤسسة في عقل الناس، كما أنه ليس مؤقتاً ويملك من الخصائص والمواصفات الخاصة بها.. ودون الحديث عن التوجهات أو عن المحتوى مع التأكيد على أن طبيعة أهداف كل مؤسسة لها علاقة بطبيعة تركيب المؤسسة وشكلها وهي أشبه بالعلاقة بين المحتوى والمضمون.
طبعاً لكل مؤسسة أهداف وخطة معينة وينفذ هذه الأهداف أشخاص متخصصون يستخدمون وسائل معينة، وحسب نوع المؤسسة، منها ما تستخدم وسائل إذاعية ومنها طباعية ومنها مرئية وإلكترونية يعملون بموجب آلية وليس بشكل فوضوي، ويتم تحديد الهدف والخطة طبقاً للحالة الثقافية للمحيط على أن تكون متحررة من أهواء ورغبات تلك الشركات وأصحاب الأموال، وحتى تبنى المؤسسة لا بد أن يؤثر الفكر القائم للممولين على تركيبة المؤسسة، مثلاً هل هي مؤسسة مركزية أم لا مركزية؟ وهل هيكلها يسمح بمتابعة الإجراءات المركزية من قبل رأس المؤسسة؟ وهل هناك فسحة للتشارك في اتخاذ القرار؟ وعلى هذا الأساس تبنى هيكلية المؤسسة.
هناك 3 اتجاهات أساسية في ذلك:
النظريات الاستبدادية في النظم الاستبدادية ونظرية الإعلام الحر في أمريكا وأوروبا ونظرية المسؤولية الاجتماعية في البلدان الاشتراكية السابقة.
إن تركيبة المؤسسة الإعلامية يحكمها أكثر من عامل، مثل عائدية المؤسسة، أي الممول، والمناهج النظرية التي تنضوي تحتها المؤسسة الإعلامية.
مفهوم إدارة المؤسسات الإعلامية
لقد أثر التطور التكنولوجي والتقدم التقني في عالمنا تأثيراً إيجابياً على معظم الهياكل الإدارية في المؤسسات والإدارات الخدمية والإنتاجية والتربوية والتعليمية والاجتماعية، ومن ضمنها المؤسسات الإعلامية، لكن المتابعة لهذه العملية تظهر أنه لم تكن كل التطبيقات الحديثة كما ينبغي أن تكون حيث شابها الكثير من المشاكل التي حالت تلك المؤسسات من ركب ذلك التطور بالشكل المطلوب، وخاصة في البلدان النامية، ولم تكن المشكلة في طبيعة التكنولوجيا، التي بالأصل مستوردة من خارجها، وإنما في القدرة الإدراكية والعلمية في تلك الدول على توظيف واستخدام تلك التكنولوجيا في تطوير الهيكلية الإدارية وأساليب عملها لتطوير العملية الإعلامية بما تحقق الأهداف الموضوعة لها رغم استقدام العديد من المؤسسات الإعلامية في تلك الدول لأنظمة معلومات متطورة تساعدها مثلاً على التوثيق والتخزين ومعالجة البيانات والمعلومات التي تساعدها على تداول هذه البيانات وتنظم تقارير تساعد صاحب القرارات في تلك المؤسسات بعد قراءاتها وتقييمها ومدى تحقيقها للنتائج، فمثلاً إن المعالجة تعتبر من أهم المنظومات ضمن منظومة المعلومات، لكن لم تستطع المؤسسات الإعلامية الاستفادة منها بالشكل المطلوب لأسباب تتعلق بضعف المهارات البشرية أو قيود يفرضها محيط المؤسسة أو ممولها "2".
إن أي مؤسسة إذا كانت تريد أن تحقق الغرض لا بد أن تضع لها أهدافاً واضحة ومعينة من أجل تقويم الأداء على ضوء الأهداف، حيث يمكن معرفة ما حققته المؤسسة قياساً بما تحقق من أهداف وينبغي أن توظف هذه المؤسسات تلك التطورات في عملية أو آلية تتبعها في تحقيق الهدف.
إن استخدام تكنولوجيا المعلومات أصبح السمة البارزة لأي إدارة، حيث تعتبر أية إدارة لا تستخدمها إدارة تقليدية بطيئة لا تستطيع أن تواكب التطورات والأحداث والمتغيرات المتسارعة. إن مفهوم الإدارة الحديثة هو التطبيق الأمثل للتطور التكنولوجي والتقدم التقني في الإدارة الحديثة بما يحقق أهداف المؤسسة.
ولأن العملية عملية متكاملة، فذلك يسحبنا للحديث عن وظائف الإدارة الحديثة في المؤسسة الإعلامية، حيث إن لأي مؤسسة وضعها الخاص وتتفرع عنها وظائف ومهام، سواء كانت مدرسة أو مؤسسات تجارية، لا بد أن يكون هناك تنظيم ورقابة واتخاذ القرار المناسب والصحيح. وينبغي في ذلك أن تكون لكل المستويات الإدارية في المؤسسات دور في التخطيط والتنظيم وفي المتابعة واتخاذ القرارات على أن يتم النشاط الاتصالي وتداول المعلومات بين أعضاء المؤسسة الواحدة.
الإدارة والتخطيط
هناك تخطيط بعيد المدى ومتوسط وتوضع فيهما خطط صغيرة وتكتيكية، كخطة إصدار عدد ما لصحيفة، وهي خطة عامة أو خطة لتدريب العاملين لزيادة الموارد، وهناك خطط على مستوى الأقسام /قسم الأخبار مثلاً/.
إن المؤسسات الإعلامية لا تعمل على نهج الدوائر المغلقة والتخطيط على مستوى قسم أو على مستوى إدارة لها عدة أقسام لا ينفصل عن التحقيق العام الذي تتصدى له الإدارة العامة. والأمر الأهم الذي يجب الإشارة له هو أنه وفي أي هيكل إداري كلما اتجهنا إلى الإعلاء تتوسع الصلاحيات والتخصص يضيق، وكلما اتجهنا نزولاً الصلاحيات تضعف والتخصص والمرونة في العمل على المستوى الميداني يتسعان، حيث لا غنى لواحدة عن الأخرى، وهذا هو التفاعل في الإدارة على المستوى العمودي والأفقي والمائل.
إن المؤسسة الإعلامية هي الأكثر تعرضاً لمستوى الطوارئ بسبب علاقتها بالأحداث المتسارعة والمتغيرة وأياً كانت هذه الأحداث ودون استيعاب هذه الطوارئ لن تستطيع المؤسسة الإعلامية مواكبة الأحداث. وهناك خطط بديلة للطوارئ وينبغي أن تكون أهداف هذه الخطط واضحة طبقاً لفلسفة الممول أو المؤسسة أو المجتمع وعادة يتدخل الممول في وضع الخطط "3".
ولوضع الخطط موضع التنفيذ وحل المشاكل التي تعترض الخطط لتحقيق أهدافها الموضوعة يجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة والواضحة لتنفيذ الخطة على أن يتم النقاش بالإجراءات تلك مع العاملين في المؤسسة.
هيكلية المؤسسة الإعلامية
الهيكل هو المخطط الذي يرسم الصلاحيات والواجبات المنوطة بمستويات العمل والجوانب المتعلقة بعائدية كل قسم أو شعبة، ومن أهم خصائص الهيكل الإداري:
حيوية التشكيل وديناميكيته.
انسيابية وسرعة تداول المعلومات بين مكوناته.
تفاعل العناصر المكونة له حسب مقتضيات العمل.
تفاعل دائم مع متغيرات الساحة الإعلامية.
هامش واسع من لا مركزية التنفيذ.
إن أي دائرة إعلامية يكون فيها العمل أو يجب أن يكون العمل حيوياً ونشيطاً وتنطلق من التفاعل بين الأجزاء المشكلة للمؤسسة وحيوية التشكيل هو الطابع الأساسي للمؤسسة.
والمؤسسة الإعلامية يجب أن تستجيب بشكل سريع مع المتغيرات المحيطة وهذا هو سر حيوية المؤسسة الإعلامية، حيث الجاهزية الدائمة لتغيير مخططاتها وبرامجها، حسب عناصر التغيير.
إن الإدارة الحديثة في الإعلام تعتمد بالدرجة الأولى على المعلومة ومعالجتها وتحريرها وإرسالها أو بثّها إلى المتلقي بالشكل السريع وأسلوب ينسجم مع الحالة الثقافية والوعي الاجتماعي لأي بيئة يتطلب الانسيابية والسلاسة في تشارك وتفاعل جميع الأقسام بالمعلومة ويتم ذلك عبر نظم المعلوماتية من شبكات الإنترنت وأجهزة التواصل، حيث تتيح هذه النظم التفاعل والتشارك بين الأقسام في تبادل المعلومات والرأي وعلى المستويين العامودي والأفقي "4".
في الإدارة الحديثة هناك تشارك دائم بين الأقسام والشُعب عن طريق أنظمة المعلومات التي تتدفق بشكل انسيابي وسريع بين العاملين بمختلف التوجهات والمستويات العامودية والأفقية ليتم التعامل والمعالجة السريعة مع الفعل ورد الفعل وعدم الوقوع في سوء الفهم مع الحدث، بالإضافة إلى توفير الجهد والوقت.
إن تفاعل العناصر الهيكلية الإدارية تكون دائماً، حسب مقتضيات العمل، حيث لكل قسم خطة وطريقة عمل وتوجه واضح لكل العاملين فيه، ويسحب هذا التفاعل بين القسم والآخر أيضاً مع وجود تنافس وهو من المعايير التي تقاس فيها جودة المؤسسة الإعلامية.
للمؤسسات الإعلامية الحديثة ولمواكبتها السريعة للأحداث وتفاعلها الدائم مع المتغيرات هامش واسع من لا مركزية التنفيذ، أي يمنح العامل مساحة أوسع للاجتهاد والتصرف، حسب الواقعة التي يواجهها أثناء عمله في بقع جغرافية مختلفة. ونجد لكل مؤسسة ورغم تشابه هيكلتها الإدارية الانفرادية في أسلوب عملها من حيث التفاصيل.
يبقى أن تنظيم العاملين في المؤسسة الإعلامية، وحسب الأقسام المتخصصة، من أهم خصائص هيكلية الإدارة في المؤسسات الإعلامية، وللعاملين أيضاً تخصصات تؤخذ بعين الاعتبار مع ورود تغييرات في مواقع العمل، حتى وإن اختلفت وتعددت الخصائص في أساليب العمل.
المراجع
- د. حارث عبود في محاضرته صوتية مسجلة في المكتبة الصوتية للأكاديمية العربية في الدنمارك
- إدارة المؤسسات الإعلامية الدكتور محمود عزت اللحام ود. علي فلاح الضلاعين – د. مصطفى يوسف كافي
- الاتجاهات الحديثة في إدارة المؤسسات الإعلامية - المؤلف: د. عبد الله عبد المؤمن التميمي
دار الآفاق المشرقة، الشارقة، الإمارات العربية - الطبعة: الأولى/ 2010
- المصدر السابق
ليفانت - إبراهيم إبراهيم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!