الوضع المظلم
السبت ٢٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
احتجاجات كازاخستان نسخة سوريّة في آسيا الوسطى
كازاخستان

تشهد كازاخستان احتجاجات غضب عارمة جرّاء ارتفاع أسعار الوقود وغاز البترول المسال، في مدنها الرئيسة، كان أهمها في العاصمة السابقة للبلاد "ألماتي". وتحوّلت التظاهرات إلى أعمال عنف رداً على محاولات الأجهزة الأمنية قمع المتظاهرين، واتهام مناوئي الحكومة بالعمالة للخارج.

وأعلنت وزارة الداخلية الكازاخية يوم الجمعة 7 يناير/ كانون الثاني، عن مقتل 18 عنصراً من قوات الأمن وإصابة أكثر من 700 آخرين.

واتخذت الحكومة إجراءات احترازية بتعليق جميع الرحلات الجوية في مطار العاصمة "نور سلطان"، ووقف عمل البنوك والاتصالات.

ردود أفعال دولية

وجاءت معظم ردود الأفعال الدولية مؤيدة لإعادة الاستقرار، فقد ركزت موسكو على اتهام دول خارجية، حيث قال أحد مسؤوليها، بأنّ الأحداث في كازاخستان محاولة مدبرة من الخارج لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.

وشدّد المسؤول الروسي على تمسك بلاده بالتزامات الحلفاء واتخاذ تدابير عاجلة لوقف العنف في كازاخستان.

من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع الروسية وصول أولى وحداتها العسكرية في إطار مهمة حفظ السلام إلى كازاخستان. وبدورها، دعت واشنطن لتسوية سلمية للأزمة، وأكدت على دعمها الكامل للمؤسسات الدستورية في كازاخستان. أما الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" فقد أعرب عن تضامنه مع كازاخستان، داعياً إلى إزالة التوتر في أقرب وقت ممكن.

 

وأدان الاتحاد الأوروبي أعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات في كازاخستان، ودعا لإيجاد حل سلمي للأزمة. واعتبرت الحكومة الصينية أنَّ ما يحدث في كازاخستان شأن داخلي، على أمل إحلال النظام قريباً. واكتفت بعض الدول العربية، بمطالبة مواطنيها بالمغادرة أو الالتزام بتعليمات حظر التجوال التي فرضتها السلطات الكازاخستانية، وعدم الاقتراب من تجمعات المتظاهرين في المناطق المشتعلة.

وفي خطوة مشابهة لتحرك الحكومات العربية، ذكرت قناة "كان" العبرية، ليلة الجمعة الماضية، أن "إسرائيل قررت منع سفر مواطنيها إلى كازاخستان على خلفيّة الاحتجاجات في البلاد".

تدخل منظمة الأمن الجماعي

وفي حديث مع "ليفانت نيوز"، قال باسل الحاج جاسم، وهو باحث في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز ومؤلف كتاب كازاخستان والآستانا السورية، بأنَّه «مرّت أحداث كازاخستان بمرحلتين، الأولى: كانت الاحتجاجات ورفع أسعار الوقود هي الشرارة التي أشعلتها، بالإضافة إلى أسباب تراكمية أخرى، اجتماعية واقتصادية وسياسية، وعدم تراجع المظاهرات رغم اللهجة التصالحيّة للرئيس الكازاخستاني معها، وتجميده لقرار رفع أسعار الوقود، وإقالة الحكومة، وتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع».

وأضاف أنّ المرحلة الثانية، بدأت بدخول قوات من منظمة الأمن الجماعي بطلب من الرئيس الكازاخستاني، بعد أن اتّسعت الاحتجاجات واتّخذت مساراً مختلفاً عن بدايتها بالهجوم على المطارات والسيطرة عليها.

ولفت إلى أنَّ «غياب المشهد التقليدي (معارضة - سلطة) يزيد من تعقيد الأزمة، وعدم وجود معارضة قوية في البلاد لتستثمر هذه الاحتجاجات، وهو ما سيجعلها ورقة للقوى الكبرى الخارجية، لكن طبيعة العلاقات الخارجية لكازاخستان ونجاحها في إقامة توازن مع اللاعبين الدوليين، بكين، وموسكو، وواشنطن، مما يجعل استقرارها محل اهتمام الجميع».

واختتم الحاج جاسم حديثه، أنه لابدّ من الانتظار لبضعة أيام لمعرفة طبيعة المرحلة المقبلة، بعد بدء قوات حفظ السلام التي دخلت كازاخستان من منظمة الأمن الجماعي التي تترأسها روسيا، وتضم بالإضافة لها كازاخستان وأرمينيا وقيرغيزستان وطاجيكستان وبيلاروسيا.

وفي السياق ذاته، يقول غسان إبراهيم، المحلل السياسي المختص بالشؤون التركية، إنَّ «الأزمة في كازاخستان، يجب النظر إليها من عدة زوايا، منها داخلية تتعلق بوجود نظام دكتاتوري، بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكن هناك ما هو أبعد من ذلك، يتعلّق بالعرق التركي الذي تنتمي إليه كازاخستان، وطموح أنقرة بالتمركز فيها كما فعلت إبان أزمة أذربيجان بإقامة قواعد عسكرية هناك».

وأردف، أنّ روسيا تنظر إلى تركيا في الوقت الحاضر، بشكل مختلف عما كانت عليه في الماضي، وهو ما دفعها للتحرّك قبل أي خطوة تركية من شأنها تثبيت قواعد عسكرية جديدة في المنطقة، الأمر الذي يؤثر على النفوذ الاستراتيجي لموسكو، وهو ما فهمه بوتين من درس كراباخ، باستعجاله للتدخل وقطع الطريق على أنقرة، مضيفاً، أنّ كازاخستان اليوم أصبحت تحت النفوذ الروسي قبل أي أحد آخر.

وعلل استغلال الروس للأزمة الكازاخستانية، يعود لانشغال الغرب عن القضايا الخارجية، وعدم إيلاء فكرة الديمقراطية أي اهتمام يذكر، مستنداً في مثاله على التجربة السورية، ووقوف حكومة موسكو مع النظام السوري ومنع سقوط الأسد، آخر حلفائها على ضفاف المتوسط، وأكمل، أن الغرب يتعامل مع الاتحاد الروسي وفق استراتيجية خطوة بخطوة، مقابل مضايقات موسكو لهم في أوكرانيا، سيكون الرد في كازاخستان.

ومن هذا المنطلق، اتّخذوا الحالة السورية كنموذج يمكن التعامل معه في كازاخستان، الأمر الذي دعا الأتراك إلى تغيير خطابهم تجاه الروس والكازاخيين معاً. لكن في الوقت نفسه، يواجه الروس إشكالية الأنظمة الديكتاتورية في دول الاتحاد السوفياتي السابق، مثل بلاروسيا، وكازاخستان، وقد تنتقل العدوى إلى دول أخرى، تشكل أزمة حقيقية لموسكو.

واختتم إبراهيم حديثه، بأنَّ الأوضاع في كازاخستان تشكل أزمة متفاعلة بأبعادها الإقليمية الدولية ولا شك أنها داخلية محلية.

كازاخستان في سطور

أعلنت كازاخستان استقلالها عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتولى "نور الدين نزار باييف" رئاستها آنذاك، الذي سميت العاصمة باسمه قبل أن يتنحى في عام 2019 عن السلطة، بعد مظاهرات ضد حكومته، أخمدها بالاستقالة، ليأتي بعد نزار باييف، "قاسم جومارت توكاييف" عبر انتخابات اعترضت عليها جهات دولية عديدة.

اقرأ المزيد: مجلس الجاليات الإسلامية في هامبورغ يطرد "الذراع الإرهابي" لإيران في ألمانيا

تعدّ كازاخستان من أهم دول آسيا الوسطى اقتصادياً، من خلال امتلاكها لثروات باطنية، أهمها النفط والغاز، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي المهم لدول كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 172 مليار دولار عام 2020.

اقرأ المزيد: مناطق عازلة في خمسين مطار أمريكي

وتعتبر من أهم البلدان المنتجة للنفط في بحر قزوين، وتقدّر احتياطاتها النفطية بنحو 30 مليار برميل، وتحتلّ المرتبة الـ 12 في العالم وتمثل حوالي 1.8% من إجمالي احتياطات النفط العالمية. كما أن كازاخستان غنية بالمعادن الغنية، ولديها ثاني أكبر احتياطيات من اليورانيوم في العالم، ولديها أيضاً رواسب كبيرة من الفحم. وتتمتع أيضاً، بكونها من أهم الدول السياحية في آسيا الوسطى، وتشير الإحصائيات إلى أنه في عام 2016 زارها قرابة 7 ملايين سائح.

ويُشار إلى أنَّ كازاخستان تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، وتستثمر واشنطن قرابة 10 مليارات دولار للتنقيب عن النفط في هذا البلد الذي يعيش مواطنوه حياة صعبة، في وقت ينخر الفساد فيها حتى النخاع، دون اتخاذ أي خطوة من شأنها تحسين الظروف المعيشية للكازاخستانيين.

ليفانت - خاص

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!