الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الخطاب الصحفي المهني كوسيلةٍ لمواجهة الكورونا
الخطاب الصحفي المهني كوسيلةٍ لمواجهة الكورونا

نور مارتيني


يواجه العالم اليوم بأسره تحدّياً كبيراً، فرضه انتشار فيروس كوفيد- 19، الذي بات يعرف عالمياً باسم وباء الكورونا. حيث أصبح الجميع يقف أمام مسؤولية كبيرة تتجلى في حصار هذا الوباء والقيام بحملات توعوية مسؤولة، تضمن وصول المعلومة الصحيحة للمتلقي، والحدّ من الشائعات المضلّلة التي كان لها الأثر الأسوأ على الناس، وبدرجة تفوق الأثر السلبي للفيروس نفسه.



من هذا المنطلق انبرت العديد من الشخصيات السياسية والفنية، وعدد كبير من المشاهير لاستخدام شعبيتها ونفوذها في رفع مستوى التوعية لدى عامّة الناس، ولفت النظر إلى الطرق الأمثل لعلاج الفيروس أو الوقاية منه على حدّ سواء.


غير أنّ الإعلام يحمل مسؤولية أخلاقية مضاعفة، ذلك أنّ تنوّع وسائل الإعلام، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت منبراً إعلامياً مكّن الناس على كافة مشاربهم وانتماءاتهم، أياً كانت درجة وعيهم، من الإسهام في صنع المحتوى الإعلامي، ونشره في الحيّز الخاص بهم على هذه الوسائل. الأمر الذي بات معه الصحفي يقف أمام امتحان حقيقي، يختبر فيه مهنيته ومقدرته على إدارة الحدث بجدارة.


في التحقيق التالي، تسلّط "ليفانت" الضوء على دور الصحفيين في مواجهة وباء الكورونا، وطبيعة الخطاب الذي ينبغي أن تتمتع به الوسائل الإعلامية، من أجل رفع مستوى الوعي لدى الناس من جهة، وتسهيل عمل الجهات المسؤولة، بحيث تتمكّن من حصار الفيروس، وإبقائه تحت السيطرة قدر الإمكان.


مهنية الصحفي في مواجهة الوباء


إقرأ المزيد: أهالي البوكمال: أغلقوا معبر الكورونا!


تعدّ الموضوعية من أهمّ قواعد العمل الصحفي، وهي مرتبطة بالمصداقية وتقديم المعلومة الصحيحة بعيداً عن المواقف الشخصية أو الانتماءات الضيقة التي قد توقع الصحفي في فخّ الانحياز، أو نشر أخبار غير دقيقة، وبالتالي تضليل الرأي العام.


هذه القواعد ترتبط بمهنة الصحافة بشكل عام، غير أنّ مسؤولية الإعلامي تكون مضاعفة في أوقات الأزمات، وفي ظلّ أزمة الكورونا الحالية، تقع على عاتق الصحفيين مسؤولية تقديم المعلومة المفيدة، وعدم الانقياد وراء التهويل الإعلامي .


حول مهنية الصحفي ودورها في مواجهة الكورونا، تقول د. منى مجدي فرج، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة لـ ليفانت: "ينبغي على الصحفي أن يتحرّى الدقة في أخباره وألا يهوّن أو يهوّل الخبر، وهي مسؤوليته كصحفي أساساً، ولكن في أوقات الأزمات تكون مسؤوليته مضاعفة"، وترى فرج أن العبء يقع على عاتق الصحفي بشكل أكبر في الأزمات، لأنّها مرتبطة دائماً بالتهويل الإعلامي والشائعات.


في السياق ذاته، أدلى الصحفي السوري صخر ادريس بشهادة لليفانت قال فيها: إن نوبة الهلع والذعر الشديد التي انتابت الناس فرضت على الصحفي مسؤولية مجتمعية -مع تحفّظي على أساليب الرقابة التي تتبعها بعض الدول- فدور الصحفي يتلخّص بشرح مالا يعرفه الناس"


وأوضح إدريس أن الصحفي ينبغي أنّ يستعين بالأطباء والأساليب العلمية كي يتمكّن من إيصال المعلومة الصحيحة التي هي غائبة عن الناس.



  • أساليب التحقّق من الخبر


تقع على عاتق الصحفي مسؤولية تحرّي مصداقية المصادر ونشر المعلومة السليمة، ولكن كيف يمكن للصحفي أن يتوصّل إلى هذه المعلومة، سيما وأنّ الموضوع يأخذ منحى أشدّ تعقيداً في ظلّ سيل الشائعات في أوقات الأزمات؟

في معرض إجابتها عن هذا التساؤل، تجيب د. منى مجدي فرج: " ينبغي على الصحفي أن يتحرّى مصدر المعلومات التي تصل إليه، ومدى مصداقية هذا المصدر، ومحاولة الحصول على مصادر متعدّدة للخبر ذاته، كذلك ينبغي عليه أن يبحث في سياق هذه المعلومة، وألا يكتفي بالبيانات أو الأرقام والإحصائيات"


إقرأ المزيد: حين كسر الكورد السوريون حاجز الخوف وانتفضوا ضد الأسد


وتوضح الأستاذ المساعد في كلية الإعلام بجامعة القاهرة لليفانت أن الصحفي يجب أن يضع نفسه مكان المتلقي، ويجيب بنفسه عن التساؤلات التي يمكن أن تدور في مخيّلته، بعيداً عن لغة البيانات والأرقام كما هو الحال مع فيروس كورونا، حيث ينبغي أن يشرح له طبيعة الإجراءات الاحترازية والوقائية من الفيروس، وعدم الاكتفاء بنقل الإحصائيات والأرقام..


وترى د. منى مجدي فرج أنّ أهم الأسئلة التي تهمّ الناس على سبيل المثال هي "عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى، وطريقة حصولها، بالإضافة إلى مصير هؤلاء الأشخاص والجهة التي تمّ تحويلهم إليها بعد حدوث الإصابة، وطريقة التعامل مع هذه الحالات، هل تمّ عزل المصابين على سبيل المثال؟"، مشيرةً إلى أن المطلوب من الصحفي هو أن يأخذ القصة إلى أبعد مدى ممكن من التمحيص، لإيصال القدر الأكبر من المعلومات للمتلقّي.


نهايةً شدّدت الأكاديمية المصرية على ضرورة" النهج المهني في تناول هذا النوع من المواضيع" وأنه ينبغي على الصحفي ألا " يلهث وراء الشهرة والسبق الصحفي"، فضلاً عن محاولة ربط الأحداث ببعضها وفق تسلسل منطقي، دون أن " يقفز إلى النتائج مباشرة كيلا يصاب الناس بالهلع والذعر في مثل هذه الظروف" مؤكّدة على دور المؤسسة الصحفية في توخّي الدقة والسلامة المجتمعية.



  • الكورونا ودور الصحفي في محاربة خطاب الكراهية


للأسف، ارتبط مرض الكورونا بالتنمر تجاه فئة معينة من البشر، وبات الموضوع مثاراً للنكات المبتذلة التي تتنافى مع أخلاقيات العمل الصحفي، وقد شاركت وسائل الإعلام في تعميق خطاب الكراهية من خلال انقيادها وراء ما يتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.


يرى الصحفي السوري "صخر ادريس" أنّ "الحالات الاستثنائية من أمراض أو أوبئة تجعل مستوى الخطاب ينحى منحى عنصري، وهذا ما لاحظناه في ظل انتشار الكورونا، والذي جعل فئة بعينها، وهم الآسيويين عرضة للتنمّر بشكل كبير، للأسف طيعاً"


وأكّد ادريس أن هذا النوع الخطاب يبدو واضحاً من خلال النكات والهاشتاغات التي أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تستعدي الآسيويين والصينيين على وجه الخصوص.


وفي هذا السياق، شدّد الصحفي السوري على أهمية دور الصحفي الريادي في المجتمع وأنّه "ينبغي أن يكون متنبّهاً لانتقاء مفرداته، وعدم الانجرار وراء هذه الهاشتاغات والنكات، كيلا تنصرف المادة الإعلامية عن غرضها الأساسي التوعوي، وتتحوّل إلى منبرٍ للتحريض أو نشر خطاب الكراهية تجاه هذه الفئة أو تلك".


إقرأ المزيد: شركاء الدم.. الدعم القطري-التركي للإخوان المسلمين في الصومال


لا شك بأنّ العمل الصحفي يتحوّل إلى عبء كبيرٍ في ظل الأزمات، فالصحفي يتحمّل مسؤولية مواكبة الخبر وتطوّراته، كما يفترض به أن يحيط بجوانب الموضوع كافةً، ويضع المتلقي في صورة تبعات هذه القضية الإنسانية والقانونية والطبية، فضلاً عن المسؤولية المضاعفة التي يواجهها في الإطار المهني.


لم يعد اختبار الكورونا عبارة عن وباء تتلخّص عواقبه بعدد الإصابات وإلإجراءات الوقائية، بل إنّه تحوّل إلى أزمة عالمية أثّرت على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، كلّ ما سبق يستلزم من الصحفي تعاطياً مهنياً متفرّداً، بغية إعداد الرأي العام لتفادي النتائج الكارثية لهذا الوباء، وتقليص حدّة هذه النتائج التي يتوقّع أن تستلزم زمناً، قبل أن يتجاوز العالم بأسره هذه المحنة. ليفانت

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!