الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الخطوط الحمراء في سوريا
السجون - سوريا

مع ازدياد تغوّل سلطات الأمر الواقع، تزداد معها حدة الخطوط الحمر، والمساس بها يجلب الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يمسّها.

الاعتقال التعسفي وقمع الحريات وملاحقة أصحاب الرأي المختلف قضية سورية كبيرة، حفل بها تاريخ القضاء المسيّس السوري. ففي سوريا تهمة النيل من هيبة الدولة هي من إحدى التهم الجاهزة للانقضاض على صاحب أي رأي بكل صنوف الأجهزة الأمنية.

اليوم يجدّد رأس السلطة في سوريا، وبمرسوم تشريعي صدر حديثاً، تفعيل هذه التهمة، والمعروف أنّ الآلاف قد قبعوا في الاعتقال أو حرموا من حقوقهم المدنية أو خسروا حياتهم بسببها. ينما يسخر كثيرون: أي دولة بقيت وأي هيبة؟ لتضاف لهذه التهمة تهمة محاباة دولة غير صديقة، مكملة الخطوط الحمراء في قوانين الإعلام الإلكتروني.


بالطبع لم يأخذ الكثيرون هذه التهم على محمل الجد، وذلك كما يقولون، لعدم قدرة النظام رغم مراقبته الشديدة لأنفاس مواطنيه، على تطبيق هذه القوانين التعسفيّة بما بقي لديه من أجهزة أمنية فاسدة.

في مجالات أخرى نجد أن الخبز لم يعد خطّاً أحمر كما رسمه حافظ الأسد، حيث تم رفع الدعم عن الآلاف من حملة البطاقة الذكية، مع تقارير تفيد بعدم قدرة السلطة على تأمين مادة القمح، ليمهّد لمآلات انهيار اقتصادي كما يشهده الجميع مهددة بالإفقار العام، وتبدل هذا الخط بعدم محاسبة الفاسدين وأفراد العصابات المعتدين على لقمة العيش وأي سبل للأمان.

أما الخطوط الحمراء في الدين، وبالأخصّ القيادات الدينية للحركات السياسية والعسكرية، فمنذ انطلاق الثورة وإلى الآن، ما زالت خطوطاً حمراء، كما يحصل في المناطق المحررة مثل إدلب، وقضية (أبو عمشة)، أو الاعتقالات التعسفية لكل مَن يتعرّض بالإساءة كما يدّعون للجولاني، حتى إن شتم الدين أهون عليهم لدى "الحسبة" كما تقول الشهادات. وهذا امتداد لما حصل في الغوطة ومدنها، حينما استولت التيارات الدينية على المعارضة المسلحة أيام جيش الإسلام وقضية المُختطفين من النشطاء المدنيين، رزان زيتونة ورفاقها، وليس آخرها التضييق على نشاط الصحفيين الأحرار في المناطق المحررة.

هذه الخطوط الحمراء تنطبق كذلك على الأقليات الدينية، مما يؤكد على المرجعية الواحدة لرجال الدين والسياسة في النظر والتعاطي مع الحياة الاجتماعية في واقعنا العربي، ففي السويداء استنفرت الفصائل المحسوبة على المرجعيات الدينية، كحركة رجال الكرامة، لتقوم بطرد الدوريات الأمنية المشتركة للنظام من شوارع المدينة، بعد توقيف النظام لشيخ مرافق لوفد ديني قادم من لبنان من أجل تقديم العزاء بوفاة والدة شيخ عقل الطائفة في السويداء.

اقرأ المزيد: الخارجية التركية: لقاء محتمل بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا

ويتساءل الشارع لماذا لم تتدخل الحركة بهذا الزخم مناصرة للحراك الأخير في المحافظة، رغم محاولة النظام التضييق على المحتجين. بينما يُحسب للحركة دورها في الإفراج عن بعض الناشطين سابقاً؟ هل خشية الصدام مع الأجهزة الأمنية منعته أم أنّ النيل من رتبة دينية أهم من النيل من كرامة المواطن المسحوق؟ يتساءل الشارع ويحاول التبرير بأنّ للحركة كما لغيرها حسابات ضمنية ترفع من شأن قضية وتخفض من شأن أخرى. لتبقى الخطوط الحمراء في المحصلة هي الحد على الحياة الاجتماعية، وفي الثقافة والسياسة.

ومصيرها مرتبط بثورات أخرى، وبمشاريع سياسية مدنية حقوقية، يثبت الراهن أهمية الحاجة إليها. فإلى متى سيبقى الحراك الاجتماعي أسير الحطوط الحمراء، أم نردد مع رواية المسيح يُصلب من جديد: على يد رجال الدين والسياسة يُصلب المسيح مجدداً؟

اقرأ المزيد: متجاهلاً قتله الآلاف بسجونه.. النظام يجرّم التعذيب

في كتاب الثالوث المحرم حدّد بو علي ياسين: السياسة والدين والجنس كمحرمات في الحياة الثقافية والسياسية العربية. وبينما فاعلية الشعوب والثورة التقنية العالمية جعلت هذه التابوهات خلف ظهرها، لكن ما حصل لثورات الربيع العربي، يؤكد عودة هذا الثالوث بقوة نتيجة انتكاساتها وزيادة تغوّل سلطات الأمر الواقع فيها دون رادع، لتصبح الخطوط الحمر تمتد من السياسة إلى الدين وصولاً إلى التعدي على رغيف الخبز اليومي.

ليفانت - سالم المعروفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!