الوضع المظلم
الجمعة ١٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الكورد في حلبة نشوء دول وأنظمة جديدة
ماهين شيخاني

 


في عصر النهضة للقوميات أي في القرن التاسع عشر، نهض الكورد كباقي قوميات المنطقة وناضلت في سبيل الحصول على حقوقها، حيث ترجع جذور القضية الكردية إلى السنوات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية إلا أنها اتخذت طابعاً آخر بعد تقسيم أشلائها في نهاية الحرب العالمية الأولى حين وجد الكورد أنفسهم مقسمين بين أربع دول، تركيا والعراق وإيران وسوريا، وأصبحت طموحاتهم القومية تهدد "اللحمة الوطنية" حسب مفهوم الدول التي ألحقت أجزاءها المقسمة، و لم تخل المراحل التي مرت بها قضية الشعب الكوردي من صراعات مسلحة بين الحين والآخر في العراق أولاً ثم في إيران ثم تركيا وفي سوريا وحتى الآن.




كما لا يستطيع أحداً أن ينكر دورهم المهم في المنطقة بوصفهم جزءًا أساسيًّا من النسيج الاجتماعي لها، قديماً وحديثاً على ألسنة الحكام الشوفينيين ومع ذلك قوبلوا بعنصرية وشوفينية والإقصاء. حيث أصبح وجودهم على أرضهم التاريخية مشكلًا، وكان السعي عمومًا من الحكومات الأربعة هو القضاء على الكورد وانصهارهم لا لحل مشكلتهم. وكانت البداية هي صهرهم في بوتقة المجتمعات الأخرى، بتهجيرهم ونفيهم وفي أبسط الحالات منعهم التكلم بلغتهم أو تسجيل أبناءهم بأسماء كوردية. مع العلم أن مطالب الأحزاب السياسية الكوردية كانت لا تتعدى سقفها بالاعتراف بالثقافة والحقوق ورفع المظلومية، وفي أقصاها نوع من الحكم الذاتي "كوردستان العراق". وفي النصف الثاني من القرن العشرين كان التعامل الأمني هو المعمول به في كل الدول الأربع (العراق وسوريا وإيران وتركيا)، بل بلغ في بعض الدول حدَّ التصفية. والقتل الجماعي والأنفال والإعدامات والسجون التي لم تخلى من الكورد السياسيين والاعتقالات العشوائية، وقد ولَّد هذا الوضع نوعًا من عدم الثقة بين الحركات الكردية وحكومات المنطقة التي لا تعتمد سوى المقاربة الأمنية لمواجهة الكورد. وما زالت هذه العقلية هي المعمول بها وتنفذ لفرض سياسة الدولة المركزية، وهذا جلي وواضح فيما يتعلق بأحداث قامشلو ونصيببن وكركوك مؤخرًا. وخلاصة القول المقاربة الأمنية لهذه الدول الأربع هي الأصل في التعاطي مع القضية الكردية، كما هناك تحالف وتنسيق وعقد اجتماعات دورية بين هذه الدول لوأد المشروع الكردي وطَمْسِه. وهذه المقاربة تعقِّد المسألة ولا تقضي أبدًا على المشكلة، ورغم خلافات تلك الدول إلا أنهم يتفقون على القضاء على أي حلم أو طموح كوردي ،ولم تكن مواقفهم مسؤولة لحوار أونقاش بنَّاء يهدف إلى حل مناسب يرضي الأطراف.




ثم لا ننسى التهميش الأوروبي للقضية الكردية في الأجزاء الأربعة ، و لم تتدخل الدول الأوروبية لمساعدة الكرد، وتركتهم لمصيرهم أمام آلة الدمار التابعة للأنظمة الغاصبة "حلبجة والأنفال" وهو الأمر الذي ساهم في فضح وتعرية الأيديولوجيات القومية القائمة على المصالح دون أي اكتراث بحقوق الإنسان وحريات وكرامة الشعوب. كما كان لانهيار منظومة الدول الاشتراكية نتائج انتهت إلى تفكك دول ونشوء دول أخرى في روسيا وبقية دول أوروبا الشرقية، وصولاً إلى ما يجري في أوكرانيا، فالحروب والثورات تلعب دوراً كبيراً في تشكل دول جديدة وظهور أنظمة إقليمية جديدة تحل مكان أنظمة إقليمية جديدة. لقد تنبأ المفكر الأمريكي صاموئيل هانتغتون قبل عقدين بدولة الصدع وتنبأ على لسان جنرال روسي بعودة شرقها إلى السيطرة الروسية. وما جرى ويجري في سوريا والعراق وقيام تنظيم "داعش" الإرهابي بإلغاء حدود سايكس بيكو عملياً من خلال الإعلان عن دولة الخلافة في العراق وسوريا على أمل أن تمتد إلى بقية دول الشام. وما تشهده سوريا من حالة انقسام واضحة على الأرض، وما يشهده العراق الآن من مطالبات بتكوين إقليم سنّي، كل هذه الأمور تدفع بالمنطقة إلى تشكل دول أو أنظمة جديدة أو الاعتماد على خيار الحل الفيدرالي، الذي سيمهد حكماً لحالة من الكونفدراليات تقوم على حاجة تلك الكيانات إلى إيجاد روابط معينة تحافظ من خلالها على خصوصيتها في مشهد لا إرادي يكسر الاحتكار، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى نشوء نظام إقليمي جديد.


ومع تضحيات الجسيمة للشعب الكوردي الذي ضحى بخيرة شبابه في الحروب ضد الإرهاب، ما زالت السياسة الغربية تجاه القضية الكردية هي التجاهل وغض الطرف وأحياناً المراوغة وبالنهاية تتركز على مصالحها لا مبادئها وهذه أسس ثابتة لديهم حتى الآن. و هي:

- الحفاظ على الدول القومية التي نشأت بموجب اتفاقية سايكس بيكو، رغم مرور مئة عام والحرص على مؤسسات تلك الدول، والحؤول دون انهيارها، وخاصة أن نتائج ما جرى في العراق ظاهر للعيان.      - إن استمرارية تلك الدول القومية وفق سياساتها التي تم اعتمادها في التعامل مع الحداثة الرأسمالية والحريات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، أدخلت تلك الدول في حالة هي أقرب إلى الفاشية منها إلى الديمقراطية في تعاملها مع تلك القضايا، فالدستور التركي في مادته " 66 " يقول "كل من يعيش في تركيا هو تركي"، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قالها في مدينة سيرت الكردستانية المقولة الفاشية التي يتم ترديدها منذ أكثر من 90 عاماً في تركيا: "تركيا بلد واحد وشعب واحد وعلم واحد". ففي أي دين يستوي هذا القول؟. إن الوقائع على الأرض تؤكد استحالة التعاطي مع النهوض الكردي في شمال كردستان وتركيا، والأجزاء الأخرى بعقلية الإنكار السابقة، أو الذهنية الفاشية المتمثلة بما يقوله أردوغان رغم ما ينشر في وسائل الإعلام من أن هناك توجه لحل القضية الكردية وهو ما عاد وأكد اردوغان إنكارها وقال "إن هناك مشاكل لمواطنين أتراك من أصل كردي" لا غير. - تهيئة وتحضير قوى الحداثة الرأسمالية في تلك الدول كي تكون قادرة على تبني مشروع الفيدرالية لتكون بمثابة الرافعة التي يتم الارتكاز عليها لكي تحقق المشروع على الشكل المطلوب.

- إلزام الدول القومية وممثلي الحداثة الرأسمالية بقبول الحل الفيدرالي وتقاسم السلطة والنفوذ والثروة وتوزيعها على أكثر من مركز.


إن ارتكاز هذا الحل في إقليم جنوب كردستان واعتماده بمثابة تلك الرافعة في العراق، ونجاح العملية السياسية، يمثل الخطوة الأولى في تعميم التجربة لتكون نموذجاً للحل، ولكن بالنسبة لنا ككورد هي ليست بديلاً عن مفهوم الدولة القومية والتي نحلم بها.وقدمنا تضحيات جسيمة من أجل الوطن.


ولطالما كانت القضية الكردية ورقة سياسية مفضلة لمصالح الدول الجوار المتضاربة، فقد كانت اليونان وأرمينيا تستخدمانها ضد تركيا، وإيران ضد العراق، وسوريا ضد تركيا، أما اليوم فتمثل إمكانية قيام دولة كردية الهاجس والقلق الأكبر لتركيا وإيران ووحدة العراق. وبرزت هذه الإمكانية في الرابع من أكتوبر 1992 عندما أعلنت الفيدرالية الكردية في كوردستان العراق "إقليم كوردستان" والتي ترجمت فوراً في لقاء بين إيران وسوريا وتركيا في نوفمبر 1992 لبحث المسألة الكردية وأبعادها. والتعاطي مع القضية الكردية في إطار حق الأقليات في تقرير مصيرها وما استطاعت القضية الكردية تحقيقه في الوضع الراهن في حضورها الجغرافي والسياسي والعسكري والثقافي والإعلامي يجعلنا نطرح صورتين لوضع هذه القضية في المستقبل.




رغم الانتكاسات والتهجير الذي حصل بتاريخ الشعب الكوردي قديماً وحديثاً،و رغم نضالات وثورات التي قامت بكل أجزاء كوردستان والتي أخمدت لأسباب عديدة، ورغم المآسي وكل ما جرى ستحصل على مطلبها وسيتحقق الحلم والمستقبل للقضية الكوردية بكل تأكيد.




لدى مهاجمة داعش كوردستان، وقعت المناطق التي تحت سيطرة العراق في أيدي داعش، لكن البيشمركة استطاعوا أن يستعيدوا تلك المناطق من داعش ويرفعوا علمَ كوردستان فيها، ويمضوا نحو انتصارات أكبر، والآن كوردستان أشدّ قوة مؤثّرة تواجه داعش.

وقد جاء في أحد التقارير " إضافة إلى أنّ كوردستان موقِع هامٌّ للثروات الطبيعية في المنطقة، فإن مكانة كوردستان أيضاً هامّة هكذا في المنطقة "، لذا يجب أن يقال: الآن، بماذا يفكر الذين قسّموا كوردستان، عندما يرون أن أفضل حليف للغرب في المنطقة هم الكورد، من ناحية القوة ومن ناحية الموقع الجغرافي، وأيضاً من ناحية الثروات الطبيعية؟! لذا يمكننا القول: إن الكورد أثبتوا حضورهم وموقعهم على خريطة الشرق الأوسط القادمة وسيَكونون دولة، فالوفود الدبلوماسية التي تزور كوردستان وتجتمع مع القيادات السياسية وعلى رأسهم السيد الرئيس مسعود البارزاني وتشكره لمواقفه الإيجابية والإنسانية والأخلاقية كما تعرض آراءها ومقترحاتها إزاء حل قضية الشعب الكردي في العراق وسوريا ..وكانت الزيارة الأخيرة في هذه الفترة " وبحسب شبكة رووداو الإعلامية فإن بياناً صادر عن مكتب البارزاني إلى أن ذلك جرى خلال استقبال البارزاني اليوم الأربعاء، 29 كانون الثاني 2020، لممثل الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف"، وقال البيان أيضاً إن نائب وزير الخارجية الروسي "أشاد باستقرار إقليم كوردستان ومكانته في الشرق الأوسط وعبر عن إرادة بلاده تنمية العلاقات بين الجانبين".




كما ذكر بيان مكتب البارزاني، أن البارزاني أشار خلال اللقاء إلى "العلاقات والصداقة العريقة بين شعبي كوردستان وروسيا ورأى ضرورة تعميق وتوسيع تلك العلاقات"، وأنه "أبلغ ممثل الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا قلقه على مستقبل الشعب الكوردي في سوريا وعرض عليه آراءه ومقترحاته لحل قضية الشعب الكوردي في سوريا".




ماهين شيخاني  - كاتب سوري

العلامات

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!