الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المعارضة سر وجود النظام
المعارضة سر وجود النظام

المعارضة سر وجود النظام

ثائر الزعزوع

كنت قد استخدمت هذا العنوان في مقالة نشرت عام 2005 في موقع الحوار المتمدن، وكنت أريد من خلالها الإشارة إلى أنه لا يمكن أن يكتمل نظام سياسي في بلد ما، دون وجود معارضة حقيقية قادرة على لعب دور النظام في حال ذهابه، واليوم أعود لاستخدام العنوان نفسه، ولكن بدلالة مختلفة كلياً، ودافعي لذلك كان المشهد الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لرئيس هيئة التفاوض نصر الحريري مطروداً في أثناء إقامة صلاة الجنازة على الشهيد عبد الباسط الساروت في مدينة استنبول التركية، كان المشهد أقرب إلى المظاهرة، و قد أثار ذلك الفعل الانفعالي ردات فعل مختلفة، لكن أبرز ما قيل هؤلاء شركاء الأسد، المقصود طبعاً هو ما تسمى بالمعارضة السورية، والتي تشكلت تباعاً في أعقاب اندلاع الثورة السورية، و تقدمت الصفوف بتوصيات وتوجيهات دولية، لا علاقة للشعب الثائر بها، وصدرت عن تلك المعارضة تصريحات وسلوكيات، تشير صراحة إلى أنها منفصلة عن الواقع الثوري، ومرتبطة أكثر بمشغليها وداعميها، لذلك فلم يكن مستغرباً أن يصل السوريون الثائرون إلى رأي مشترك، يمثل على الأقل سبعين بالمئة من وجهات نظرهم، يؤكد أن تلك “المعارضة” إنما ساهمت في إطالة عمر ذلك النظام، وقدّمت له خدمات جليلة من خلال لا درايتها، وفضائحها، وفسادها، تشير تقارير موثوقة إلى أن حجم الفساد في مؤسسات المعارضة لا تختلف كثيراً عن الفساد الذي ضرب مؤسسات الحكومة السورية، فالمسؤول، أياً يكن وزنه، يتمتع بامتيازات كثيرة، وهو قادر على “التمتع” بما يصل من أموال من الداعمين، دون أي رقيب أو حسيب، وقد تسربت منذ فترة تسجيلات لبعض الشخصيات في تلك المعارضة، وهي تتبادل الاتهامات بالسرقات.

فلماذا قد تعتبر المعارضة سراً في وجود النظام؟




إضافة إلى ما تقدم من ملامح، تشير إلى أنها ليست قريبة أبداً من فكرة الثورة، فإن المعارضة بتشكيلاتها المختلفة، وعلى رأسها الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة السورية، بدا منذ بداية نشوئها أنها غير قابلة للعمل السياسي، بسبب تركيبتها التي كانت تشرف عليها دول إقليمية، فتم توزيع حصص على أسس رغبة الداعمين، فظهرت شخصيات ثم اختفت لاحقاً، الأخطاء التي ارتكبتها كثيرة ومن الصعب إحصاؤها، سواء من حيث التصريحات أم من حيث العمل نفسه، ساهمت المعارضة على سبيل المثال في افتقاد الثورة إلى مؤسسة إعلامية متماسكة وقوية، وقادرة على التعبير عن حال الثورة، واستيعاب الطاقات الصحفية السورية الثائرة، والقاعدة في الحروب والصراعات الحديثة تقول: إن من يخسر سلاح الإعلام يخسر المعركة. وحتى يومنا لا تضع المعارضة أبداً نصب عينيها أهمية إنشاء مؤسسة إعلامية، بل هي ما زالت تعتبر الأمر ثانوياً، فيما يتولى الموقع الالكتروني الهزيل الذي أصدرته ويحمل اسمها، تغطية أخبار ونشاطات “السيد الرئيس ونوابه” في تكرار لما فعله وما زال يفعله إعلام نظام دمشق. مع أن تقارير مؤكدة أفادت أن المعارضة تلقت ملايين الدولارات لدعم النشاط الإعلامي. فأين ذهبت تلك الملايين؟ وأين هو النشاط الإعلامي؟




سياسياً، قدمت المعارضة خطاباً ركيكاً، فهي اكتفت بالمتاجرة، إن جاز القول، بمأساة الشعب السوري، و توسلت أمام عدسات الكاميرات، وذرفت بعض شخصياتها الدموع في لقاءات تلفزيونية مباشرة، أو مسجلة، وهذا، بطبيعة الحال، سلوك عاطفي يستدر التعاطف لدقائق لا أكثر، ثم ينبغي البحث عن خطط عمل، فما هي خطط العمل؟ في الحقيقة لا يوجد أبداً. والأهم في العمل السياسي هو الملفات التي يمكن التفاوض عليها، فما هي الملفات التي تمتلكها المعارضة، سوى الاستجداء؟ لا يوجد طبعاً، لذلك فلم يكن مستغرباً أن يقول وزير خارجية نظام دمشق، مع بداية عملية التفاوض: إن ما لم يحصلوا عليه بالعمل العسكري، لن يحصلوا عليه في المفاوضات أبداً. وهذه الحقيقة كانت ماثلة دائماً، فما الذي يدفع نظام دمشق للتنازل عن أي شيء، طالما أن المعارضة التي تقف أمامه ليست لديها أية أدوات ضغط، إلا إذا صدقنا أكذوبة أن النظام أصلاً يكترث بسقوط ضحايا مدنيين، وهو يريد وقف حروبه عليهم.

اللجوء إلى العمل السياسي بالضرورة يدفعنا للبحث عن حلول و تحالفات قادرة على تحقيق ما نريده، أما الانسياق وراء رغبة هذا وذاك من الداعمين فهذا لا ينتمي إلى العمل السياسي لكنه ينتمي إلى الارتزاق. على سبيل المثال، تبني وجهة النظر التركية فيما يخص المسألة السورية، بل واعتبار تركيا منقذاً للسوريين من المحرقة المستمرة، أثبت على مدى السنوات الماضيات أنه خطأ كبير، ومع هذا فلن نستغرب أبداً أن يخرج علينا أحد المعارضين غداً ليقول إن الموقف التركي هو موقف صائب. الأمر لا يقتصر على الموقف التركي طبعاً، بل ينسحب على الموقف السعودي والأميركي وسواها من مواقف دول تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، وهي تتاجر بمأساة السوريين لتحقيق تلك المصالح فقط، وهذه حقيقة لا تريد المعارضة الاعتراف بها. إلا إذا جاءتها توجيهات مختلفة.




كان حرياً بتلك المعارضة أن تقترب من الناس، و أن تذهب إليهم حيث هم، لتسمع ما يريدونه، بل أن تنطلق إلى المفاوضات منهم، وأن تكون مقراتها في مناطقهم، كي يكون لديه ملف تفاوض عليه، أما في صورتها الحالية فهي ليست سوى سبب رئيس للخيبة، وسرٍّ من أسرار بقاء النظام.


المعارضة سر وجود النظام

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!