-
بداية التمرد ثمنه الدم.. يهتف أهل مدينة جلال أباد لا لراية طالبان
بينما يراقب العالم تطورات الحدث الأفغاني على مدار الساعة، تتباين ردود الأفعال من استيلاء حركة طالبان المتشددة على الحكم في البلاد. دول اعتبرت ما حصل أمرٌ واقعٌ وحاولت التطلع بقدر من الإيجابية إلى تصريحات الحركة الأخيرة فيما يخص العفو عن الأفغان ممن عملوا مع الحكومة أو الولايات المتحدة أو قوى أخرى، وتعقيبات بشأن احترام حقوق المرأة هي خطوة قد تكون مشجعة. ودعت أطراف دولية الحركة للعمل المشترك مع جميع الفرقاء في البلاد للخوض في غمار تشكيل حكومة تشمل الجميع ويكون للمرأة دور مهم فيها وفق اتفاق الدوحة المعلن 09/2020.
لكن بقيت أصوات ترى أن الحركة لم ولن تتغير لاعتبارات بنيوية قبلية وعقدية تنسحب على الممارسة الحياتية اليومية، بينما تخشى دول عدة أن تصبح الحركة ملاذاً للتنظيمات الجهادية العالمية مجدداً وهي مخاوف دولية مشتركة، ولاسيما روسيا ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً، كازاخستان، أوزباكستان، تركمانستان، طاجيكستان، وكل آسيا الوسطى، التي تشكل قلب العالم مع روسيا أكثر المتخوفين من تصدير الجهادية.
دول لم تعلّق حتى الآن وأخرى أبدت مخاوفها وتراقب بحذر كروسيا، وأخرى أطلقت وعوداً بمساعدة الأفغان ممن عمل مع القوات العسكرية أو المنظمات في حماية وإعادة إعمار البلاد، كالولايات المتحدة وبريطانيا التي ستستقبل 20 ألف لاجئ أفغاني أسوة بعرض رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو.
منذ استيلائها على العاصمة، تطلق طالبان تصريحاتها وتناشد العالم أن يعطيها فرصة أخرى، لكن عن أي اختلاف تتحدث، فيما يخصّ العقيدة بخصوص المسلكيات يقول ذبيح الله، الناطق الرسمي باسم طالبان، لا جديد في الأمر كله وفق الشريعة، لكن التطور الذي طرأ على الحركة خلال عشرين عاماً هو في بعد الرؤية والممارسة السياسية وقبول الحركة لمشاركة المرأة وأطياف المجتمع في إدارة البلاد، على حدّ تعبيره. لقد سعت الحركة لتطمينات كثيرة بعد اكتساحها البلاد خلال أيام في سياق كان مفاجئاً للجميع لجهة سرعته وليس لنقيض واقع تقدم الحركة على الأرض وحتمية سقوط العاصمة وما يمكن تحقيقه من تفاوض قبل حصول السقوط المنتظر.
كان مقاتلو الحركة يتوافدون للبلاد من إيران وباكستان وطاجيكستان وأوزباكستان منتشرين على عدة جبهات، لكن هذا الانتشار لم يجعله ورقة رابحة لهم بل استسلام وتقاعس القوات الأفغانية وأمراء الحرب من الميليشيات عن مواجهتهم؛ فيما يبدو إذا لم يتعلق الأمر بالتخاذل الذي انسحب على الناس عندما رأوا جيش بلادهم يرمي السلاح فهو قبول من الجميع بمشاركة طالبان في السلطة وعدم مردودية القتال وخسارة الأرواح، أي وصولها إلى كابول لن يعني انفرادها، ولكن ربما كان هذا شرطاً واتفاقاً ضمنياً أن تترك البلاد لمصيرها، ولنرى من سيكون الطرف المشكل لهذه الحكومة في كابول، نحن أم أشرف غني، الذي دعا طالبان قبل أيام من هروبه للمشاركة في حكم البلاد وإدارتها لكنها رفضت، إنها 20 عاماً من البعد عن السلطة لن تقبل الحركة إلا أن تكون هي الطرف القيادي في عملية إعادة توزيع السلطة ووفق شروط اتفاق الدوحة الذي لم يلحظ آلية تنفيذ مطالبه التي وقع عليها الطرفان وشكل التنفيذ الذي بقي معلّقاً إذا جاز التعبير.
https://twitter.com/pajhwok/status/1427978349213749248
يجب العودة إلى الوراء قليلاً لنعرف أن واقع الأمر كان بعد اتفاق الدوحة بين أميركا وطالبان 03/09/2020 بأن تشارك طالبان في حكومة الجمهورية الأفغانية الإسلامية، كما جاء التعبير في البيان (including the Government of the Islamic Republic of Afghanistan, political leaders, civil society and the Taliban.) وتتقاسم النفوذ والقوة والسلطة بالتوازي مع سياسيين ومجتمع مدني من خلال "حكومة وطنية"، كانت الآمال مشاركة حكومة غني مناصفة مع طالبان لكن المبارزة على الأرض جرت على الطريقة الأميركية التكساسية كل وسلاحه وركان الرهان رابحاً بالنسبة لطالبان، يهرب غني الذي لم يستطع رص صفوفه وتبقى طالبان.
إذاً، قبول الغرب بطالبان كشريك في السلطة كان أمراً واقعاً منذ اتفاق الدوحة، لكن بقيت العقدة التي بحاجة إلى فكفكة، كيفية ترتيب الأمر في ظل انسحاب أميركي نافذ وناجز لا رجعة عنه، مر بعدة مراحل، من تخفيض القوات، التي وصلت في مرحلة من المراحل حتى 200 ألف، إلى آخر تخفيض ترك بضعة آلاف.
يبدو أن طالبان لم تقبل محاصصة صغيرة ورهانها على تحقيق مكاسب في حال تُرك الأمر لمقتضيات الواقع، كان السيناريو أن اخرجوا بسلام تماماً واتركوا لنا ترتيب البيت وتنفيذ الاتفاق، أي تمدد الحركة كان أمراً واقعاً بالنسبة للجميع وكان الخلاف على تشكيل الحكومة بوجود غني أو عدمه، لكن بايدن راهن على أكثر من 200 ألف جندي مدرب وعتادهم أن يصمدوا أكثر ويصل الطرفان لاتفاق ندي.
تمرد مدني ضد طالبان.. النساء في تظاهرة
يبدو المشهد معقداً غارقاً بالتفاصيل في بلد يعتبر "قلب العالم"، فعندما نشاهد بعض أهل مدينة جلال أباد الأفغانية ينزلون إلى الشوارع، اليوم الأربعاء، مطالبين بإعادة تثبيت علم أفغانستان على المكاتب بدلاً من علم طالبان نستغرب حصول طالبان على البلاد بهذه السرعة أليس كذلك؟. لقد أسقط أهل المدينة العلم الأفغاني الأسود لكن مقاتلي طالبان لم يحفظوا عهودهم وفتحوا النار على المتظاهرين، كما تفيد وكالة الأنباء الأفغانية باجهوك المحلية.
يمكننا اعتبار الحادثة أول امتحان لحركة طالبان في مواجهة أول تمرد بسيط، لقد اعتدى مقاتلو طالبان بالضرب على بعض الصحفيين الذين كانوا يغطون الاحتجاج. وشوهد مئات الأشخاص وهم يخرجون في مسيرة يحملون علم أفغانستان في مقاطع الفيديو التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد سُمع دوي طلقات نارية في خلفية الفيديو، فيما تفرق المتظاهرون في المنطقة. لاحقاً تأكد وقوع ضحايا بسبب إطلاق النار.
في اتفاق الدوحة، أكّد الأطراف الموقعون، طالبان من جهة، والمبعوثون والممثلون الخاصون للاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، أن السلام الشامل والمستدام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تسوية سياسية تفاوضية شاملة بين الأفغان، تشارك فيها النساء على وجه الخصوص مشاركة هادفة.
ما تزال طالبان، حتى الآن، تتعاطى بحذر مع مسألة المرأة، فيما يبدو أن المرأة الأفغانية ستقود نضالاً شرساً لنيل حقوقها، ولاسيما أن جيلاً كاملاً من النساء عاش في ظلّ نظام حكم منفتح جداً مقارنة بطالبان، ما انعكس على تظاهرات، اليوم، حيث شوهدت مجموعة من النساء الأفغانيات يقمن بأول احتجاج عام في أفغانستان للمطالبة بحقوقهن. في مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن سماع النساء يطالبن بحقوقهن، بما في ذلك الضمان الاجتماعي، والحق في العمل، والحق في التعليم، والحق في المشاركة السياسية كما طالب الطلاب بفتح المدارس.
إذاً، هذه الاحتجاجات هي أول علامة على التمرد ضد طالبان منذ سيطرت الحركة الإسلامية المتشددة على كابول، في 15 أغسطس. مع استسلام القوات الحكومية وزعماء الميليشيات بقيت شريحة جيدة من المجتمع الأفغاني التي تذوقت هناء العيش في ظل نظام حكم متسامح وبوجود ديمقراطية نسبية بغض النظر عن الفساد المستشري، بقيت وحيدة في معركتها أمام السلطة الجديدة لتحصيل حقوقها.
بالعودة للتمرد الطارئ الجديد في المشهد، كتب نجيب نجيال، المتحدّث السابق باسم وزارة الداخلية الأفغانية في تغريدة على تويتر، أنه تم الإبلاغ عن وقوع إصابات، على الرغم من أنه لم يخض في التفاصيل. وذكرت بعض التقارير أن أفغانيين قُتلوا وأصيب أكثر من عشرة.
https://twitter.com/AdityaRajKaul/status/1427931234651435012
وفقاً لأديتيا راج كول، المحرر المساهم في شبكة CNN-News18 الهندية، فتح متمردو طالبان النار على الحشد بعد أن أزال الناس علم طالبان من الشارع وبدؤوا التلويح بالعلم الأفغاني ثلاثي الألوان. وكتب على تويتر بجانب مقطع من الاحتجاج "يمكن رؤية إرهابيي طالبان يطلقون النار على الحشد لتفريقهم. وتخشى طالبان من تمرد مفتوح". وأضاف في تغريدة أخرى "يمكن رؤية إرهابيي طالبان بالسواد وهم يركضون نحو الحشد ويطلقون النار عليهم بلا رحمة".
اقرأ المزيد: الأفغاني اليهودي الأخير يرفض مغادرة العاصمة ويبقى في كنيسه
وكتب: "بينما استسلمت الولايات المتحدة وهربت من أفغانستان في جوف الليل، يظهر هنا السكان المحليون الأفغان في جلال أباد دون أي أسلحة أو دعم، ما تعنيه المقاومة والشجاعة". الأفغان يزيلون علم طالبان ويلوحون بالألوان الثلاثة الأفغانية احتجاجاً على طالبان.
وأشارت مصادر لهند تايمز، بالإضافة لشهود عيان، إلى وقوع 3 ضحايا على الأقل حتى الآن، خلال المواجهات بين المواطنين ومقاتلي طالبان. ومن ناحيته، وبذلك يسجل، الأربعاء، أول حالات للمواجهات المرتقبة، بين السكان الأفغان وحركة طالبان، بعد استيلاء الحركة المتشددة على الحكم في البلاد قبل أيام.
وتسعى الحركة لتشكيل حكومة تحظى من خلالها باعتراف دولي بها، وهو ما لن يحصل، فالاعتراف بحكومة من الجميع لا يعني الاعتراف بطالبان. وفي هذا الصدد يرى الدكتور أيمن سلامة، خبير حفظ السلام الدولي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن أفغانستان تحت حكم طالبان في الماضي عجزت أن تحظى باعتراف والانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة حيث لم تكن راغبة أو قادرة على الالتزام بمبادئ منظمة الأمم المتحدة، وهو شرط موضوعي ضروري للانضمام لمنظمة الأمم المتحدة.
اقرأ المزيد: استئناف الإجلاء من مطار كابول.. والاعتراف الأميركي بحكومة طالبان مشروط
الاعتراف بالحكومة الجديدة بقيادة طالبان ليس اعترافاً بأفغانستان “الدولة السيدة” المعترف بها من الجماعة الدولية. لكن الاعتراف بالحكومات الجديدة التي شغلت سدة الحكم، إما عن طريق القوة المسلحة أو أي من الطرائق الأخرى بدون التداول السلمي للسلطة، شرطاً لازماً لإسباغ الشرعية علي هذه الحكومة الجديدة كما في حالة طالبان. يقول “سلامة” في تصريح خاص لليفانت نيوز.
ويذكّر سلامة بأن الحركة من حيث التزماها بالمعاهدات الدولية عندما حكمت البلاد لم تحقق التزاماتها، فأبرز المعاهدات الدولية التي انتهكتها طالبان حين سادت أفغانستان كانت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 واتفاقية مناهضة أخذ الرهائن عام 1979.
وائل سليمان
ليفانت نيوز _ وكالة الأنباء الأفغانية_ DNA INDIA
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!