-
جرح على جدار الزمن.. المعتقلون في سوريا والعفو الكاذب
لا ينفك النظام السوري المجرم في سوريا إلا ويظهر نفسه بين الفينة والأخرى أنّه من أعتى الأنظمة والأكثر استبداداً وإجراماً على مستوى العالم، تلك المنظومة الإجرامية التي عاثت في التراب السوري دماراً وتخريباً، وأجرمت وأوغلت في دماء السوريين منذ خمسة عقود وحتى الآن.
وأبرز هذه الجرائم التي تتضح فصولها يوماً بعد يوم لتظهر مدى حجم الكارثة والمأساة التي تعرّض لها الشعب السوري على يد هذا النظام، وهي جريمة الإخفاء القسري لمئات الآلاف من شبان وأطفال ورجال ونساء الشعب السوري، حيث كانت هذه الجريمة هي السمة الأبرز من سمات حكم نظام الطاغية، لم يستثنَ من هذه السجون والمسالخ البشرية ومن هذه الجريمة، طفل أو رجل أو امرأة أو مسنّ أو سياسي أو تاجر أو أي مكون من مكونات المجتمع السوري.
وعلى مدى العشر سنوات الماضية، استمرّت سياسة الاعتقال والإخفاء القسري بوتيرة أكثر فأكثر، حتى تحولت إلى هلوكوست يشبه كثيراً وإلى حد بعيد ويفوق بإجرامه معسكرات النازية التي تم تصفية الملايين فيها.
حجم الكارثة أكبر بكثير مما يعلن عنه في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي وما وثّقته المنظمات الدولية. هذه الجريمة التي بدأت مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية والثورة السورية المحقّة ضد نظام الطاغية. استخدم نظام المجرم كامل أدوات القتل الممكنة واستعان بمجرمين ومرتزقة الميليشيات الشيعية وميليشيات العمائم السوداء لتنفيذ جرائم الإبادة بحق الشعب السوري مستخدماً أساليباً متنوعة، أبرزها الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وكانت الغاية منه كسر إرادة الثوار وإرادة الشعب في نيل حريته. تلك الصور والتي ظهرت سابقاً في ملفات قيصر، والفيديوهات التي تظهر من حين إلى آخر، توضح عظمة الجريمة التي عانى منها السوريون، وتوضح طبيعة هذا النظام الفاشي ومؤسساته الأمنية التي تقوم على الشحن الطائفي الذي يعتبر القوت اليومي لهذا النظام الذي يكفل بقاءه.
لم يشهد التاريخ الحديث جريمة بهذا الحجم، ولم يشهد التاريخ نظاماً يرتكب الجرائم كل يوم ويدّعي زوراً وبهتاناً بأنّه يكافح ويقاتل الإرهاب مئات المدنيين الذين ظهرت مشاهد مرئيّة توثّق جرائم قتلهم ودفنهم أحياء. آلاف الصور للمقابر الجماعية التي قام النظام بدفن الأبرياء العزّل لا لشيء فقط إلا أنهم طالبوا بالحريات. لم يشفع لهذا الطفل طفولته ولم يشفع لتلك المرأة ضعفها ولم يشفع لهذا المسنّ الذي ألقي في حفرة حي التضامن سنّه وكهولته ومناداته.
امتلأت كل الصفحات التي أعدتها المنظمات الدولية لتوثيق هذه الجرائم، ولم يبقَ متّسع لحصر آلاف الملفات والتوثيقات لجريمة النظام السوري بحق مئات الآلاف من هذا الشعب. وكان المفجع حقّاً رد الفعل الدولي الرسمي على هذه الجرائم الذي لم يتجاوز حتى الاستنكار الرسمي والإدانة لهذه الهمجية العنصرية ولهذه الجريمة.
ويخرج منذ أسبوع جزار دمشق بعفو كاذب أشبه بخدعة وسخرية من مجتمع دولي متخاذل، ومن معارضة كانت شريكته بتفريطها بدماء هؤلاء الأبرياء.
من هم الذين شملهم عفو الجزار؟ وما هي جريمتهم؟ وما هي أعدادهم؟ وما هي المحاكم التي حكمتهم؟ ومن هم المحامون الذين وكلوا للدفاع عنهم؟ كل هذا في دولة اللاقانون. هذا العفو الذي أصدره رئيس عصابة لا تؤمن بالدستور ولا تؤمن بدولة القانون، هي فقط عصابه قتل وإجرام امتهنت الجريمة لبقائها، وجعلت من المجازر أسلوباً لحياة الخوف الذي يعاني منه الشعب السوري، وحولت حياة السوريين لكابوس يتمنى السوريون أن يستيقظوا منه كائناً من كان قارع جرس إنهاء هذا الكابوس.
حاول المجرم من خلال هذا العفو أن يخلط الحقائق حول الجرائم التي ارتكبها جميعاً. يعرف أن هناك 300,000 ممن أعدموا في سوريا في غياهب السجون، وممن غيبتهم الحفر والمدافن والمقابر الجماعية والمحارق، وسخر النظام منظومته الإعلامية والدينية للتحدث عن إفراجه عن المعتقلين بالإضافة لآلاف من الحسابات والصفحات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها موظفون تابعون لأجهزة أمن نظام الجزار. جميعها تتحدث عن الإفراج عن 200 معتقل هنا و300 هناك، ليوهم المجتمع الدولي بأنه أطلق سراح الآلاف.
معظم من تم إطلاق سراحهم هم ممن اعتقلوا حديثاً، منذ بضعة شهور، أما المغيبون من عشرات السنين فلا ذكر لهم، ومن أطلق منهم مجرد هياكل عظمية فقدت الحياة منذ السنوات الأولى وعلى مشارف الموت المحقق. معظمهم فاقدو الذاكرة لا يعون أي شيء من حولهم بفعل التعذيب الذي تعرضوا له، ومما يدمي القلب تلك الصور، وذلك الأسلوب الرخيص والوقح التي تم من خلاله إطلاق سراح بضعة مئات من المعتقلين ورميهم في ساحات دمشق. وجوه تائهة وعيون شاردة لا تدري أين تذهب، تتأمل كل شيء كأنّهم قادمون من الجحيم، ومما يحزّ بنفس كل إنسان الأمهات والرجال الذين تجمعوا بعشرات الألوف في ساحة دمشق يحملون صور أبنائهم. بالتأكيد هي عملية نكئ حقيرة للجروح النازفة، ورشه الملح على هذه الجروح لتصبح أكثر إيلاماً.
تلك السيدة التي تبرز صورة لولدها في وجه أحد المعتقلين والذي لا يعي ما يدور حوله، تستجديه إن كان قد رأى أو سمع عنه شيئاً. هذه الجريمة المنظمة التي اتبعها بشار الأسد وعصاباته بحق الشعب السوري ما تزال بعيدة عن الحقيقة، حتى الآن، فالواقع أفظع من ذلك بكثير وأشد إيلاماً، وتلك المعارضة السورية التي ما تزال حتى الآن تتماهى مع هذا النظام المجرم بفسادها ودونيتها وتفريطها.
وسمعنا منذ أيام أحد حمقى اللجنة الدستورية وهو يقول إنه مستعد للجولة القادمة من اللجنة الدستورية، فعلى أشلاء من ستعقد هذه اللجنة؟ ربما كان من الأفضل أن تعقد في بيضة بانياس أو تضامن دمشق أو حولة حمص.
ألا تعي تلك الأدوات الرخيصة في المعارضة السورية أن إجرامهم بالاستمرار بهذه الحماقات شكل حافزاً كبيراً لهذا النظام للاستمرار في جرائمه، أما آن لهذه المعارضة السورية ومن يمثلها أن تقف دقيقه مع الحقيقة، ويظهر كل عضو فيها إنسانيته التي فقدها تنفيذاً لأجندات هذه الدولة أو تلك.
مما يؤلم الشعب السوري أكثر من هذه المجازر ذلك الارتهان وذلك التفريط المفجع بحقوق السوريين من قبل من نصبوا نفسهم زوراً وبهتاناً كممثلين لثورة الشعب السوري، مساراً بعد مسار، ولجنة بعد لجنة، وجولة بعد جولة، وخطوة بعد خطوة، تكتمل فصول الجريمة ويسدل الستار عن مسرحها الذي عجز كل أدباء العصر وسيعجز من سيسمع لاحقاً من الأجيال عن تصويرها وإعطاء حقها في الوصف.
الشعب السوري لا بد أن ينال حريته، وتلك الدماء المسفوحة على مذبح الحرية لا بد أن تكون لعنة على هذا السفاح المجرم وعصابته، وعلى تلك المعارضة التي سخرت نفسها لخدمة الجميع باستثناء الشعب السوري الحر، ولنا ثقة جميعاً بأن هذا الشعب سينهض من تحت الركام وسيوحد صفه من جديد وسيسقط الطاغية وسيعيد ترميم نسيجه الاجتماعي الذي مزقه النظام السوري ومعارضته العميلة. ولنا ثقة جميعاً بأن التاريخ سيكتب كل شيء وسيكتب عن شعب نال حريته وسط جحيم أفظع جريمة في التاريخ الحديث، كاتباً بأحرف من دم على علمه، حرية وبس.
ليفانت - عبد العزيز مطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!