-
حكاية "الأسد والثعلب" والعالم الذي يتعرّى كل يوم
تقول إحدى القصص التراثية الكردية إن الأسد اعتاد أن يضرب الثعلب كل يوم، يناديه تعال.. لماذا تمشي حافي القدمين؟ ويبدأ بضربه، وتكرّر الأمر كثيراً حتى أتاه الذئب يوماً وقال له: يا سيدي.. أنت ملك الغابة ومن حقك أن تفعل ما تشاء لكن كل الحيوانات تمشي حافية، يمكنك أن تضرب الثعلب متى شئت ولكن على الأقل جد ذريعة مقبولة، فسأله الأسد: ذريعة مثل ماذا؟ فقال الذئب: قل له مثلا آتني بتفاحة فإن جلب تفاحة صفراء قل له قد طلبت واحدة حمراء وإن جلب حمراء قل له أريد صفراء واضربه، فقال الأسد معك حق.
وكان الثعلب حينها يستمع الى الحوار بينهما خفية، وفعلاً نادى الأسد الثعلب وفعل مثل ما قال الذئب، فجاء الثعلب وبجيبه تفاحة حمراء وأخرى صفراء، قدم الحمراء للملك فصرخ الأسد: ألم أقل لك أريد تفاحة صفراء، فأخرج الثعلب الصفراء وقدمها للملك، وحينها لم يجد الأسد ذريعة للضرب، فصرخ في وجه الثعلب: لماذا تمشي حافي القدمين؟ وعاود ضربه.
كل يوم يثبت المجتمع الدولي أنه لا يحتاج إلى ذريعة لضرب الضعفاء، بل يضرب أينما ومتى ما شاء وبذرائع واهية لا تكاد تسري على عقل طفل، في حين يغلق عينيه أمام انتهاكات وجرائم يرتكبها الأقوياء، بل إنه حتى لا يتجرّأ على ذكرها أو التنديد بها، أو التعبير عن القلق كما اعتدنا من "بان كي مون" لسنوات طوال.
طوال أكثر من عقد، ارتكب نظام الأسد في سوريا جرائم لا تُحصى، وأصغر جريمة فيها تستحق أن يستنفر العالم كله ضده وتقوده وزمرته إلى المحاكم الدولية، لكن حيتان العالم تُغلق عيونها وآذانها عن صراخ عذابات السوريين، المهجرون منهم والمعتقلون والمغيبون قسرياً، وملايين البشر التي تعاني من الجوع والإذلال يومياً في الداخل السوري منذ سنوات، بل تسعى بعض الدول الى إعادة تعويم الأسد وتجاهل الكارثة الإنسانية، بل نسيانها، وكأنها لم تكن، وحل القصة حتى بلا "تبويسة شوارب" شكلية، ونسج مسرحية "حل سياسي ما" تذر الرماد في العيون.
وفي الشمال السوري، شنّت تركيا خلال السنوات الماضية ثلاث عمليات عسكرية، استخدمت فيها كافة الأسلحة، فقُتل من السوريين من قُتل وتناثرت أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ الكرد السوريين في عفرين ورأس العين وغيرها من المناطق، ومارست التغيير الديمغرافي، بل سياسة الإبادة والمحق بحق شعب كامل دون أن تهتز شعرة واحدة في رؤوس حكام العالم، وكل يوم تُمارس أبشع الانتهاكات في كافة المناطق السورية من قبل سلطات الأمر الواقع لكن مصالح المشغلين تمنع من معاقبتها، لتبقى الكلمة مرة أخرى للأقوى الذي يمتلك المال والسلاح ورجالاً يموتون في سبيل الدفاع عنه متى ما لزم الأمر.
منذ أكثر من عشر سنوات، يعاني السوريون ما يعانونه في كل مكان، في الداخل والمهجر، يموتون في الطرقات برداً، يموتون برصاص الأتراك على الحدود، ومن ركلات اليونانيين، يموتون في غابات بلغاريا وبين ثلوج إيران، تبتلعهم البحار، يموتون قهراً في كل مكان دون أن يفكر العالم بوضع حدّ لهذه المأساة، بل يكتفون بتصريحات خجولة "لا تسمن ولا تغني من جوع"، لتتراكم الصرخات والأوجاع ويستمر عذابهم في تغريبة قلّ نظيرها في التاريخ.
وقبل نحو عشرة أيام، قصفت إيران مدينة أربيل باثني عشر صاروخاً بالستياً تسبب في أضرار مادية كبيرة، وهدم لمنازل المدنيين، دون أن يتجرّأ المجتمع الدولي، ومن ضمنه العراق الذي انتهكت سيادته، على الرد بأي خطوة عملية، بل اكتفى بالكلام، بتصريحات يمكن أن "يبلّلها ويشرب ماءها".
وكنا نعتقد أن قوانين "الغابة" هذه وشعار "البقاء للأقوى"، تسري فقط على بلداننا في الشرق الأوسط التعيس، لكن الحرب التي شنّها "الدب الروسي" ضد شعب مسالم وبلد آمن مثل أوكرانيا فندت ظنوننا وأثبت مرة أخرى أن هذا العالم بكلّيته ليس سوى غابة، فشهر واحد من الحرب الروسية على أبناء عمومتهم الأوكرانيين، خلّف آلاف القتلى ومدناً مدمرة بالكامل وملايين المهاجرين والمشردين، بينما يقف العالم متفرجاً على هذا التوحش المريع، وكل حاكم يسعى لاقتناص أكبر قدر من الفائدة من كعكة الحرب.
العالم انكشف تماماً وبات عارياً أمام عيوننا، عارياً حتى من ورقة توت تستر عورته، وكل ما حولنا يدفع البشر إلى ارتكاب المزيد من الظلم بحق من حولهم والتسلّق على أكتافهم، ودعس كافة القيم الأخلاقية التي اعتدنا سماعها، كل ما نسمعه اليوم هو صوت "الأقوى" وروايته والاستمتاع بأكاذيبه وهو ينهش لحم الضعفاء ويخنق أصواتهم.
ليفانت - سوار أحمد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!