-
حوار الأرز.. بين إيمانويل كانط.. جان جاك روسو.. ونايف شعبان حول الثورة السورية
في إحدى الأمسيات الجميلة في قريتي، التي تقع على ارتفاع 1570 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وبين أشجار الأرز العريقة التي تحيط بنا، اجتمعت مع اثنين من أعظم الفلاسفة عبر التاريخ، إيمانويل كانط، بعيونه الحادة التي تعكس وضوح أفكاره، وجان جاك روسو، بوجهه الذي يحمل علامات التأمل العميق.
يجلس جان-جاك روسو وإيمانويل كانط على مقعد خشبي تحت أشجار الأرز التي تبدو وكأنها عمالقة تحرس القرية منذ عقود.
ملأت أصواتهما الهواء، مشحونة بمزيج من الغضب والإحباط، وهم يناقشون الثورة السورية، لقد تكشف خطابهما، على خلفية نضال سوريا، كصفحات رواية تاريخية آسرة، ناسجة خيوطاً من النظرية السياسية والأخلاق والتجربة الإنسانية الخام للثورة.
روسو: (متأملًا نحو الأفق) إيمانويل، مع امتداد الظلال، نجد أنفسنا نتأمل مسألة في غاية الأهمية، "الثورة السورية"، يقول البعض إن هذا النضال النبيل ليس أكثر من حرب أهلية. ومع ذلك، عندما أتأمل الثورة، أرى جوهرًا مختلفًا تمامًا. " كأن قلب الإنسانية ذاته يسعى لاستعادة كرامته المفقودة ".
تابع روسو، وعيناه تتوهجان بنار قناعاته، "عزيزي إيمانويل، نجد أنفسنا مواجهين بسوء تصوير خطير لنضال الشعب السوري. كيف يمكننا، كفلاسفة مكرسين للسعي وراء الحقيقة والعدالة، أن ندحض هذا المفهوم القائل بأن ثورتهم ليست سوى حرباً أهلية؟ "
"هذه ليست حرب أهلية، إيمانويل. إن تسميتها بهذا المصطلح هو خيانة لجوهر ما يقاتل من أجله الشعب السوري. إنهم ليسوا فصائل متناحرة تسعى للسيطرة ضمن نظام فاسد. إنهم شعب يصرخ من أجل حقوقه الطبيعية، حريته، حقوقهم التي تم قمعها لفترة طويلة من قبل نظام استبدادي "
كانط (بهدوء وحزم):
"بالفعل، جاك. التقليل من شأن الثورة السورية إلى مجرد 'حرب أهلية' هو تحريف متعمد، يروج له أولئك الذين يسعون لإخفاء الأبعاد الأخلاقية لهذا النضال. الثوار ليسوا مجرد متمردين، إنهم أفراد يطالبون بالاستقلالية، ويطالبون بالعدالة. التمييز هنا ضروري. إنها مسألة قانون أخلاقي، وليست مجرد اضطرابات سياسية."
كذلك فإن "جوهر الثورة لا يكمن في صراع داخلي للسيطرة، بل في تأكيد الحقوق الأخلاقية. كما ناقشت في أعمالي حول الفلسفة الأخلاقية، فإن السلطة الشرعية تنبثق من الإرادة العامة للشعب. عندما تفشل الحكومة في احترام هذا الثقة المقدسة، يكون للشعب الحق، بل والالتزام الأخلاقي في المقاومة."
تابع كانط، (وجبينه متجعد في تأمل عميق)، "يجب أن نقارب هذا، يا روسو، من خلال عدسة العقل والمبادئ العالمية. الثورة السورية، في جوهرها، ليست صراعاً بين فصائل متساوية داخل الدولة، بل هي نضال ضد نظام قمعي انتهك العقد الاجتماعي."
أومأ روسو بقوة، "بالضبط " العقد الاجتماعي، الذي شرحته في أعمالي، هو الأساس الحقيقي للحكم الشرعي. عندما يخون الحاكم هذا العقد، فإن الشعب لا يملك الحق فحسب، بل عليه واجب استعادة سيادته."
روسو (متابعاً)، " بدأت الثورة كهمسات اعتراض ضد نظام قد خرق العقد الاجتماعي لفترة طويلة. لم تكن وليدة فصائلية مجردة، بل نابعة من صرخة دائمة للعدالة والحرية، تتردد من عمق معاناة الناس."
"بالفعل،" وافق كانط، (وصوته متزن وهادئ) "علينا أن نأخذ في الاعتبار الأمر القطعي هنا. إذا عممنا المبدأ القائل بأنه يجب على الناس الخضوع للطغيان، فسيؤدي ذلك إلى عالم خالٍ من الحرية والكرامة. لذلك، فإن مقاومة الشعب السوري ليست مسموحة فحسب، بل هي ضرورة أخلاقية."
روسو (بنبرة حماسية) "علاوة على ذلك، تعالج الثورة التفاوتات الاجتماعية العميقة التي يغذيها نظام فاسد. كما استكشفت في خطاباتي، فإن مثل هذه التفاوتات تؤدي إلى الفساد والصراع. الثورة السورية هي استجابة لهذا الظلم المنظم، وتهدف إلى بناء مجتمع حيث يتم فيه توزيع السلطة والموارد بشكل أكثر عدلاً."
"إنها تحول أخلاقي وسياسي عميق، وُلد من الإرادة الجماعية لشعب يرفض أن يُستعبد بعد الآن. وصفها بالحرب الأهلية هو فهم خاطئ لطبيعتها الحقيقية؛ فهي، في جوهرها، ثورة الروح الإنسانية، طلب غير متزعزع للعدالة في مواجهة الاستبداد. وفي هذا، صديقي، تكمن قوتها الدائمة."
مال روسو إلى الأمام، (وشغفه ملموس) "ولكن كيف ننقل هذا إلى عالم يبدو مستعداً للغاية لتبسيط الصراعات المعقدة؟ الثورة السورية ليست مجرد خلاف داخلي، بل هي نضال من أجل المُثل العليا للحرية والمساواة التي نعتز بها."
مسح كانط ذقنه مفكراً. "يجب أن نلجأ إلى العقل والأدلة التجريبية. القمع المنهجي، وإنكار الحقوق الأساسية، والقمع العنيف للاحتجاجات السلمية - هذه ليست أفعال حكومة شرعية منخرطة في حوار مدني، بل هي أفعال نظام استبدادي يتشبث بالسلطة."
"نعم!" صاح روسو. "ويجب أن نؤكد على وحدة الهدف بين الثوار. هذه ليست حرباً من الجميع ضد الجميع، بل إرادة جماعية تسعى للحرية ضد مضطهد مشترك."
كانط: (موافِقًا)، "وهكذا، نرى أن الثورة تتجاوز المفهوم التقليدي للحرب الأهلية. إنها سعي نحو نظام أخلاقي أعلى، حيث تُحترم حقوق وحريات جميع الأفراد. إنها ثورة حقيقية، تسعى إلى تصحيح هذه الاختلالات واستعادة الحقوق الطبيعية للشعب."
روسو: "إيمانويل، تخيل لو كنا قد عشنا خلال هذه الثورة، وشهدنا أصوات الخيانة والانتهازية من بعض السياسيين ومراكز الأبحاث المرتزقة. ماذا كنا نقول لهم؟"
كانط: (بتوقف تأملي) "كنا سنذكرهم بأن تصنيف الثورة السورية كحرب أهلية هو فهم خاطئ لطبيعتها الحقيقية. إنها ثورة ولدت من الضمير الأخلاقي الجماعي لشعب مصمم على التغلب على الاستبداد والظلم. الانتقادات من تلك الأوساط ليست سوى صدى لفهم خاطئ، يعجز عن إدراك جوهر صراع يتجاوز صراعات السلطة البسيطة."
كانط: (بإيماءة حاسمة أخيرة) "وهكذا، جاك، نصل في هذا الحوار إلى قناعة بأن الثورة السورية ليست حربًا أهلية بل منارة أمل وعدالة. إنها شهادة على القوة الدائمة للروح البشرية في مواجهة الاضطهاد."
استمعت بينما كانت المحادثة تتكشف، في البداية كنت منجذبًا لعمق حججهم، لكنني سرعان ما وجدت نفسي مغلوبًا بوزن التبادل الفكري بينهما. تحركت النقاشات بسرعة من اتهامات سطحية بـ 'الحرب الأهلية' إلى مفاهيم فلسفية أعمق، العقود الاجتماعية، ميتافيزيقيا الأخلاق، والكرامة الإنسانية الكامنة.
مع استمرار حوارهما، تعمق الفيلسوفان في تعقيدات النضال السوري، راسمين أوجه التشابه مع الثورات التاريخية ودراسة الآثار الأخلاقية للتدخل الدولي. ناقشا دور القوى الخارجية، وتعقيدات الانقسامات الطائفية، وتحديات بناء مجتمع عادل في أعقاب الصراع.
اقترح كانط، (وهو المنظّر الدائم)، إطاراً لتقييم شرعية الثورة بناءً على التزامها بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي. أما روسو، مع تركيزه على الإرادة العامة، فقد جادل بأهمية الحركات الشعبية وصوت عامة الناس في تشكيل مستقبل سوريا.
مع بدء غروب الشمس، ملقية بظلال طويلة عبر ملاذنا الجبلي المنعزل، اتخذت المحادثة نبرة أكثر جدية. قال كانط بهدوء، "علينا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار العواقب طويلة المدى لهذا النضال. كيف يمكن للشعب السوري أن يضمن أنه في إطاحته بشكل من أشكال الطغيان، لا يخلق عن غير قصد شكلاً آخر؟"
تنهد روسو بعمق، "هذا، يا صديقي، هو التحدي الأبدي لكل الثورات. يجب أن نثق في الخير المتأصل في الإنسانية وقوة المصلحة الذاتية المستنيرة. الشعب السوري، بعد أن ذاق مرارة القمع، سيسعى بالتأكيد إلى إنشاء مجتمع قائم على العدالة والمساواة."
مع اقتراب حوارهما من نهايته، وجدت نفسي مغموراً بعمق واتساع تحليلهما. لم يدحض الفيلسوفان فقط المفهوم المبسط للثورة السورية كمجرد حرب أهلية، بل قدما أيضاً إطاراً فلسفياً قوياً لفهم ودعم النضال من أجل الحرية والكرامة.
روسو (مخاطبًا إياي بشكل مباشر):
"ترى، أيها الثائر، إن جوهر العقد الاجتماعي هو أن الناس، بتشكيلهم للمجتمع، لا يتخلون عن حقوقهم لحاكم؛ بل إنهم يأتمنون سلطتهم الجماعية على حكومة يجب أن تحمي حريتهم. عندما تصبح تلك الحكومة فاسدة، عندما تنتهك الحقوق الطبيعية لمواطنيها، فإن الناس لا يملكون الحق فقط، بل لديهم الواجب في المقاومة. الثورة السورية هي تجسيد لهذا الواجب، استرداد مشروع للحرية ضد القمع."
أومأت برأسي محاولًا فهم وزن كلماته بالكامل. كنت أستشعر شغفه، إيمانه بأن ما يقوله ليس مجرد نظرية، بل متصل بعمق بحياة أولئك الذين يقاتلون في سوريا.
كانط (مقاطعًا بلطف):
"لكن، روسو، يجب علينا أيضًا أن نفكر في تداعيات هذا النضال من منظور الواجب والقانون العالمي. الثوار، في سعيهم نحو الحرية، لا يتصرفون بدافع من مصلحتهم الشخصية فحسب؛ بل يستجيبون لواجب أخلاقي أعلى. إنهم يؤكدون على مبدأ الأمر الأخلاقي المطلق، المفهوم الذي ينص على أنه يجب على المرء أن يتصرف بطريقة يمكن أن يصبح فعلها قانونًا عالميًا. بمقاومتهم للاستبداد، لا يقاتلون من أجل حريتهم فقط، بل من أجل المبادئ التي يجب أن تدعم أي حكومة شرعية."
في هذه المرحلة، أصبحت المحادثة أكثر تجريدًا، حيث قام كانط بتفصيل الأسس الميتافيزيقية للأخلاق، بينما رد روسو بأفكاره عن الحقوق الطبيعية والعقد الاجتماعي. كان حوارهما مكثفًا، مليئًا بالدقة المنطقية والإشارات الفلسفية التي جعلتني أشعر أحيانًا بالانفصال عن النضال السوري الآني. ومع ذلك، لم أستطع إنكار أهمية ما كانوا يقولونه.
كانط (ملاحظًا إرهاقي، يقدم نصيحة):
"لا تفقد الأمل بسبب تعقيد مناقشتنا. ما نحن بصدد مناقشته ليس مجرد فلسفة نظرية، إنه أساس العدالة والكرامة الإنسانية. عندما تواجه حجج أولئك الذين يصنفون الثورة السورية كحرب أهلية بسيطة، تذكر أنك لا تدافع عن رؤية سياسية فحسب؛ بل إنك تدافع عن المبادئ التي تحدد الإنسانية نفسها. إنه واجبك أن تطبق العقل، وتسعى للحق، وتدعم القانون الأخلاقي في كل ما تقوم به."
روسو (بنبرة أكثر هدوءًا):
"وتذكر، أن النضال من أجل الحرية ليس سهلاً أبدًا. إنه مليء بالتحديات، والذين يقاتلون من أجله غالبًا ما يقومون بذلك بتكلفة شخصية كبيرة. لكن اعلم هذا: أن السعي للحرية هو أسمى ما يمكن للإنسان أن يقوم به. سواء في سوريا أو في أي مكان آخر في العالم، فإن القتال من أجل الحرية هو قتال من أجل إنسانيتنا الجماعية. عليك أن تكون قويًا، ليس فقط في حججك، بل في قلبك أيضًا. لا تدع التشاؤم العالمي يجعلك تنسى جمال المبادئ التي يقاتل من أجلها الشعب السوري."
اشتد الظلام، وبدأ الهواء الجبلي البارد يتسلل من حولنا. استمر الحوار، متجاوزًا موضوعات الواجب، والعدالة، والحرية، ودور الفرد في المجتمع. ومع اختلافاتهم، بدا أن كانط وروسو يتفقان على فكرة مركزية واحدة: أن الثورة السورية ليست مجرد صراع سياسي، بل هي نضال أخلاقي عميق، يتطلب اهتمام ودعم كل من يؤمن بمبادئ الحرية والعدالة.
مع تردد كلماتهم في ذهني، أدركت أن هذا الحوار لم يكن مجرد محادثة بين اثنين من العظماء؛ بل كان دعوة للعمل، تذكير بأن الدفاع عن الحرية ليس مجرد موقف فكري، بل هو واجب أخلاقي. وفي تلك اللحظة، تحت أشجار الأرز العريقة، فهمت أن لي دورًا ألعبه في هذا النضال المستمر، دور يتطلب ليس فقط الفهم، بل الالتزام، والشجاعة، وإيمانًا لا يتزعزع بقوة العدالة.
وأنا أودع هذين العقلين الشامخين، استمرت كلماتهما تتردد في ذهني. لم أستطع إلا أن أتساءل كيف سيكون رد فعلهما لو شهدا عن كثب تعقيدات الثورة السورية، ليسمعا أصوات أولئك الذين على الأرض، ليواجها الحقائق القاسية للحرب الحديثة والسياسة العالمية.
مشيت مبتعداً، شعرت بإحساس متجدد بالهدف والوضوح. لم يكن الحوار بين روسو وكانط مجرد تمرين فكري، بل كان تذكيراً قوياً بالمبادئ العالمية المعرضة للخطر في النضال السوري. رسمت كلماتهما صورة حية لسعي الشعب نحو الحرية، ليس كحرب أهلية فوضوية، بل كثورة نبيلة وضرورية ضد الطغيان.
ينتهي الحوار هنا، مع تأمل عميق في تقاطع الفلسفة والصراعات الواقعية للثورة السورية. الحوار السابق يصلح كعمل أدبي لا يتفاعل فقط مع الإرث الفكري لروسو وكانط، بل يردد صدى التحديات السياسية والأخلاقية الحالية. تعمدت تصميم اللغة لتكون عميقة ومفهومة في آن واحد، بهدف إلهام فهم أعمق لتعقيدات الثورة السورية، والمبادئ الفلسفية التي تقوم عليها.
ليفانت: الكاتب السياسي: نايف شعبان
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!