الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ربيع العراق ولبنان في مواجهة إيران
عماد غليون

عماد غليون 


اندلع الربيع العربي من تونس بفعل تراكمات وأزمات داخلية عميقة اجتماعية وسياسية، ومع إدراك شباب الثورة خطورة مواجهة أنظمة ديكتاتورية متمرسة في القمع، لم يدر في خلدهم أن قمع الأنظمة لانتفاضاتهم سيفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية، أدت لحرف الحراك عن مساره في مطالب التغيير والإصلاح السلمي نحو حروب دامية وتدمير وتهجير في سوريا ولبنان واليمن.


انتشر الإحباط واليأس في الشارع العربي بتأثير التطورات الدراماتيكية التي ضربت بلدان الربيع العربي، ولم يكن هناك أي تصور إحياء الربيع انطلاقاً من لبنان أو العراق، التي يعيش هذه البلدان ظروفاً اجتماعية وسياسية معقدة تحت الهيمنة الإيرانية، حيث تخضع الدولة اللبنانية لسطوة سلاح حزب الله المدعوم من إيران بدعوى مقاومة إسرائيل، وبشكل مماثل تسيطر ميليشيات شيعية طائفية مرتبطة مباشرة بإيران على القرار السياسي في العراق.


انفجر غضب الشارع الشعبي العراقي بعد وصول الأمور المعيشية لحالة لا تطاق من الجوع والفقر والبطالة، واستشراء الفساد والمحسوبيات بشكل غير مسبوق، وتدهور مريع في مستوى الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وتعليم وخدمات صحية، وانعدام الأمل في أي معالجة أو انفراج قريب، إضافة لحالة من القمع السياسي وسيطرة الميليشيات الطائفية والهيمنة الإيرانية.


بدأ اللبنانيون احتجاجهم بشكل عفوي احتجاجاً على فرض ضرائب جديدة ومن بينها ضريبة على خدمات اتصال الواتس أب، وعلى الفور تفجرت عوامل غضب كامنة لدى اللبنانيين جعلتهم يتدفقون إلى الشوارع ويعتصمون في الساحات ويقطعون الطرقات، ونقل الحراك من مطلبي إلى سياسي ثم نحو إسقاط أركان النظام ورموز القيادات والأحزاب والطوائف السياسية، وهو ما يعني إسقاط العهد بكامله من الحكومة والمجلس النيابي ورئيس الجمهورية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.


كان دور المرجعيات الشيعية في العراق مهماً في تهدئة الحراك وامتصاص الغضب الشعبي، وأعطت مشاركة التيار الصدري إلى جانب المتظاهرين بعداً شيعياً للحراك، وفي لبنان سارع حزب الله لمواجهة دعوات تأسيس نظام جديد عابر للطائفية يقف ضد هيمنته على مفاصل الدولة، وتسيطر في العراق ولبنان مخاوف استنساخ نموذج نظام الأسد في الدفع الطائفي للحراك، عبر تحييد وإبعاد طائفة وكسبها في صفوفه.


تأسس النظام السياسي اللبناني منذ ثلاثة عقود وفق اتفاقية الطائف التي كرست صيغة محاصصات وتوافقات طائفية، وجرى تركيب نظام الحكم في العراق بعد الغزو الأمريكي بناء على محاصصات قومية طائفية، ويدرك الجميع صعوبة وخطورة التخلص من نظم مركّبة بشكل معقّد على أساسات قلقة غير مستقرة دون توفير بديل يجنّب الفراغ والوقوع في الفوضى، لكن المشكلة أن عملية الانتقال وبناء نظم وطنية بديلة يجب أن تمر عبر توافقات بين أركان الطبقة السياسية والطائفية، وهي ترفض بطبيعة الحال أي إصلاح أو تطوير تعرف أنه سيطيح بها ومصالحها.


تقبع إيران في خلفية المشهد المتحرك، وهي تتحكم فعلياً بخيوط اللعبة من خلال أذرعها في الميليشيات الشيعية والقوى السياسية التابعة لها في لبنان والعراق، ورغم محاولات الحراك تجنب الوقوع في الفخ الإيراني والابتعاد عن دائرة الصراعات الطائفية والإقليمية، إلا أن معركة إسقاط الأنظمة الطائفية في العراق ولبنان تمثل بداية النهاية لانحسار نهاية النفوذ الإيراني في المنطقة.


تراخى النظام الرسمي العربي عن مواجهة المخاطر المحدقة بالأمن القومي العربي، ولم يجري بلورة رؤية قومية موحدة، حيث وقعت في حيرة وتخبط بين هواجس مواجهة مباشرة مع إيران وتأييد حراك الربيع العربي الذي يقض مضاجعها.


بعد فقدان الثقة والمصداقية بكامل الطبقة السياسية، لم تستطع مبادرات الإصلاح التي تقدمت بها الحكومتان العراقية واللبنانية امتصاص غضب الشارع واحتواء الحراك، وبينما واجهت السلطات العراقية المتظاهرين بشكل عنيف ودامي عبر أذرعها من الميليشيات الإيرانية، واستطاعت قوى الجيش وقوى الأمن اللبنانيتان الابتعاد حتى الأن عن الانجرار في مواجهات مباشرة مع المحتجين، وأقلق ذلك الموقف الناعم تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، وبدأ سعيهم لوأد الحراك في الدفع نحو خلق مواجهات وصدامات مباشرة بين شارعين متقابلين من شيعة ومسيحيين، والتهديد بخطر الانقسام الطائفي والوطني الذي خبره اللبنانيون في حرب أهلية دامية.


ترتبط ضبابية المشهد وغموض الصورة حول مستقبل الحراك في العراق أو لبنان بالقدرة على الصمود السلمي في مواجهة وكلاء إيران دون تفتيت البنية الاجتماعية، لكن وصول الربيع العربي في محطة متأخرة إلى العراق ولبنان، يؤكد أنه سيبقى ملهماً للشعوب في طريقها نحو الحرية والكرامة.


كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!