الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
رحلة إلى نيويورك على جثث عمال منجم الفحم طبس؟!
إيران \ تعبيرية \ متداول

في مساء يوم السبت 21 سبتمبر، أعلن رئيس دائرة العمل في مدينة طبس (الواقعة في محافظة خراسان الجنوبية) عن وقوع انفجار كبير نتيجة تسرب غاز الميثان في بلوك C من منجم الفحم "معدنجو". الأخبار اللاحقة أشارت إلى أن هذا الانفجار أسفر حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 52 عاملًا، بينما لا يزال 17 آخرون محاصرين بالغاز، ولم تُعرف بعد مصائرهم. على الرغم من هذا الحادث الأليم والمفجع، غادر "بزشكيان" بعد ساعات قليلة، صباح يوم الأحد 22 سبتمبر، متجهًا إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة!

بالطبع، يُعد حضور رؤساء الدول في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة أمرًا معتادًا ومعروفًا، حيث يلقي الرؤساء والزعماء كلماتهم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يمكن أن يقوله رئيس لنظام غارق في أزمات متعددة، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، للمجتمع الدولي؟ هل سيتحدث عن الصراعات الداخلية الحادة داخل هرم السلطة؟ هل سيتطرق "بزشكيان" إلى الأزمة الإقليمية التي كان النظام الإيراني، وبالأخص "خامنئي"، السبب الرئيسي في إشعالها واستمرارها؟ هل سيذرف "بزشكيان" دموع التماسيح على الشعب الفلسطيني كما فعل رؤساء النظام الإيراني السابقون؟ هل سيتحدث عن الأعمال العدوانية والأزمات التي تفتعلها ميليشيات الحوثيين في اليمن بالنيابة عن النظام الإيراني؟ هل سيتطرق إلى القوى الوكيلة للنظام التي مهمتها زعزعة استقرار المنطقة وإثارة الأزمات من أجل بقاء دكتاتورية ولاية الفقيه؟ هل سيتحدث عن تصعيد قمع النساء في إيران؟ هل سيشير إلى زيادة أسعار الخبز، الذي يُعتبر الغذاء الأساسي للشعب الإيراني؟ هل سيقدم تقريرًا عن اتساع موجة الإعدامات في إيران وسجله الذي يشمل على الأقل 178 حالة إعدام منذ توليه السلطة؟

هناك عشرات الأسئلة الأخرى التي يمكن طرحها على نفس المنوال. ولكن الإجابة الحقيقية هي أن "بزشكيان" لن يتحدث عن أي من هذه الموضوعات ولن يجيب على أي من هذه الأسئلة، لأن لديه مهمة محددة من جانب "خامنئي"، ومكلف بتنفيذها على أكمل وجه.

المهمة الخاصة لـ "بزشكيان" في رحلته إلى نيويورك؟

"بزشكيان" مكلف بأن يقدم صورة مختلفة عن تلك التي قدمها رؤساء النظام السابقين لولاية الفقيه. لذلك، سيقول في خطابه إن النظام الإيراني يمد يد الصداقة إلى جميع دول العالم وكل الشعوب. سيصف الشعب الأمريكي بأنه أمة صديقة وأخوة. "بزشكيان" مكلف بإظهار رغبته في إصلاح الأمور وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب، بما في ذلك السعي لإحياء الاتفاق النووي (برجام). ولهذا السبب دافع في البرلمان الإيراني عن أعضاء حكومته، مشيرًا إلى أن "عراقجي" تم تعيينه وزيرًا للخارجية بأمر من "خامنئي".

لكن خلف هذا الوجه المخادع، يختبئ وجه آخر يتناقض بشكل صارخ مع الأول. لذا يجب على "بزشكيان" أن يجيب عن هذا السؤال: إذا كان حقاً يسعى لإنهاء الحروب وتحقيق السلام والهدوء، فلماذا يستخدم قتل الأبرياء في غزة كدرع بشري لحماية نظام ولاية الفقيه الديكتاتوري ضد انتفاضة الشعب الإيراني؟ إذا كان "بزشكيان" يسعى لإقامة علاقات سلمية والاعتراف بحقوق الشعوب، فلماذا طالب في رحلته إلى العراق وفي لقائه مع مسؤولي إقليم كردستان بتهجير وتشريد الأكراد الإيرانيين؟ إذا كان النظام الإيراني حقاً يريد السلام والأمن في المنطقة، فلماذا يزود "حزب الله" اللبناني بصواريخ مختلفة ويعمل على توسيع رقعة الحرب؟ إذا كان النظام الإيراني يسعى لأمن الممرات المائية الدولية، فلماذا يقوم بتعريض حركة السفن في البحر الأحمر للخطر عبر "الحوثيين"؟

الحقيقة الأخرى التي تكشف الطبيعة العدوانية والمسببة للأزمات للنظام الإيراني هي خطاب "خامنئي" في 21 سبتمبر بمناسبة ميلاد النبي محمد (ص). حيث قال في جزء من خطابه: "... نحن اليوم بحاجة إلى تشكيل الأمة الإسلامية؛ أي يجب أن نتابع هذا الأمر. من الذي يستطيع المساعدة في هذا؟ الحكومات يمكنها أن تؤثر؛ لكن الدافع في الحكومات ليس قويًا جدًا. أولئك الذين يستطيعون تقوية هذا الدافع هم خواص العالم الإسلامي... إذا ركزت جميع وسائل الإعلام في العالم الإسلامي على وحدة المسلمين لمدة عشر سنوات، وكتب الشعراء الشعر، وقدم المحللون التحليلات، وشرح الأساتذة الجامعيون الأمر، وأصدر علماء الدين الأحكام، فلا شك أن الوضع سيتغير تمامًا خلال هذه السنوات العشر؛ وعندما تستيقظ الشعوب، ستُجبر الحكومات على التحرك في هذا الاتجاه. هذا هو واجبنا..."!

الكلمة الأخيرة مع ملاحظة!

بشأن رحلة "بزشكيان" إلى نيويورك وتداعياتها، قامت صحيفة "شرق" (المقربة من التيار الإصلاحي) بتاريخ 18 سبتمبر بإجراء مقابلة مع أحد خبراء السياسة الخارجية والمتخصصين في الشؤون الأمريكية، وذكرت إجابات هذا الخبير على النحو التالي:

"تكتسب رحلة "بزشكيان" إلى نيويورك أهمية من جوانب متعددة. توفر هذه الرحلة فرصة لإجراء برامج دبلوماسية ولقاءات متعددة في وقت وتكلفة أقل. من ناحية أخرى، بما أن "بزشكيان" وصل حديثًا إلى السلطة، فإن الدول العالمية ستقوم بتقييم مباشر له ولفريقه في السياسة الخارجية خلال هذه الاجتماعات الجانبية في نيويورك. إذا تم عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع رئيس وزراء بريطانيا، أو المستشار الألماني، أو رئيس فرنسا، فهذا يعني استعداد الطرفين لحل المشاكل بينهما. لأن حكومة "بزشكيان" قد أعلنت استعدادها للتفاوض. النقطة المهمة هي الاستعداد للحوار مع أي طرف، حتى الولايات المتحدة. بالطبع، الظروف الحالية في الولايات المتحدة بسبب الانتخابات قد تعيق المفاوضات الفورية، لكن إيران من خلال إعلان استعدادها، قد أظهرت إشارة إيجابية...  نجاح هذه العملية يعتمد على ردود الفعل من الأطراف الغربية. السيناريو الأكثر احتمالية هو التوصل إلى اتفاق مبدئي حول جدولة المفاوضات. من الممكن أن تبدأ المفاوضات خلف الكواليس، حيث أن مثل هذه المفاوضات السرية قد تكون مقدمة للمفاوضات الرسمية والعلنية في المستقبل. في عالم السياسة، الخيارات ليست محدودة. النقطة الأساسية هي وجود إرادة سياسية لدى الطرفين. إذا توفرت هذه الإرادة، فإن إيجاد حلول فنية وتقنية سيكون ممكنًا. ولكن في غياب الثقة والإرادة، سيكون من الصعب تجاوز هذه الأزمة..."

سيُعرف يوم الثلاثاء 24 سبتمبر ما الذي سيحدث في الأمم المتحدة وخارجها، وما الذي سيقوله "بزشكيان" من منبر الأمم المتحدة الذي لا يستحقه حقًا. تجدر الإشارة إلى أن "بزشكيان" يدخل نيويورك بينما أعلن الإيرانيون المقيمون في هذه الولاية وغيرها من الولايات الأمريكية، مع إدانة هذه الرحلة، أنهم سينظمون مظاهرات يوم الثلاثاء 24 سبتمبر احتجاجًا على حضوره. كما أن مجموعة من الإيرانيين قد تظاهروا في الأيام الماضية أمام مقر الأمم المتحدة اعتراضًا على قبول رئيس نظام ينتهك حقوق الإنسان ويعتبر المتسبب الرئيسي في الحروب الإقليمية في الأمم المتحدة. المتظاهرون يحتجون على أن "بزشكيان" لا يمثل الشعب الإيراني، بل هو المتحدث باسم "خامنئي" الذي يريق دماء الشعب الإيراني منذ 35 عامًا بصفته الولي الفقيه، ويبدد ثرواتهم من أجل الإرهاب والقمع الداخلي والقوات الوكيلة للحفاظ على السلطة."

 

نظام مير محمدي: كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!