-
كيف قيّم مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأوضاع في تركيا؟
قام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتوجيه انتقادات حادة للحكومة التركية بسبب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، معرباً عن قلقه من قانون مكافحة الإرهاب الذي سُنّ منذ وقت قريب، والذي يُبقي على العديد من القيود المفروضة في حالات الطوارئ التي من المرجح أن يستمر إضرارها بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وذلك إثر اجتماع الدول الأعضاء في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الثلاثاء، في جنيف، لمناقشة سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان في السنوات الخمس الأخيرة، وهي الفترة التي شددت فيها حكومة حزب العدالة والتنمية قبضتها على وسائل الإعلام والصحافيين والمعارضين، وسط توقعات كبيرة بإدانة دولية لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان، بسبب سياساته الداخلية والخارجية.
وأشار خبراء الأمم المتحدة أن طبيعة المراسيم الصادرة أثناء حالة الطوارئ في البلد، التعسفية والكاسحة قد شكّلت انتهاكات جسيمة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يقوم بها النظام الذي يسير بتركيا نحو قائمة الدول المارقة عن السرب الدولي بخرقه لاتفاقيات حقوق الإنسان وبقوانين الإرهاب التي سنها إثر الانقلاب الفاشل في 2016، كما بسياسته الخارجية التي أصبحت مترابطة مع الوضع الداخلي، وكلها تدار من دفة الرئيس مطلق الصلاحيات، وفي هذا السياق، يقول سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في إحدى دراساته للوضع الذي وصلت إليه تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان “سيذكر التاريخ أردوغان بأنه الزعيم الذي أدى إلى انهيار تركيا الحديثة”، وهو ما تؤكده تقارير دولية وأممية، منها تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الذي يرصد تراجعا خطيرا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا نتيجة سياسات النظام الحاكم.
وخلال أكثر من 15 عاما، كان أردوغان صاحب الكلمة العليا في البلاد، رئيساً للوزراء ثم رئيساً، فرئيساً بصلاحيات مطلقة منذ استفتاء التعديل الدستوري في 2017. وعلى مدى هذه السنوات كانت تركيا تشهد تحولات خرجت إلى العلن بعد 2011، في علاقة بالتحولات في السياسة الخارجية لأردوغان، وقد سبقت تحولات السياسة الخارجية التغييرات في الداخل، والتي كانت نقطتها الفاصلة عملية الانقلاب الفاشل في صيف 2016، والتي شنّ على إثرها أردوغان عملية تطهير كبرى غيرت ملامح البلاد ومؤسساتها وملأت السجون بالمعارضين والصحافيين، وأطلقت يد حزب العادلة والتنمية، وتحديداً أيدي أعضائه المقربين من أردوغان وعائلته، ليمسكوا بخناق البلاد.
وتبدو النتيجة واضحة في تحول تركيا من دولة حكمها العسكر عبر سلسلة من الانقلابات إلى دولة ذات نظام شمولي بملامح ثيوقراطية، سلطت حكومتها سيفها على كل من يعارض أو يبدي قلقا من الصورة المتدهورة التي ترسمها التقارير الدولية عن تركيا، والمكانة المتدنية التي وصلت إليها نتيجة ممارسات النظام بعد أن كانت في صدارة الدول على عدة مستويات، ومرت تركيا خلال تلك الفترة بمحاولة انقلاب فاشلة في يوليو 2016، وهي عملية أعلنت على إثرها الحكومة التركية حالة الطوارئ للسيطرة على الوضع بعد أن زعمت بأنها مدبرة من قبل أتباع الداعية الإسلامي في المنفى بالولايات المتحدة فتح الله غولن.
وعقب ذلك شن نظام أردوغان حملة شرسة على وسائل الإعلام المحلية المعارضة وحتى الدولية وتم سجن عشرات الآلاف من المعارضين والعشرات من الصحافيين والموظفين حيث يُتهم هؤلاء بالتورط في عملية الانقلاب الفاشلة، بينما أثار اعتقال السلطات التركية لصحافيين أتراك وأوروبيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان من المستقلين والتابعين لمنظمات دولية الانتباه عالمياً، خصوصاً أن أغلب التهم التي تم توجيهها إليهم متعلقة بـ”الإرهاب” أو “الانقلاب” أو “الانتماء إلى حركة فتح الله غولن".
وجرت عمليات الاعتقال تحت طائلة حالة الطوارئ التي أعلن عنها إثر الانقلاب، ثم تم تعويضها بقانون مكافحة الإرهاب. وقد جاء في التقرير الأممي “لاحظ المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب أن الحكومة قد أعلنت حالة الطوارئ عقب الانقلاب الفاشل، وأعلنت عدم تقيدها بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فعليا ابتداء من تاريخ 2 أغسطس 2016، وعدم تقيدها بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان قبل ذلك التاريخ”، وأردف المقرر الخاص أن “تركيا اعتمدت سلسلة من المراسيم المتمتعة بقوة القانون مسّت بحقوق الإنسان وبالضمانات الإجرائية للأفراد والجماعات والمنظمات المشتبه في تورطهم في محاولة الانقلاب أو في حركة أتباع غولن أو في غيرهما من الأنشطة التي تُعتبر ذات صلة بالإرهاب”.
كما يعتقد المراقبون الأمميون أن “النظام سنّ 22 مرسوماً خاصاً بالطوارئ في الفترة التي فصلت بين تاريخ فرض حالة الطوارئ في 21 يوليو 2016 وبين تاريخ 22 ديسمبر 2017، على نحو تجاوز التمحيص البرلماني والتف على سبيل الطعن الداخلي لدى المحكمة الدستورية”، وقد عكست هذه المراسيم خرقاً واضحاً للضمانات الأساسية لحقوق الإنسان والتزامات تركيا بموجب القانون الدولي. وترسخ هذا الخرق بعد التعديلات الدستورية التي منحت صلاحيات أكبر للسلطة التنفيذية، حيث جاء في التقرير الأممي أن التعديل الدستوري “سمح للرئيس بتوسيع نطاق صلاحياته التنفيذية داخل الجهازين التشريعي والقضائي بمنحه سلطة سن القوانين بالالتفاف على البرلمان والسيطرة على التعيينات وإجراءات الرقابة في الجهاز القضائي”.
وأعطت التعديلات الرئيس وحده صلاحية إعلان حالة الطوارئ وإصدار مراسيم رئاسية لا تخضع للمراجعة القضائية. وبناء عليه، أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن القلق لأن تكرار إصدار قرارات تمديد حالة الطوارئ قد تكون له تبعات دائمة على النسيج المؤسسي والاقتصادي الاجتماعي في تركيا، وأشار المقرر الخاص المعني بحرية التعبير إن لمراسيم تمديد حالة الطوارئ آثاراً بعيدة المدى وإنها تمنح سلطات تقديرية واسعة لعدم التقيد بالالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان، دون توفير قنوات ملائمة للمراجعة والطعن القضائيين.
وتعيش تركيا بموجب “الاستعراض الدوري الشامل” الذي ينشر كل 5 أعوام عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193، لتدقيق ومراجعة مدى التزامها بالمعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان والتي تغطي مجموعة متنوعة من الموضوعات بما في ذلك جرائم الكراهية وحقوق الأقليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية وحريات الصحافة، وأبدى المقرر الخاص عن قلقه من القانون الجديد (رقم 6722) الذي يمنح قوات مكافحة الإرهاب الحصانة من المقاضاة على الأفعال التي تُرتكب في سياق عملياتها، لافتا إلى أن سياق هذه العمليات غير محدد.
كما أكد خبراء الأمم المتحدة على قلقهم من استخدام تهم الإرهاب بغرض استهداف الممارسة المشروعة لحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات. وقال المقرر الخاص المعني بحرية التعبير إن الحيّز المتاح للتعددية السياسية ما فتئ يضيق وأحزاب المعارضة عرضة لتوجيه اتهامات إليها ذات صلة بالإرهاب، موصياً بجعل التشريعات الوطنية المتعلقة بالتشهير ومكافحة الإرهاب تتمشى مع المعايير الدولية، وحث تركيا على استعراض قانون مكافحة الإرهاب سريعاً للتأكد من أن تدابير مكافحة الإرهاب تتوافق مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية ومراجعة قانون العقوبات الذي جرّم التشهير بالمسؤولين الحكوميين وبرئيس الدولة.
ونوهت لجنة مناهضة التعذيب عن بالغ القلق إزاء استمرار ورود تقارير كثيرة ومتّسقة عما يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون والأطباء الذين قدّموا المساعدة إلى ضحايا التعذيب من تخويف ومضايقة وعنف ضمن وضع تزيد من قتامته سيطرة الرئيس رجب طيب أردوغان والدائرة المقربة منه على اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى وسائل الإعلام، ومؤسسات الدولة التي تم طرد موظفيها وتعوضهم بموالين للنظام، ويؤكد ذلك تقرير منظمة الشفافية الدولية، الذي صدر عشية انعقاد مجلس حقوق الإنسان في جنيف. وقد صنف التقرير تركيا في المرتبة الـ91، على مؤشـر مـدركات الفسـاد للعـام 2019. وقد جاءت خلاصة تقرير منظمة الشفافية الدولية متوافقة مع تقرير مجلس حقوق الإنسان.
وأوضحت أويا أوز أرسلان، رئيسة فرع المنظمة الدولية بإسطنبول، إن “تركيا تعيش مرحلة حرجة للغاية بخصوص الفساد”، معتبرة أن ترتيب البلاد في المؤشر “هو الأسوأ على مر تاريخ تركيا، وهذا الوضع يعزز من المخاوف المتعلقة بسوء توزيع الموارد العامة للدولة، ويخلق تفاوتا اجتماعيا”، وحول أسباب هذا التراجع ذكر بيان فرع المنظمة الدولية للشفافية بإسطنبول أنها تتمثل في “جمع كل السلطات بيد واحدة بشكل يشبه الأنظمة الاستبدادية، وعدم استقلال القضاء، وانتهاك سيادة القانون، وفقد المؤسسات العامة وخاصة التنظيمية والرقابية منها لدورها الحقيقي، إلى جانب فقد البرلمان لقدرته على المساءلة والمحاسبة”.
وكشف البيان كذلك بأن “أمن العقاب وضعف قوة القضاء في مكافحة الفساد، من أسباب انخفاض تصنيف تركيا”، وهو ذات الأمر الذي يؤكده تقرير مجلس الأمن حول حقوق الإنسان لافتا إلى أن تركيا تحولت إلى دولة ذات نظام شمولي، ترسخ منذ عملية الانقلاب الفاشل في صيف 2016، وتتفق تقارير أخرى مع ما سبق، حيث صنفت لجنة حماية الصحافيين، وهي منظمة دولية مستقلة، تركيا كثاني أكثر مكان يتم فيه قمع وترهيب الصحافيين في العالم بعد الصين. وأشارت المنظمة إلى أن تركيا سجنت 48 صحافيا حتى العام 2019 فيما ينتظر العشرات من الصحافيين غير المسجونين محاكمة أولية أو استئنافا، فيما آخرون حكموا غيابيا ومهددون بالتوقيف إذا عادوا إلى بلدهم.
كما تحدث تقرير للمعهد الدولي للصحافة قبل أشهر عن انتهاكات جسيمة في أنقرة تطول حرية التعبير وحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن وراء الأرقام تكمن قصة الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية واحتجاز العشرات من الصحافيين لشهور وأحيانا لسنوات، ونوه المعهد إن عدداً قياسياً عالمياً من الصحافيين تجاوز 120 مازالوا مسجونين في تركيا، كما أن وضع الإعلام في هذا البلد لم يتحسن منذ إنهاء حالة الطوارئ العام الماضي بعد استمرارها عامين.
ونوهت رئيسة مؤسسة حقوق الإنسان في تركيا، شبنيم كورور فينكانسي، في حديثها أمام لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن انتهاكات الحقوق أصبحت شائعة في تركيا لأن “جميع الضمانات الإجرائية قد أهملت”.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
لن أترشح إلا إذا السوريين...
- December 28, 2024
لن أترشح إلا إذا السوريين طلبوا مني..
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!