الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • من وحي المحاكمة..نوران الغميان وحلم العدالة المنشود

من وحي المحاكمة..نوران الغميان وحلم العدالة المنشود
نوران الغميان


نور مارتيني


 


مع بدء محاكمة أنور رسلان، بدأ السوريون يستشرفون آفاق غدٍ أكثر عدلاً، تتمّ فيه محاسبة القائمين على آلة التعذيب والإجرام التي لا تهدأ في سوريا؛ تلك الآلة التي طحنت ومازالت تطحن السوريين، على مدى عقودٍ طويلةٍ من الزمن، دون أن تطالها يد العدالة يوماً! 


 


 


أقبية النظام التي لطالما كانت شاهداً على عذابات السوريين، هي موضوع المحاكمة التي تجري على الأراضي الألمانية، ويقودها قانونيون أجانب، ولكنّها تمنح الأمل للسوريين الذين ما زال لديهم أملاً بأن تتمّ هذه المحاكمة على أرض سوريا، بقيادةٍ طاقمٍ قضائي سوري مستقل، ينصف السوريين من قتلتهم، ويعيد للمعتقلين وذويهم، وللشهداء الذين قضوا تحت التعذيب الوحشي، حقوقهم. نوران الغميان


نوران الغميان، صبية سورية كانت شاهداً عياناً على آلة التعذيب الذي لا يرحم، وأدلت بشهادتها، عبر مقطع صوتي، أمام المحكمة الألمانية، ضدّ أنور رسلان، الذي كان يرأس قسم التحقيق في فرع الخطيب، قبل مغادرته سوريا، وطلبه اللجوء في ألمانيا.

نوران، الصبية السورية، التي ما زالت حتى اليوم تقارع الذكريات، وتحاول التملّص من ذكريات الاعتقال المضنية، تدلي بشهادتها لـ”ليفانت“، حول الاعتقال، العدالة المنشودة، ودور هذا النوع من المحاكمات في تعرية الجناة، وتحقيق العدالة الشاملة المنشودة.


تقول نوران الغميان، التي قاست الاعتقال والتعذيب، أنّه “ينبغي على كلّ واحدٍ منا -نحن السوريون- أن يعرف حقوقه أولاً كإنسان مستقل، سيما وأننا كسوريين لم نتلقّ التربية المناسبة التي تعرّفنا بهذه الحقوق، في مجتمعنا، حيث أنّ النظام وحكومته هم المتحكّمون بهذه المسألة” وتشير “الغميان” إلى آلية القمع، التي يتبناها النظام، فتتابع: “لم يكن لدينا الإحساس بالأحقّية بمعرفة حقوقنا، فضلاً عن الخوف الذي يمنعنا من رفع أصواتنا للمطالبة بها”.


 


وحول شهادتها أمام المحكمة، تقول نوران الغميان: “اليوم، بات باستطاعتي أن أطالب بحقّي، وأصرّح به، وأصبحت قادرةً على رفع صوتي بوجه من تسبّب لي بالأذى، وأحصل على حقوقي بكلّ الطرق القانونية المتاحة، وينبغي على كلّ واحدٍ منا أن يتبنى طريقة التفكير ذاتها”.


وعن خطورة التبعات النفسية لتجربة الاعتقال والتعذيب، توضح الغميان لـ “ليفانت”، أنّ “التبعات النفسية لهذه التجرببة خطيرة جداً، حيث فقد البعض عقولهم، وآخرون أصبحوا مشوّهين نفسياً نتيجة الممارسات المرعبة، التي تعرّضوا لها”، وتسرد نوران، فصولاً من تجربتها، حيث تقول: “حين عدت لمنزلي، بعد خروجي من المعتقل، كنت أنادي لشقيقتي باسم “وردة”، وهي فتاة كانت تنام إلى جانبي في الزنزانة، وكنت أصرخ طوال الليل بسبب الكوابيس التي كنت أشاهدها في نومي”.


وترى نوران الغميان، أنّ مدة التعافي من هذه التبعات تختلف بحسب مدى وحشية ظروف الاعتقال، والممارسات المرتكبة في تلك الأثناء، ومدة الاعتقال، مؤكّدة أنّ “التعافي النفسي استغرق مني وقتاً طويلاً، قرابة العامين، إلى أن تمكّنت من تجاوز الأزمة تماماً، ولكن هنالك مواقف ما زالت عالقة في ذاكرتي، ولم أستطع تجاوزها حتى الآن”.


فيما يتعلّق برؤية خبراء السلم الاهلي وفق  مفهوم جبر الضرر، وما إذا كان جبر الضرر يمكن التوصل إليه عن طريق التعوبض المالي، وإذا كان  ذلك يستقيم دون محاسبة المجرمين، ترى الغميان أن بعض الأهالي، ممن استشهد ذووهم تحت التعذيب، قد يحسّون بنوعٍ من التعويض في حال حصولهم على تعويضٍ مادي.


“أما بالنسبة لي كواحدةٍ من هؤلاء الذين تعرّضوا لتجربة الاعتقال، فلا يمكن لتعويض مادي أياً كان مقداره، أن يطفئ النار في داخلي، ولو خيّرت بين التعويض أو مشاهدة الجناة وهم يحاسبون على فعلتهم، فسأختار معاقبة مرتكبي جرائم التعذيب، فذلك كفيل بإطفاء النيران المستعرة داخلي، برؤية العدالة وهي تتحقق، وليس عن طريق المقابل المادّي على الإطلاق”.


ولدى سؤال نوران الغميان، والتي أدلت بشهادتها في قضية الضابط المنشق “أنور رسلان”، عن الشخصيات التي ينبغي البدء بمحاسبتها فيما لو كلّفت بقيادة لجنة لمحاسبة المجرمين، أجابت: “هذا السؤال فضفاض جداً، وعلى الرغم من كوني قد درست العلوم السياسية، ولكنني أعتقد أنني لا أمتلك لا الخبرة ولا التجربة الكافية كي أكون قادرة على تولّي زمام مبادرة كهذه، ولكنني كنت سأبدأ بالتواصل مع المخابرات الدولية بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص (إذا كان ذلك ممكناً) كي نتمكّن من ملاحقة كل شخص متورّط بجرائم حرب، ومعاقبته على الجرائم التي ارتكبها بشكلٍ قانوني”. موضحة أنّه “في حال تعاون المجتمع الدولي معنا نحن المتضرّرين كطرف في القضية، سيكون ذلك بمثابة خطوة أولى وأساسية”.


وتبقى محاكمة أنور رسلان بارقة أمل، لحلم يراود السوريين منذ عقود، بغدٍ يشهدون فيه القصاص من سجّانيهم، ولكن هذا لا ينفي أنّ كثيرين أبدوا خشيتهم من العدالة المنقوصة، وأن لا تطال العدالة المحرّك الأساسي لآلة الإجرام في سوريا، من منطلق أنّ العدالة المجتزأة أقسى من “اللاعدالة”، وأنّ العدالة الكاملة تعني محاسبة المجرمين المتواجدين في أعلى الهرم، وصولاً إلى القاعدة. ليفانت








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!