الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
البرلمان الأوروبي يَتغيّر فماذا نَفهم !
البرلمان الأوروبي يَتغيّر فماذا نَفهم !

البرلمان الأوروبي يَتغيّر فماذا نَفهم !

سعد الربيع - صحفي وكاتب سوري.


"لأول مرة منذ 40 عاماً، لن يكون للحزبين الكلاسيكيين، الاشتراكيين والمحافظين، الأغلبية، ومن الواضح أننا أمام لحظة تاريخية، إذ سيكون هناك توازن جديد للقوى في البرلمان الأوروبي". "غاي فيرهوفشتات"، زعيم تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا.


منذُ أيام قليلة شهدنا حدثاً فريداً من نوعه عالمياً، فمرّت من أمامنا انتخابات البرلمان الأوروبي التي بدت مربكة للكثيرين، فما الذي سيكون عليه الأمر في أوروبا في ظلّ هذه التوقعات القاتمة بصعود الأحزاب اليمينيّة و الشعبويّة، ولمن ستكون الأغلبية في البرلمان القائم على التحالفات، والذي سيُغيّر الكثير من الأمور المطروحة مسبقاً على طاولة الانتخاب، ملفات عديدة سيُعاد النظر فيها، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي بذاته.!


الكثير من الوظائف السيادية تقع على عاتق مجموعات حزبية أيديولوجية تسعى جهدها لتحقيق مكاسب حزبية عن طريق طرح قضايا شعبوية تستميل بها الناخبين. برلمان مشترك بين ثماني وعشرين دولة أوروبية، يضطلع هذا البرلمان بمَهام سياديّة في وضع تشريعات الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يُغيّر الكثير من الأمور التي نعرفها.


يعاد خلط الأوراق وفق مَسارات جديدة، للمرة الأولى في تاريخ البرلمان الأوروبي، تختل الموازين التقليدية للكتل السياسية المُؤلفة من أحزاب يمين الوسط، ويسار الوسط، وذلك لتوجّه الناخبين الأوروبيين الى دعم الليبراليين و الخضر و القوميين. رغم أن التوقعات بتشكيل الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي أغلبية برلمانية، إلا أن رحلة الكتل التقليدية بالبحث عن تحالفات تَحفَظ لها وزنها في البرلمان قد بدأت بالفعل. من فرنسا سيكون حزب الجمهوريّة الى الأمام، حزب الرئيس "ماكرون"، أول المُنضمين لتحالف داعم للاتحاد، خصوصاُ بعد أن فقد حليفهُ حزب النهضة، بعد هزيمة ألحقها به حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة "مارين لو بان".


يهدد تقدم الأحزاب القومية استقرار الاتحاد الأوروبي وقواه التقليدية. في ظل سعي "ماتيو سالفيني" زعيم حزب رابطة إيطاليا، الى تأسيس تحالف من 12 حزباً. أمّا في ألمانيا طرأ تراجع ملحوظ على حصاد حزبي الوسط، الديمقراطي المسيحي، والاتحاد الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي، بنسبة 8% تقريباً لكل منهما. بينما صعد حزب "بريكسيت" حديث النشأة، بقيادة " نايجل فرج"، على حساب حزبي المحافظين و العمال.


لم تنتظر "مارين لوبان" ما ستأتي به الأيام القادمة، فسارعت الى المطالبة بإجراء انتخابات فرنسية مُبكرة، موجهة ضربة سياسية واعلامية لرئيس الجمهورية "ماكرون"، مُعلنة بذلك انتصارها على حركة الجمهوريّة إلى الأمام، التي لم ينخفض عدد الأصوات التي حصلت عليها كما ظنّ الكثيرون، بل على العكس زادت نسبتها المئويّة، وإنما ظلّت أقل مما حصل عليه اليمين المتطرف.

لاحظنا تسجيل أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات هذا العام، إلا أن النتائج كانت لصالح أحزاب اليمين والخضر والقوميين، وربّما كان ذلك ناقوس خطر كما يعتقد الكثيرون، بزيادة عدد الأوربيون المؤمنين بأجندات الأحزاب اليمينيّة المتوجه عموماً الى العودة للانغلاق على الذات المحلية والأوروبية بل وحتى المسيحيّة. في المجر تقدم "فيكتور أوربان"، المعادي للهجرة، وكذلك في اليونان واسبانيا وعدة دول أوروبية أخرى، الأحزاب ذات الأجندات المتطرّفة، كما يسمونها، هي من تطفو على السطح. بينما يَعزي بعضُ المحللين زيادة اقبال الناخبين الى زيادة الوعي بالتغيّر المناخي والسياسي، والبعض الآخر فسّر الاقبال على المشاركة لمواجهة مشاكل الهجرة واللجوء التي تزايدت نسبياً في السنين الخمس الأخيرة، فإمّا هي بروباغاندا لتوجيه أنظار البرلمان القادم الى هذه القضايا، أو إنها الحقيقة !


يقوم البرلمان الأوروبي بصياغة القوانين في الاتحاد الأوروبي، فهو السلطة التشريعيّة الى جانب المفوضيّة الأوروبيّة. كما يُقر البرلمان الميزانية وينتخب رئيس المفوضيّة. فصعود أي تحالف حزبي جديد في البرلمان قد يُحدث هزّة في القيم الأوروبية وربّما يصل حتى المُطالبة بإعادة النظر ببعض المعاهدات أو الاتفاقيات الدوليّة، أو فَرض مُعاهدات جديدة من شأنها أن تَحد من حريّة الحركة داخل دول الشنغن وتزيد الرقابة على الحدود و المنتجات والأفراد، ومن المؤكّد أن سطوع نجم تحالف بعينه أوروبياً، سيزيد من حظوظ حزب ما داخلياً فتتغير ملامح بعض أكبر القوى التي لازالت تحافظ على شكل أوروبا التي نعرفها، كفرنسا وألمانيا.

بينما كان الليبراليون والخضر و القوميون يحتفلون طيلة تلك الليلة، كانت أحزاب أخرى تعد العُدّة وتجري الاتصالات لصنع تحالفات جديدة، وكان الآلاف من المُهاجرين أو العالقين على طريق الهجرة، يُعدّون الساعات مراقبين انتخابات لم يكونوا يَظنون يوماُ أنها ستشغلهم من بعيد ولا قريب، وفي نفس الأثناء كان "أوربان" زعيم حزب الفيدس المجري يقول: " نحن حزب صغير لكننا نريد تغيير أوروبا، وهذه الانتخابات بداية حقبة جديدة ضد الهجرة"..!


البرلمان الأوروبي يَتغيّر فماذا نَفهم !

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!