-
القضية السورية حائمة بين موسكو والرياض
الخبر يقول: "إنَّ ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» استقبل المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، وحضر اللقاء وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني الدكتور مساعد بن محمد العيبان، ورئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان".
كما حضره من الجانب الروسي مبعوث وزير الخارجية مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السفير ألكسندر كينشاك.
ما يمكن تفسيره من الزيارة، أنّ ثمة دلالات أبعادها إقليمية تتعلق بالمحاور التي عرضها الرسول الروسي إلى الرياض، ولا يقتصر الأمر على الشأن السوري فقط، إذ إن التوقيت له معانٍ كثيرة، سيما وأن الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" يزور موسكو، ويلتقي فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتتزامن أيضاً مع المناورات العسكرية الروسية – الصينية– الإيرانية في المحيط الهادئ.
ويفيد بيان المكتب الصحفي للأسطول الروسي، أنَّ "مجموعة من سفن أسطول المحيط الهادئ الروسي تتألف من طراد "فارياغ" الصاروخي وسفينة "أدميرال تريبوتس" الكبيرة المضادة للغواصات وناقلة "بوريس بوتوما" البحرية الكبيرة تقف حالياً في ميناء جابهار بجمهورية إيران الإسلامية".
فهل جاء لافرنتييف برسالة طمأنة للمملكة السعودية أم أنّه بالفعل يحمل مبادرة تخفف من حدّة الرياض تجاه النظام السوري، وتبدد هواجسها إزاء الملف النووي الإيراني، خاصة أنّه كان برفقته السفير "كينشاك"، الخبير بشؤون المنطقة، وهو ممن يخطون سياسات بلاده فيها؟
وما لا ينبغي إغفاله، هو تواجد وفد من نظام الأسد بموسكو في ذات الأثناء، وبجعبتهم لائحة مطالب تتعلق بتلبية الاحتياجات من القمح والنفط في المناطق الواقعة تحت سيطرته، بعد استهداف المقاتلات الإسرائيلية للواردات الإيرانية القادمة إلى الموانئ السورية.
ويُعبر غض الطرّف الروسي عن قصف الطيران الإسرائيلي (IAF) للميلشيات الإيرانية وحزب الله في العمق السوري، عن رضاها الذي غالباً ما تسكت عنه، وكذلك الأمر بالنسبة لقرصنة ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وأذرعه، للسفن الخليجية والإسرائيلية، فلم تعارضه موسكو أو تنددّ به قط، فالأمر بنهاية المطاف يصب في مصالحها الاقتصادية؛ فإنَّ الصادرات النفطية السعودية إلى الغرب تُضعف سلاح الطاقة الذي تبتزّ فيه روسيا الاتحاد الأوروبي. حيث تشير الإحصائيات، أنَّه عبر التاريخ تستورد دول أوروبا البالغ عددها 28 قبل انسحاب بريطانيا، نحو 40 بالمئة من الغاز الروسي، و36 بالمئة من النفط الخام، أي ما يمكن قوله، إنَّ نصف الدخل الروسي من المشتقات النفطية عائداته باليورو.
ويعتبر السوق الأوروبية، الأكثر استهلاكاً لمشتقات الطاقة، ولا سيما النظيفة (الغاز)، ما يؤدي بدول الشرق الأوسط النفطية، الخليج العربي وإيران، للتسابق وملء الفراغ، الذي تتسبب به السياسات الروسية في كثير من الأحيان باستخدامها الغاز كسلاح تلوح به متى شاءت.
الموقف السعودي حيال الأوضاع في سوريا، عبرّ عنه مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة السفير "عبد الله المُعَلِّمِي" منتصف الشهر الماضي، بقوله "يجب إعطاء الأولوية لإعادة إعمار النفوس والقلوب التي في الصدور"، وأضاف: "لا تصدقوهم إنَّ قالوا إنَّهم يحاربون الإرهاب في المنطقة، وهم أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب، عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله زعيم الإرهاب في المنطقة وغيره من التنظيمات الإرهابية القادمة من الشرق"، في إشارة واضحة للدور الإيراني.
إزاء ارتسام التجاذب بين طهران والرياض، وخصوصاً في اليمن، أحد المسارح البارزة لإثبات التفوق العسكري بين الطرفين، وضجيج الإعلام السوري المعارض الذي يؤكد مشاركة النظام في المعارك الأخيرة إلى جانب جماعة الحوثيين، وتسليمها لسفارة الجمهورية اليمنية في دمشق، فإنه يصعُب على القيادة السعودية التخلّي أو تلييّن موقفها في الفترة الممتدة حتى إيجاد حل لمعضلة الحوثيين وحزب الله اللبناني المدعومين من إيران.
بالتالي، ستنعكس هذه الأجواء على الصفيح الساخن للشرق الأوسط، لاسيما بعد تطاول حلفاء النظام السوري "جماعة أنصار الله" الحوثيين على العاصمة الإمارتية أبو ظبي، والتي تزامنت مع زيارة المتحدث باسمهم، محمد عبد السلام، إلى طهران، ولقائه برئيس وأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيرانيين.
زيارة لافرنتييف تظهر أنَّ بوتين واثق من خياراته وقدراته على التواصل مع الجميع، وبأن يكون صديقاً لكل المتخاصمين في الإقليم، من إيران إلى السعودية ومصر وإسرائيل وتركيا.
عملياً في الشرق الأوسط، لن تكون دروب روسيا معبدة كما يظن قادتها، فالمشكلات هناك فاقت انفراد الروس بالحلول، خاصة بعد قتلهم لمئات الآلاف من السوريين، ومشاركتهم مع النظام والإيرانيين في تهجير نصف الشعب السوري من بيوتهم ومدنهم.
وعلينا ألا نُغفل أن القيادة الروسية مهتمة بما يسمى بـ"مؤتمر الدوحة" الذي سيعقد في الشهر المقبل بمشاركة مراكز بحثية وشخصيات معارضة سورية، بغاية مراجعة المعارضة لمسيرتها خلال السنوات الماضية، وما يمكن تحقيقه في القادمات في ظلّ تراجع الاهتمام الدولي بالقضية السورية، وفشل اللجنة الدستورية بالخروج بمنتج جديد، يكون بادئ ذي بدء في العملية السياسية وفق القرار الدولي 2254، ومرجعيته جنيف.
وأخيراً.. من باب أولى أن تبني موسكو موقفها من لقاء المعارضة السورية في الدوحة، انطلاقاً من فهم أوسع للموقف السعودي، ولأن الرياض أضحت عاصمة القرار العربي وليس السعودي فحسب.
ليفانت -
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!