-
المستتركون السوريون.. متخلوّن عن الوطنية ومنحلون ببوتقة التتريك
مع قيام الدولة التركية في عشرينات القرن الماضي، ووصول أتاتورك لحكم جمعية الاتحاد والترقي، تم منع استخدام اللغات غير التركية في الإعلام والتدريس كما فرض على جميع سكان تركيا تبني أسماء تركية وحولت أسماء الكثير من المدن إلى أسماء تركية، كما منعت المطبوعات والأنشطة الثقافية بغير اللغة التركية، وأبطلت الكتابة بالأحرف العربية، في إطار محاولات إذابة شعوب المنطقة في البوتقة التركية، وتدمير ثقافتهم أو نسبها للأتراك، وهي سياسات ليست مستغربة من الدول المحتلة.
اقرأ أيضاً: إيران وأكذوبة الحوار مع السعودية.. تكتيك لقبول النووي ومصالحة العرب
لكن وخلال السنوات الأخيرة وخاصة في سوريا، ظهرت فئات متنفعة من الوجود التركي في شمال البلاد، وعملت في سبيل ذلك، على فتح الطرق أمام الجيش التركي لاحتلال المناطق السورية الواحدة تلوى الثانية، من جرابلس وصولاً إلى عفرين، بجانب الانتشار في إدلب، والمناطق الممتدة ما بين رأس العين وتل أبيض، مستسهلة التخلي عن الوطنية السورية، عبر رفع الأعلام التركية، واستخدام اللغة التركية، والعملة التركية، ومنع تداول العملة السورية، واستهداف مكونات عرقية سورية لصالح الأجندات التركية.
تمييز في المساعدة
عملت تركيا بالتوازي على تعميم وجودها في شمال سوريا، وجعله أمراً واقعاً، مستخدمةً القوة الناعمة، كالدين والإعلام والمساعدات، لكن ولأن مساعدة السوريين المزعومة لم تكن إلا وسيلة تبررها الغاية التركية في ضم أراضي سورية، كان لا بد أن تظهر الحقيقة للعلن عندما تأمن تركيا بقاءها، وتمكّن وجودها في المناطق التي تحتلها شمال سوريا، وحول ذلك، ذكر ستيب نيوز السوري المعارض، في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي، بأنّ المنظمات الإغاثية والإنسانية وعلى رأسها منظمتي “كير” و “آفاد” ذهبت إلى تركيز دعمها بجميع أشكاله على القرى التركمانية بشكلٍ كبير، وسط تجاهلٍ كامل للمخيمات في الشمال السوري، والتي يعيش قاطنوها أوضاعاً متردية.
اقرأ أيضاً: الدوحة وتعويم طالبان.. التجربة الملهمة لتنظيمات الإسلام السياسي
ونوه الموقع حينها، إلى أنّ دعم المنظمات العاملة في الشمال السوري توجه صوب القرى التركمانية التي لا تحتاج لأي دعم، بالنظر إلى الإمكانيات الاقتصادية التي يتمتع بها أهاليها، والذين يتوزعون بين مزارعين وتجار، بجانب استحواذ غالبيتهم على الجنسية التركية، ولفت إلى أنّ الدعم المقدم من قبل تلك المنظمات وصل إلى دعم مشاريع زراعية، عبر توزيع البذار وحرث الأراضي وتركيب شبكات مياه وري، بجانب المساهمة في تحصيل ثمار الزيتون وغيرها، وتقديم الرعاية الطبية بالثروة الحيوانية وتوزيع الأعلاف، بجانب تركيب شبكات طاقة كهربائية من ألواح طاقة وبطاريات وغطاسات مياه، عدا عن توزيع السلال الإغاثية والقسائم المالية وحتى تعبيد الطرقات.
الأفضلية للأتراك على الأرض السورية
وإن كان المنطق يفرض أن يتمتع أي إنسان بحقوق كاملة على أرضه، وبحقوق أقل أو محكومة بقوانين محلية على أي أرض أخرى لا تمت له بصلة، سوى العمل أو اللجوء، فإن الحال معكوسة مع السوريين، الذين لا يجري اضطهادهم فقط على الأرض التركية، ومحاسبتهم على أي ردأت فعل مضادة للعنصرية التي يعاملون بها من قبل شريحة ليست بقليلة من الأتراك، كان مثالها الأبرز أخيراً قضية فيديوهات الموز، بل يتجاوز الأمر أن يضهدهم الأتراك حتى داخل الأرض السورية، التي يبدو أن الأتراك باتوا يعتقدون بأنها جزء من أراضيهم.
ولعل المثال الأبرز على ذلك، عندما أقدمت إدارة مشفى مارع، بداية أغسطس الماضي، ممثلة برئيسُ الأطباءِ التركيّ في المشفى Erol Tekçe وإدارة المشفى على فصلٍ تعسفيّ مفاجئٍ للدكتور السوريّ عثمان حجاوي الأخصائيّ في أمراض القلب من عمله بالمشفى، ومنعه من مزاولة العملِ الطبيّ في كل ما تسمى “المناطق المحررة”، سواءً التركيّة أو المدعومة من قبل المنظماتِ الإنسانيّة، وذلك على خلفية انحياز حجاويّ إلى جانب طبيبِ الأسنان رافي العلوان الذي تعرضَ للإهانةِ من قِبل الممرضِ التركيّ “علي رضا”، العامل بالمشفى، إذ تقدم بشكوى نظاميّة بحضور أطباء ضد الممرض علي، الذي سبق أن أهانَ كاملَ كادرِ المشفى الطبيّ.
اقرأ أيضاً: من الهرموش إلى شمعة.. الغرابة وإشارات التعجب رفيقةً لألغاز أبطالها “السوريون”
وقد قال حجاوي في تصريحٍ لإذاعة “أورينت” بتاريخ الثامن والعشرين من أغسطس الماضي: "الأمر؛ هو شيء مبدئيّ، يخص الكرامة وليس من ناحية المال أو شيء ثاني، وبصراحة لا أستطيع أن أرجع إلى المشفى، لأن القوى العسكريّة الموجودة تابعة للتركي، ونحن مجرد ضيوف على الأرض السورية، بصراحة أنا كشخص اعتبر نفسي ضيف، ولا يوجد قانون هنا، واعتبر نفسي بمرتبة العبد بالنسبة لهم، وممكن لمستخدم تركيّ أو ممرض أن يفصل طبيباً بدون أي سبب، ويقول له اخرج من المشفى ويستغني عن خدماته"، مضيفاً: “هذه الكلمات ليست قاسية بل حقيقة الكل يعرفها وأتحدى كل من المحرر أن يستطيعوا أن يوظفوا مستخدماً بدون أمر التركيّ”.
الاضطهاد داخل تركيا
ولا يقتصر الأمر على شهادة الدكتور حجاوي من المناطق التي تحتلها تركيا شمال سوريا، عبر مليشيات ما تسمى "الجيش الوطني السوري"، ففي تركيا المأساة أكبر، ومنها شهادة أوردتها صحيفة ليفانت نيوز في السادس من سبتمبر الماضي، عندما قدّم محمد، (وهو اسم مستعار لشاب سوري يقيم في أنقرة، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية تتعلق بسلامته في تركيا)، شهادته عن وضع السوريين في تركيا.
اقرأ أيضاً: الناتو والتصدّع.. تآكل من الداخل وصفعات من الخارج
حيث قال: "اليوم حينما نمشي بالشارع أنا وأصدقائي، نتجنب التحدث بالعربية مطلقاً لكيلا نلفت الانتباه لنا، وحينما يرن هاتفنا ويكون المتصل شخص عربي، نتجنب الرد في الأماكن العامة، وفي حال سمعك أحدهم تتكلم بالعربية، من الطبيعي أن يعترضك ويقطع حديثك ويأمرك بالتكلم باللغة التركية، قائلاً هنا تركيا والحديث باللغة التركية فقط".
مردفاً: "وحينما نكون في موقف مطالبين فيه بالكشف عن هويتنا، وأقصد الأماكن العامة، نتجنب أن نقول إننا سوريون لأنه وببساطة سنتعرض إما للضرب أو الإهانة والشتيمة، وأقله التنمر، ومؤخراً وبعد تزايد الحوادث العنصرية هنا في تركيا، أصبحنا، نحن السوريين، نتجنب التجمع في الحدائق ونتجنب زيارة المقاهي والجلوس فيها أو في أماكن الترفيه المختلفة".
الانحلال الكامل في البوتقة التركية
وإن كان هناك سوريون كالدكتور عثمان حجاوي وغيرهم ممن يشعرون بالامتعاض من المعاملة التركية المتعالية معهم، حتى باتوا يشعرون بالغربة على الأرض التي ينتمون إليها، فإن آخرين قرروا الانحلال التام في البوتقة التركية، ومنهم مسلحو مليشيات "الجيش الوطني السوري"، إذ مرت خلال السنوات الماضية، العديد من التصاريح والإعلانات التي كشف فيها متزعمو تلك المليشيات عن افتخارهم بخدمة العثمانية الجديدة، ولعل الموقف الأبرز أخيراً، والذي صدر في هذا السياق، ما ذهب إليه بداية أكتوبر الماضي، متزعم في مليشيا “لواء السلطان مراد”، بالدعوة إلى جعل سوريا المستقبلية دولة تتحدث اللغة التركية.
اقرأ أيضاً: باكستان وطالبان.. مُساندة عسكرية قبل سقوط كابول وسياسية بعده
إذ نشر المدعو "فهيم عيسى” تغريدة، بمناسبة يوم تعاون الدول الناطقة باللغة التركية، تأمل فيها أن تكون سوريا في المستقبل عقب "تحريرها من نظام الأسد والتنظيمات الإرهابية، دولة تتحدث اللغة التركية"، بجانب حديثه عن ضم سوريا إلى مجلس الدول الناطقة بالتركية، بالقول: “سنكون في المجلس التركي”، الذي كان قد تأسس في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2009، وضم كل من (تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان)، متخذاً إسطنبول مقراً، بغية تطوير التعاون بين الدول الناطقة بالتركية.
ومع تضارب المواقف بين "غالبية مدنية" رافضة للأمر الواقع، و"غالبية مليشياوية" ساعية لضم الأراضي السورية لتركيا، بحجة منع استيلاء النظام السوري عليها، يبدو أن السوريين باتوا أمام خيارات صعبة، أحلاها مرّ، مع استغلال القوى الإقليمية مأساتهم وأحلامهم، لتحقيق مصالحها التوسعية في الأرض السورية، ما يحتم على السوريين البحث عن خيارات ربما لم يطرحوها سابقاً، قد تقلب الطاولة على أنقرة وميلشياتها من جهة، والنظام من جهة ثانية.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!