-
النفاق الدولي وضياع العراق
ليس هناك من ذي بصيرة وخلق من سياسيي العالم ذوي العلاقة بالعراق من لا يدري ما الذي حصل ويحصل في عراق وادي الرافدين، أرض السواد، مخترع الكتابة وواضع الشرائع والقوانين وباني الجنائن المعلقة ومؤسس دار الحكمة وغيرها الكثير من الإنجازات البشرية الحضارية.
إن الأمريكان يدركون قبل غيرهم من إنجليز وفرنسيين وروس وطليان وإسبان ما الذي سببه احتلال العراق وإسقاط صدام ونظامه لشعب العراق بعد حصار جائر دام لما يزيد عن عشر سنوات. تهدمت البنى التحتية للتعليم والصحة والنقل والري، وقبل هذا وذاك وأقساها، ما حل بمنظومات القيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع العراقي فبات غريباً عن عصره.
لم يكن الأمريكان على درجة من الغباء بحيث "يخطئون" في تسليم أمر العراق لسادة إيران وأذرعها في المنطقة. لقد كانوا قد قصدوها في إطار استراتيجية الفوضى الخلاقة التي يشكل العراق إحدى حلقاتها في المنطقة.
لقد أرادوها حروباً وتناحرات داخلية وإقليمية تستنزف طاقات وزمن دول المنطقة الغنية بثرواتها والضاربة بتاريخها في أعماق الزمن بكل ما تحمله من متناقضات وثارات، سهلتها عليهم غفلتنا وعنترياتنا الفارغة وعصبياتنا وأنانياتنا واستهانتها بكرامة ومستقبل أجيال شعوبنا التي عشعشت تخلفاً وجهلاً في رؤوسنا وقلوبنا ونفوسنا.
نعم، لم يكونوا لينالوا منا، ولم يكن لنفاقهم من سبيل علينا لولا ما أشرنا له من أسباب تردي أوضاعنا. لكن ذلك كله لا يشرعن ولا يعطي الحق للدول أن تستغل أحوالنا في تعميق خنادق التناحر بيننا والتخلف وتجذير العمالة وحتى الخيانة بين صفوف بعضنا.
إن الناظر اليوم إلى خرائط القوى والتحالفات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية يلفه العجب من كون غالبيتها تخصّ قوى غير ضعيفة في اقتصادياتها أو عساكرها، وربما كان لتلك التحالفات أثرها الارتدادي على تلك القوة. في حين ترى الدول والشعوب الضعيفة في تمزق وتناحر وتغالب بين بعضها البعض في عمالتها للقوى والتحالفات الكبرى.
إن عراق اليوم هو مثال على ما يرعاه النفاق الدولي من أمر تدمير العراق وتمزيق شعبه وهدر ثرواته وانهيار منظومات قيمه وضياع مستقبله وطمس ماضيه، فلا زراعة ولا صناعة ولا ماء ولا كهرباء.
ملايين القتلى والمعوقين والعاطلين عن العمل والأرامل واليتامى والمطلقات. يصعب اليوم أن تجد من ساسة وبرلماني العراق من لا يسرق ولا ينهب، كما يصعب أن تتلمس طريقاً للخلاص، وهو الأمر الأكثر مرارة.
ليفانت - نزار محمود ليفانت
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!