-
تصاعد العنصريه التركية تجاه العرب
خالد الزعتر - كاتب ومحلل سياسي سعودي
في ظل ما يتعرض له السياح العرب في تركيا من حالات اعتداء بالضرب والتلفظ وعمليات نصب واحتيال، وربما تصل في بعض الأحيان إلى القتل، نجد أن هذه الأمور التي تتصاعد بوتيرة متسارعة في الأونة الأخيرة والتي ساهمت في أن ترفع من مستوى التخوف من السياحة والاستثمار، وجعل من تركيا بالنسبة للعرب تصبح واحدة من الدول التي تم تصنيفها بالدولة (غير الأمنة سواء للسياحة والاستثمار)، وبالتالي من الأهمية البحث عن الأسباب التي أدت لتصاعد هذه الحالة العدوانية التركية تجاه السياح والمستثمرين العرب.
بلا شك هناك أسباب عديدة منها ما يتعلق بالشأن الأمني في تركيا والتي تشهد حالة من تصاعد الانفلات الأمني وأيضاً تفشي ظاهرة التسلح الفردي بدعم من الحكومة التركية، حيث تقول رئيسة مكتب حقوق الإنسان في إسطنبول (أنه بينما العالم بأسره يسعى لمكافحة التسلح الفردي تسير تركيا عكس ذلك وتشجع عليه)، وأيضا منها الشأن الاقتصادي والذي تعيش تركيا منذ التدهور الحاصل في الليرة التركية أزمة اقتصادية متصاعدة ساهم في تصاعدها العامل السياسي والأزمة السياسية التركية مع الدول الغربية على خلفية منظومة S400 الروسية، بحيث يعد التدهور الاقتصادي عامل رئيسي في التدهور الأمني، بخاصة وأن تحقيق الاستقرار الأمني يتطلب تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
لكن هناك عامل أخر وهو في تقديري العامل الأهم (وأيضا العامل الرئيسي خلف تصاعد هذه الحالة العدوانية التركية تجاه السياح والمستثمرين العرب، وهي تصاعد ظاهرة العنصرية التركية اتجاه العرب)، وهو أمر مرتبط بالمشروع التركي الذي يتبناه أردوغان وهي " العثمانية الجديدة " وبالتالي هذا المشروع المبني على محاولة استجلاب العامل التاريخي أو النظر للمنطقة الشرق الأوسط من المنظور التاريخي، وهو ما نراه في السياسة الخارجية التركية التي تحاول النظر لهذه المنطقة "الشرق الأوسط"، والقارة الأفريقية، وأهميتها من خلال العامل التاريخي، حيث لا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حديثه عن أهمية هذه المناطق والتلميح إلى أهميتها التاريخية والنظر لهذه الأماكن عبر استحضار العقلية التاريخية، وهو ما نراه في تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحصول على جزيرة سواكن السودانية، حيث صرّح أردوغان قائلاً : "طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين، لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم، في إشارة واضحة لأطماعه العثمانية فيها، وتحظى جزيرة سواكن بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية، إذ كانت مركزاً لبحريتها في البحر الأحمر، وضمّ ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 – 1885، ومن بين المشروعات التركية في جزيرة سواكن هو تنفيذ وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، مشروعاً لترميم الآثار العثمانية، ما يعكس النظرة التركية للقارة الأفريقية والشرق الأوسط من منطلقات تاريخية .
وبالتالي المشروع التركي في عهد أردوغان أو ما يسمى "العثمانية الجديدة" وبالتالي الانفتاح التركي على منطقة الشرق الأوسط ومحاولة إبراز الدور التركي الإقليمي، وبخاصة في مرحلة الربيع العربي، ومساعي أردوغان للاستثمار لمرحلة الربيع العربي كان الهدف الرئيسي هو استغلال صعود الإخوان للسلطة والذين يتشاركون مع تركيا فيما يخص "موضوع الخلافة" نجد أن كل ذلك قائم بشكل رئيسي على أهمية المنطقة من منطلقات تاريخية وبالتالي تنظر تركيا لهذه المنطقة بالقفز على الحدود السياسية والجغرافية، وأن تركيا الحالية هي كما قال أردوغان "إمتداداً للدولة العثمانية"، وبالتالي ترى تركيا أنها وريث الدولة العثمانية، وتسعى لمحاولة إعادة ما تنظر له العقلية التركية "بأنه حق" وبالتالي ما تقوم به من دعم للإرهاب والفوضى في سوريا وليبيا ومحاولة تمكين الإخوان في مصر والتي فشلت في ذلك وهو ما يفسره غضب تركيا تجاه ثورة الـ30 من يونيو .
ومن هنا فإن المشروع التركي "العثمانية الجديدة" أحدث حالة من الاهتزاز في الداخل التركي الذي كان الوضع التركي يبحث عن "الهوية الأوروبية" وأن تركيا دولة أوروبية، إلى عكف البوصلة نحو منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي ما أحدث أزمة في الداخل التركي هي "أزمة الهوية" ويمكن القول أن الأزمة الرئيسية التي تعيشها تركيا هي "أزمة هوية" بالنسبة للهوية الجغرافية، تركيا الحائرة ما بين الهوية الغربية الإنضمام للعضوية الأوروبية، وما بين الهوية الشرقية الانفتاح على منطقة الشرق الأوسط التي برزت مابعد وصول حزب العدالة والتنمية وحديثه عن الروابط والعوامل التي تجمعها بهذه المنطقة، كان لها تأثير كما ذكرنا سابقاً على المزاج الشعبي وبالتالي حدث في الداخل التركي انقسام في الهوية ولم تعد نسبة من الشعب التركي ترى أنها جزء من أوروبا بل جزء من منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي نجد أن "المشروع العثماني" لم يعد مشروعاً سياسياً بل أصبح هناك من يحاول أن ينظر لها بأنها "هوية" تركيا الجديدة.
بلا شك أنه عندما تصبح "العثمانية الجديدة" هي مشروع تركيا، وينظر لها البعض بأنها هوية تركيا الجديدة، فإن ذلك بلا شك سيكون له تأثير على المزاج الشعبي التركي، وهو بالتالي ما يسعى إلى إيقاظ العقليات التاريخية العثمانية تجاه العرب، القائمة على العنصرية تجاه كل ماهو عربي، وهو ما سعت الدولة العثمانية أو إن صح التعبير "دولة الاحتلال" إلى ترجمة هذا الأمر كواقع على الأرض، فالدولة العثمانية التي تسمي نفسها زوراً "بالخلافة" كانت قائمة على تهميش العرب وتمييز الأتراك، حيث عاش العرب تحت حكم الدولة العثمانية الفقر والجهل والتخلف والظلم والاستعباد، واستنزاف الثروات العربية، وبالتالي فإن علاقة الدولة العثمانية بالشعوب العربية كانت علاقة قائمة على الظلم والاستعباد، وعلى الاستعلاء التركي على العربي، ففي العقلية التركية ينظرون للعربي تابع لهم.
وبالتالي تبني أردوغان "للمشروع العثماني" القائم على دعم وصناعة الإرهاب والفوضى في محاولة لتوظيف ذلك لإيجاد موطئ قدم للأطماع الاحتلالية التركية في البلاد العربية، كما هو الواقع في سوريا التي سعت أنقره للمتاجرة بالقضية السورية وسكب الزيت على نار الأزمة، حتى تسنى لها ترسيخ احتلالها في شمال سوريا وما تقوم به من محاولات "التتريك" في الشمال السوري تكشف بوضوح عن أهداف "العثمانية الجديدة" سعت للإنعكاس على طريقة التعامل التركي تجاه العرب، وهو ما تمخض عن ذلك من تصاعد العنصرية التركية تجاه العرب السياح والمستثمرين واللاجئين السوريين، من محاولات سرقة، وقتل، ونصب واحتيال، وتكسير لمحلات اللاجئين السوريين، ما يواجهه السائح العربي في تركيا من "ممارسات عدوانية" و"نصب واحتيال واعتداء" لايمكن النظر لها بأنها مجرد عمليات فردية نتيجة أزمات أمنية أو اقتصادية فقط، بل إستحضار تركي للتاريخ القائم على العنصرية وتهميش العرب والنظرة الإستعلائية التركية تجاه الشعوب العربية .
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!