الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • رحلة الفن صقلها في إيطاليا و عرقها بسجن صيدنايا واستقرت بالرقة

  • حسن مصطفى: رحلة الفن صقلها في إيطاليا و عرقها بسجن صيدنايا
رحلة الفن صقلها في إيطاليا و عرقها بسجن صيدنايا واستقرت بالرقة
حسن مصطفى

أتطلع لميلاد أول حزب رسمي يعنى بالبيئة وقد كتبت المبادئ والأفكار والمحاور وقدمته بشكل رسمي بإنتظار الموافقة من قبل الجهات المعنية لأباشر حلمي الذي مر عليه ثلاثة عقود من الزمن.


في أحد أقدم أحياء مدينة الرقة "حي الحسون" الملاصق للجامع الحميدي ومتحف الرقة، يقطن الفنان حسن مصطفى، وكانت الزيارة بتوقيت يعشقه كل فنان ملهم "العصر القريب من الغروب"، منزله المتواضع الذي للوهلة الأولى وكأنك في إحدى البيوت الإيطالية والتصميم والترتيب الشخصي لاثاث ومحتويات المنزل، تحدثنا كثيراً عن الفن والسياسة والألم والأمل والعمل.


يقول مصطفى :من رحم المعاناة دوماً يولد فجر عظيم، فأناملي صقلتها على جدران الزنزانة الحمراء في سجن صيدنايا والسحر الذي ترجم الهوى والجوى هو ظلام الأقبية وصرير حديد العنبر رقم 10، لكنها كانت المدرسة الفنية التي طورت هوايتي بالرسم.

في خمسينيات القرن الماضي ولد حسن مصطفى في مدينة الرقة من أصول كردية چركسية وجدة أرمنية في منطقة الدرعية الشعبية غربي مركز المدينة.وبزغ فنه وبراعته في الرسم التشكيلي والتصوير الزيتي منذ نعومة أظفاره في المرحلة الإبتدائية، وشارك بأول معرض للهواة عام 1966 بتشجيع من عائلته التي عرفت بالثقافة والأدب والعلم.

 

يتحدث "حسن مصطفى" كان البذرة الأولى للرسم عندما رسمت صديقي في المدرسة الإبتدائية بالرقة مما أثار إعجاب معلم الصف الذي بدوره رشحني لمعارض الرسم للهواة بما تسمى أسابيع الصحة المدرسية وحصلت على المركز الأول.
ويتابع، شهدت مرحلة الستينيات ظهور حركات وأنشطة فنية وحزبية وكان للأحزاب السياسية والحركات الثقافية في تلك الحقبة مكاتب إعداد ثقافية وإعلامية وكنت مهتما في الحراك الخاص بالقضية الفلسطينية وكان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" مقر في مدينة الرقة وكنت من الناشطين في ذلك المقر أنا وصديقي "فرحان الحمادة" وكنا نوزع المنشورات والمقالات السياسية الورقية والملصقات الجدارية.


بحسب عدة مراجع ومؤرخين من الرقة فقد كانت حقبة الستينيات والسبعينيات بالرقة قد شهدت نشوء ظواهر ثقافية وأدبية ومدارس فلسفية في الفن والأدب والسياسة من كافة التيارات "الشيوعية والناصرية "بالإضافة لمقاهي ومنتديات أدبية وحزبية منها "مقهى البرازيل" الإشهر في ذلك الوقت ومقهى المدينة.


خلال تلك الفترة يضيف "مصطفى" حصلت على شهادة الثانوية العامة الفرع العلمي وسجلت في قسم العلوم الإقتصادية التي كانت تجمع بين السياسة والإقتصاد، وهو أمر كنت مشغوفاً بقراءته خاصة في الأدبيات والكتب الفكرية الفلسفية التي قسمت فئات المجتمع وفق النمط الحياتي" رأسمالية، برولتاريا، برجوازية، إمبريالية" لكن ولتعاسة الحظ تم تغيير منهج الجامعة واصبحت كلية التجارة والإقتصاد، وهو مادفعني على إثرها و تركت الجامعة،عاصمة الفن والفلسفية التشكيلية "إيطاليا".


آثرت على نفسي متابعة تنمية موهبتي بالرسم وترك الدراسة ولكن وبدعم وتشجيع من أخي الأكبر الذي أصر على إستكمال تحصيل جامعي، قام بإقناعي بالعدول عن قراري ورتب لي متابعة دراستي في إيطاليا، وكانت إيطاليا قبلة للرسامين المحترفين والساسة من كل الأعراق والشعوب حيث الحرية الفكرية والفنية، وخضت تجارب عدة وإطلعت على علوم الفن والرسم الهندسي وفلسفة اللوحات، لكن وبعد عامين في إيطاليا ونتيجة الظروف المعيشية والكلفة الباهظة لدراستي في إيطاليا، عدت إلى سوريا، وأتممت الدراسة في كلية الحقوق في جامعة حلب.


الفن أولاً ثم دراسة الحقوق: 

يتابع "مصطفى" رغم تحصيلي العلمي ومهنتي كمحامي لم أترك الرسم ولا السياسة، فالمتلازمة الذهنية في فكري يرتبط الفن بالسياسة ويمتزجان بشكل وثيق سيما في حقبة الثماتينات والتسعينات وكانت لوحاتي تجسد الألم والحب والحرب، وعملت بمجال الكتابة الصحفية لأحد الأحزاب والتيارات الفكرية من خلال زاوية خاصة أجسد من خلالها أطروحات ورؤى المفكرين السوريين والكتاب.ومن خلال تجربتي في إيطاليا إستطعت تطوير ذاتي والرسم بطريقة الحرق على الخشب وأقمت ثلاثة معارض في الرقة.


لبرهة من الصمت يومئ "مصطفى" ويتابع : بالعام 1992 طرق باب منزلي الكائن في حي الحسون بالرقة فور عودتي من منزل أحد الاصدقاء وكنت قد خالجته "بأنه سيتم إعتقالي قريبا هكذا أظن"، وبالفعل فتحت الباب وإذا برجلين يقولان لي بلطف "أنت الفنان حسن مصطفى" فأجبت، فقال : نحن من شعبة المخابرات" ونريدك لمدة ربع ساعة بالفرع" سؤال وجواب ".


يقول الفنان المحامي" حسن مصطفى" صعدت إلى السيارة وتم تعصيب عيوني وقضينا ساعات طويلة حتى وصلنا إلى فرع التحقيق بدمشق التي كانت بدورها لحظة مفصلية في مسيرتي الفنية والسياسية، وكانت تلك الفترة قد شهدت حملة إعتقالات كبيرة طالت العديد من رموز وشخصيات الفن والأدب والسياسة من كافة التيارات، على كامل الجغرافية السورية نتيجة أحداث عصفت بالمنطقة أبرزها حرب الخليج الثانية، وتفكك الإتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية وتيارات التحرر ومؤتمر مدريد.
سجن صيدنايا لم يكن أقل شأناً من السجن الصحراوي "تدمر"، حيث يتألف سجن صيدنايا من سجنين "الأحمر" للمعتقلين السياسيين والمفكرين والأدباء والسجن" الأبيض"، وكنت في السجن الاحمر الذي تعرفت فيه على العديد من الفنانيين والكتاب والشخصيات السياسية من التيارات الفكرية والحزبية والسياسية.


خلال فترة إعتقالي في سجن صيدنايا ونتيجة الأيام الصعبة التي لاقيتها، لم أترك شغفي وولهي بالرسم فكانت أدواتي من موجودات الزنزانة كبقايا الأعواد الخشبية، والجدران التي صقلت بها قدرتي على تصوير الألم والقهر وظلمة الزنزانة و الكبت، أثناء الفسحة او التنفس تعرفت على عدد من الشخصيات الفنية والسياسية الذين قاموا بتزويدي بأوراق بيضاء وأقلام رصاص وبعض الألوان الخشبية، وقمت بتنظيم معرضين للوحات في سجن صيدنايا بالعام 1993و 1994 وكانت من أجمل التجارب التي صقلت قدرتي على خلق الفلسفة الفنية وتجسيد الرسمات بشقيها التجريدي والتشكيلي.

 


ويتابع "مصطفى" : قضيت في صيدنايا عامان ونصف، وإنطلقت بعدها لإقامة أول مرسم محترف في شارع المنصور بالرقة، وانتسبت لنقابة المحامين، إتجهت بعدها كوني إبن المنطقة الفراتية للطبيعة وتصوير الأشياء على ضفاف نهر الفرات، وتولدت مع تلك الفترة مشروع رحلة نهرية كمحاكاة تاريخية "من توتول إلى ماري" عبر سرير نهر الفرات من الرقة الى ديرالزور إلى ريفه الجنوبي، شارك فيها شخصيات ادبية ورمزية وفنية عبر مجموعة من السفن وخلق بيئة طبيعية تعود لحقبة ماقبل الميلاد أثناء مملكة ماري.


من توتول إلى ماري : كسر حاجز الصمت

والرحلة النهرية بدأت من العام 1997 وحتى عام 2008 في طقس صيفي تميز بالفعاليات الفنية والشعرية وإقامة المعارض والتخييم في المناطق الأثرية والطبيعية في الرقة وديرالزور الممتدة على ضفاف نهر الفرات، وتوقفت الرحلة نتيجة الظروف التي مرت بها الرقة مابعد 2011وحتى 2017، وفي العام 2021 بعد تحرير المدينة أعدنا إحياء فعاليات "من توتول إلى ماري" بمشاركة كبرى من المهتمين بالشأن الادبي والفني ولاقت حضوراً كبيراً ومتميزاً.


يتحدث "حسن مصطفى" : خلال فترة داعش بالرقة، كان الفن والرسم يعتبر جرماً خطيراً بحسب ذهنية وأدبيات داعش، وقمت بإخفاء جميع لوحاتي ومرسمي، ونقله إلى منزل أهلي والرسم بشكل سري وإخفاء اللوحات، خوفاً عليها من التنظيم، وبالرغم من تلك الظروف الصعبة إلا أنني لم أتوقف، وكانت اللوحات هي متنفسي الوحيد الذي أبوح من خلاله بما يمر من غطرسة وإرهاب ولغة الدم للتي كنت شاهداً عليها بالرقة.


ولادة جديدة ومسؤوليات جسام:


بعد تحرير المدينة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وبداية تأسيس مجلس الرقة المدني، تواصل معي أصدقاء مقربون وعرضوا علي رئاسة لجنة الثقافة والفن بالرقة، وبالفعل شغلت منصب الرئاسة المشتركة للجنة، وكانت أولى مهماتي هي جمع ماتبقى من أمهات الكتب من مناطق الريف والمدينة التي أصبحت نواة للمكتبة الوطنية بالرقة، والمحطة الثانية كانت إعادة تأهيل الجسر القديم "جسر المنصور" وقد إستطعنا إنجازه وإعادته للعمل وربط المنطقة بضفتي نهر الفرات "شامية وحزيرة" في عام 2019.وكان الحدث الذي لايقل شأناً عن الجسر، هو تأسيس مركز الرقة للثقافة والفنون، وترميم الأوابد التاريخية بالمدينة "" باب بغداد. سور الرافقة. المتحف.


يقول الفنان والمحامي "حسن مصطفى" بعد إعادة هيكلية المجلس المدني بالرقة، تم تعييني نائباً للرئاسة المشتركة للمجلس وهو أمر قد رتب علي مسؤوليات جسام، فالعمل المكلف به قد أخذ مني كامل وقتي وهو ما أبعدني على حياتي الفنية ومرسمي، فكانت تلك الفترة حقبة صعبة من حياتي، وكنت ايضاً من المؤسسين لحزب سوريا المستقبل بالرقة، فكان العمل التنظيمي والإشراف على عمل لجان مجلس الرقة أمراً شاقاً كونها مرحلة إعادة تأهيل للمجتمع ومأسسة وتنظيم بالإضافة لإعادة إعمار في كافة ميادين الحياة، وأما العمل السياسي في حزب سوريا المستقبل والإجتماعات والتنسيق وطرح الرؤى السياسية من خلال لقاءات مع وفود شعبية ورسمية ودولية، وهو ما نأى بحياتي الفنية خلال ثلاثة أعوام سابقة.


الحلم يعود من جديد:

ويتابع "مصطفى" خلال العام 2021 وفي إطار خلق بيئة ثقافية من كافة الشرائح والأجناس الأدبية، انشأنا ملتقى فسحة حوار بالرقة وهو منتدى ثقافي غير حكومي، نقيم فيه على مدار الأسبوع أياماً للفن التشكيلي والرسم والشعر والمسرح والإعلام بمشاركة قامات أدبية سورية، مما رتب علي العودة إلى عالمي الفني، وهو أمر ترددت كثيراً قبل أن اطرحه، لكن شغفي بالفن كان نداؤه أعلى، وعلى إثرها قدمت إستقالتي من منصبي كنائب لرئاسة المجلس، وعدت إلى عالمي الخاص ومرسمي في المنزل،
من خلال تجربتي في إيطاليا كانت هناك أفكار ومدارس سياسية وفنية جمعت بين الطبيعة والسياسة وإرتبطت بشكل وثيق مع الفن، وكان لفترة سجني في صيدنا أثر كبير في تنشأة وصهر الفن والطبيعة والإقتصاد في عالم السياسة فكانت فكرتي في إنشاء حزب يعنى بحماية البيئة والموارد الطبيعية هي هدف حياتي المنشود، وقدمت دراسة لإنشاء أول حزب بيئي مختص بحماية البيئة والموارد الطبيعية بشمال شرق سوريا.

وبعد إعادة هيكلية للإدارة المدنية بالرقة، تم إعادة تعيين المحامي والفنان "حسن مصطفى" رئيساً مشتركاً للجنة الثقافة والآثار في مجلس الرقة المدني.

ليفانت: أسامة الخلف

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!