الوضع المظلم
السبت ٢٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
صبر السعودية الاستراتيجي يُعيد حسابات إدارة جو بايدن
درويش خليفة
ساهم الصبر الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية، منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، في تعديل السياسة العامة للرئيس الأمريكي، لاسيَّما بعد تصريحاته الإعلامية ووعوده بمحاسبة كل من اقترفت أيديهم بانتهاكات لحقوق الإنسان، في إشارة منه إلى عدة دول في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، الخصوم التقليديون لأمريكا.

وتجلّى الصبر السعودي، بإعادة واشنطن حساباتها إزاء سياساتها مع المملكة السعودية، حينما أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن، الكونغرس، بصفقة أسلحة جديدة مع الرياض بقيمة 650 مليون دولار، بحسب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية.

وتُعد هذه الصفقة الثانية بعد إتمامها، حيث كانت الأولى قبل فترة قريبة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وبقيمة 500 مليون دولار، وقد سبق صفقتا الأسلحة الأمريكية للمملكة السعودية في عهد بايدن، توقيع صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار في مايو/ أيار الماضي.

وتتضمن الصفقة الأمريكية السعودية الأخيرة مبيعات لـ280 صاروخ جو-جو من طراز "أمرام" متقدم ومتوسط المدى، تُستخدم في تعزيز القدرات الدفاعية الجوية ولكنها لا تُستخدم ضد الأهداف الأرضية.

وبحسب تقرير لقناة CNN بالعربية، فإنَّ جيش المملكة السعودية يُعتبر من أقوى جيوش المنطقة، حيث يضم في صفوفه 227,000 جندياً عاملاً، بينهم 100,000 من قوات الحرس الوطني وهي قوات برية، إضافة إلى 13,000 من القوات البحرية و20,000 من القوات الجوية.
ووفقاً للمتحدّث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، فإنَّ "صفقة الصواريخ تتسق بشكل كامل مع التزام الإدارة بتعزيز الدبلوماسية لإنهاء النزاع في اليمن، مع ضمان أن السعودية لديها الوسائل للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الجوية للحوثيين المدعومين من إيران.
وهنا يجدر السؤال، ما الذي دفع بايدن وإدارته بالاستدارة نحو الرياض؟ هل هي المماطلة الإيرانية في توقيع اتفاق جديد مع الدول الخمسة زائد واحد، بخصوص ملف برنامجها النووي، أم أنّ هناك استراتيجية جديدة سوف تسلكها واشنطن بإبرام صفقات تسليح مع خصوم طهران في الشرق الأوسط، كتلك التي وقعتها مع الرياض وتل أبيب لإرغام إيران على توقيع الاتفاق الجديد وفق شروط إدارة بايدن، بعد أن تم نُقِض اتفاق 2015 إبَّان ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق «دونالد ترامب»؟

وتشير الاجتماعات الأخيرة التي عُقدت على مستوى كبار المسؤولين في البلدين، الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، إلى أنَّ البراغماتية السياسية ستكون إحدى أهم سمات العلاقات الخارجية الأمريكية، لاسيَّما وأنّ إدارة بايدن تعاني من تراجع في شعبيتها بعد الانسحاب المهين من أفغانستان والخلاف بشأن قضية الغواصات النووية مع فرنسا، وصمتها عن استهداف قاعدتها العسكرية في التنف جنوب شرق سوريا من قبل الميليشيات العراقية الولائية المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني. إضافة إلى ذلك؛ لا تغيب الأزمات عن الإدارة الأمريكية الحالية في قضايا محلية، مثل موضوع البنية التحتية وسقف الديون، وعودة ارتفاع أعداد المصابين بوباء كوفيد-19.

من جهتها، ما تزال القيادة السعودية تنظر بعين الحذر لأي نقلة أمريكية جديدة، بل وتعتبر الخطوات الأخيرة بمثابة إعادة للتوازن الإقليمي بعد كم الفُرص التي منحتها الإدارة الأمريكية للنظام الإيراني، كان آخرها استئناف المفاوضات في ظلّ حكومة الرئيس الإيراني الراديكالي «إبراهيم رئيسي»، وسكوتها عن القرصنة التي تجريها الوحدات البحرية الإيرانية في خليج عدن ومضيق باب المندب الهامين بالنسبة للتجارة الدولية.

ومما لا شك فيه، أنّ تطورات الأزمة الأخيرة بين السعودية ولبنان، جزء أصيل منها سببه سيطرة "حزب الله" اللبناني الهوية، الإيراني الولاء، وتغوّله على الدولة، بل وتصديره الإرهاب عبر تدريبه لميليشيا "أنصار الله" جماعة الحوثي اليمنية؛ التي تستهدف المنشآت الحيوية في المملكة السعودية، وبشكلٍ شبه يومي، كما وتعلم الرياض جيداً دوافع الحوثيين من ذلك، ومن يوجه ويدعم تلك الهجمات. هذا بالإضافة إلى قيام حزب الله بالشراكة مع النظام السوري بتصدير حبوب الكبتاغون المخدرة إلى دول الخليج العربي عبر الأردن الذي أعاد مؤخراً علاقته مع نظام الأسد في دمشق.

ثمة أهداف أخرى لصفقة الأسلحة الأمريكية، تتمثل في مقدمتها، دعوة الرئيس «جو بايدن» لمجموعة "أوبك بلس"، وتحديداً المملكة السعودية وروسيا، لضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية، حيث صرّح حينها وزير الطاقة السعودي الأمير «عبد العزيز بن سلمان» أنه أجرى محادثات مع الولايات المتحدة على كافة الأصعدة، ولكن مجموعة "أوبك بلس" قامت بـ"العمل الصائب"، حيث أبلغ سيد البيت الأبيض في اليوم نفسه أعضاء الكونغرس بصفقة الأسلحة مع السعودية، على مبدأ خطوة بخطوة.

ومن المؤكد أن برنامج بايدن لرفد الاقتصاد الأمريكي وإعادة تأهيل البنية التحتية يحتاج إلى مزيد من الانفتاح على الدول الغنية؛ التي تعتبر دول الخليج العربي إحدى أهمها، وبالتالي عليه فك الطوق الذي ألبسها إياه بتعاطيه مع النظام الإيراني المتهالك ورفعه لميليشيا الحوثيين من قوائم الإرهاب؛ متجاهلاً بذلك العلاقات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بالمملكة العربية السعودية، كما يتوجب عليه التفكير بالعودة إلى النهج الذي أتبعه الرئيس الأسبق دونالد ترامب بعقد الصفقات التجارية والعسكرية مع السعودية على وجه الخصوص والخليج بشكلٍ عام.

درويش خليفة

ليفانت - درويش خليفة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!