-
صحفيٌ ألمانيٌّ يشرح للمحكمة كيف صوَّر الأسد نفسه أهون الشرَّين
لونا وطفة
الصحفي في دير شبيغل والعالِم الإسلامي الألماني كريستوف رويتر كان شاهداً خبيراً في الجلسة السابعة والثلاثين من محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب.
بدأ رويتر بالتعريف عن نفسه. يبلغ من العمر 52 عاماً ويقيم في بيروت، درس في سوريا عام 1989 علوم سياسية وإسلامية واستطاع بحكم أنه يملك تأشيرة خاصة ولأنه يجيد العربية ويعرف سوريا بشكل جيد أن يدخل إليها عدة مرات بعد العام 2011 كمراسل لمجلة دير شبيغل وتحدث عن اعتقال بعض الأشخاص الذين ساعدوه في تلك الفترة وتعذيبهم لفترات طويلة.
تحدث عن مقابلته بداية الثورة العديد من الأشخاص الذين كان يعرفهم مسبقاً بحكم دراسته هناك ولم يكونوا من المعارضة المعروفة وعن أحاديثهم حينها التي تناولت رؤيتهم المستقبلية لسوريا وطموحاتهم وأيضاً مقابلاته مع اللجان المحلية وأشخاص لم يكونوا حينها مع المعارضة العسكرية. كانت غايته حينها معرفة حقيقة ما يحدث ومن يقتل من، ولاحقاً عن صحة رواية النظام عن عدم وجود معارضة بل جهاديين ممولين من الخارج، وما إذا كانت جبهة النصرة موجودة بالفعل أم لا. تحدث عن مقابلته لشخصين من حمص وخاصة من بابا عمرو أخبروه عن وجود نقطة لتجميع الجثث وترميزها وتصويرها ثم نقلها بشاحنات مبردة وكان ذلك في ربيع عام 2012. التقى رويتر نهاية نيسان 2012 بعسكري يبلغ من العمر 18 عاماً وكان بحالة نفسية مضطربة. التقاه بإدلب وأخبره هذا العسكري عن طبيعة عمله حتى شهر آذار 2012 بتوضيب الجثث وتحضيرها للنقل، وعن الكوابيس التي ما زالت تراوده عن الأشلاء حين يستيقظ فجأة وهو يقول "أحمد أعطني تلك الساق، يوسف لايزال لديك قطعة من هذا الجسد" أخبره عن تراكم الجثث والأشلاء وعن رائحتها الكريهة وعن التصوير والتوثيق، وأن ذلك كله كان يحدث في باحة المشفى العسكري. لاحقاً التقى أيضاً طبيباً منشقاً وأخبرهم بذات التفاصيل. سُئل عن طريقة موت هؤلاء الأشخاص فأخبر القضاة أن الكثير منهم كان من منطقة بابا عمرو التي استولى عليها الجيش وقتل المئات والآلاف في ذلك الوقت، وأيضاً قتلى من الحواجز العسكرية وأيضاً من مراكز الاعتقال في الأفرع الأمنية، خاصة الأمن العسكري والجوية في البداية وكانوا هم الأشد ولاءً والأكثر عنفاً. بلغ عدد الجثث حينها بين 30 لـ 400 جثة في اليوم.
وعن سؤاله عن ردة فعل النظام على المظاهرات بداية عام 2011، قال الشاهد بأن ذلك يعتمد على المدينة، ففي دمشق كان الناس أكثر عرضة للاعتقال، لذلك في حي الميدان السُّني والذي كان يعتبر غير موالٍ، كان العنف أكثر احتمالاً مما كان عليه عندما يقوم الناس بمظاهرة قصيرة وسط المدينة. رغم ذلك لم يشهد رويتر مظاهرات في دمشق لأنها غالباً ما كانت قصيرة جدًا وسريعة. لكن في حمص في شهر آب، تواجد مع فريقه بشكل شخصي وشهدوا مظاهرة مسائية وسلمية حضرها رجالٌ ونساءٌ وأطفالٌ والتي كان يتوقع كل من شارك فيها أنه وبمجرد وصول الجيش فإن إطلاق النار سيبدأ. وقال إنه عندما اقترب من الجيش بمظاهرات أخرى كان من الواضح أنهم يطلقون الرصاص وكان هناك قناصون في الشوارع أيضاً يطلقون النار على كل من يحاول الخروج.
أما عن تقسيم ردة فعل النظام على المظاهرات لفترات زمنية فأجاب رويتر عن سقوط المئات من القتلى في الأشهر الأولى، وتحدث عن حالات تكرر فيها إطلاق النار على المتظاهرين والتي أدعى النظام حينها بأن من أطلق النار هم جهاديون وليسوا قوات أمن، كانت غاية الأسد حينها، كما توقع من خلال أحاديثه مع الآخرين، كيف يصور نفسه أهون الشرَّين. مع بداية عام 2012 وإبادة بابا عمرو بدأت الحرب المفتوحة- حرب النظام ضد الشعب كما قال. فوجئ بأن العنف لم يثنِ الناس عن الخروج بالمظاهرات، بل كانت أعداد المتظاهرين تتزايد. كانوا يعلمون أنهم سيعتقلون ويعذبون ولكنهم سيخرجون حيث لم تستمر الاعتقالات ببداية الثورة لفترات طويلة، كان هذا فقط في البداية، ولكن سرعان ما تحول الأمر مطلع العام 2012 إلى اختفاء قسري، إذ كان الأمن يعتقل المتظاهرين ويخفيهم.
في تلك الفترة انصب اهتمام رويتر على الجهاديين كتنظيمات سياسية وحزب الله ككتائب عسكرية ولأجل ذلك اهتم بشكل خاص بعلي مملوك وأمن الدولة لأن مملوك عمل مع آصف شوكت وشارك في نقل الجهاديين الأجانب إلى العراق قبل عام 2011. تحدث عن وجود تسجيلات صوتية للقاءات بين داعش وحزب الله وآخرين عن كيفية صنع سيارة مفخخة وكيفية شن الهجمات. لقد كان مملوك العقل المدبر لهذه الأنشطة وحافظ على اتصالاته مع طهران ولبنان كما يقول الشاهد، الذي تحدث أيضاً عن رؤيته شخصياً لاعتقالٍ تعسفيٍ حدث على حاجزٍ عسكريٍ، لكنه قال أنه أُبلِغ كثيراً عن مثل هذه الاعتقالات التعسفية، سواءً من الحواجز العكسرية أو من الطرقات أو المنازل. وتحدث أيضاً عن الفارق الهائل بعمل المخابرات السورية قبل وبعد 2011 فقال أن مهماتها بشكل أساسي هي جمع المعلومات والتعذيب، قبل 2011 كان هناك الكثير من جمع المعلومات ولكن نادراً ما كان لها عملٌ عسكريٌ، الأمر الذي اختلف كُليَّاً بعد عام 2011 حيث كثرت الاعتقالات والقتل تحت التعذيب على حساب جمع المعلومات. بعد عام 2011 كان هناك استعداداً للعنف والتركيز الكامل للسلطة في أيدي الضباط العلويين.
وعن بداية معرفته برسلان قال أنه كان في عام 2013 بصحبة باحثهم ومترجمهم السوري في الأردن محاولين الدخول إلى درعا، الأمر الذي تعذر عليهم بسبب تشديد المديرية العامة الأردنية على الحدود وعدم رغبتهم بوجود صحفيين أجانب في درعا، لذا استغل الوقت للقاء بعض المنشقين الذين تواجد الكثير منهم في عمان في ذلك الوقت.
التقى رويتر هناك نائب رئيس شرطة درعا سابقاً ويدعى "إ.ج" وهو من أوصله إلى المتهم رسلان بعد أن قال له: "إذا كنت تريد مقابلة شخص يمكنه أن يروي بتفصيل كبير كيف يدير نظام الأسد الإرهاب الجهادي المزعوم، فعلينا أن نلتقي رسلان، رئيس قسم التحقيق في أمن الدولة". وبالفعل التقى رويتر رسلان في شقة الأخير في عمان. جمعهما لقاءان اثنان بتاريخ 13 و 14 من شهر أيار 2013 ولقاءان آخران في ألمانيا عامي 2014 و 2015 لم يكونا ذات أهمية لعدم وجود أي شيء جديد لدى رسلان.
كان محور الحديث مع رسلان في الأردن عن الجهاديين والقاعدة والانتحاريين الذين دخلوا سوريا من عدة دول أخرى مثل ليبيا والسعودية وكيف عبروا الحدود السورية وتسهيل الدولة ودورها في ذلك وقد ذكر ذلك في كتابه الذي أشار له " Die schwarze Macht/ السلطة السوداء" . ثم تحدث معه عن بداية العام 2011 وعن الانفجارات التي حدثت حينها في سوريا وتحدثا خاصة عن انفجار 23.12.2011 في مجمع أمن الدولة في كفرسوسة والذي تلاه اجتماع بين علي مملوك ورسلان حيث قال الأخير لمملوك أنه يريد أن يعرف من أحضر السيارة إلى هذا المكان بالمتفجرات ويريد فتح تحقيق في الأمر، لكن مملوك الذي بدا مرتاحاً جداً بحسب رسلان قال: "لا داعي لذلك" الأمر الذي جعل رسلان يعتقد أن مملوك يريد استعراض الحادثة واستغلالها أمام الرأي العام العالمي لإثبات وجود الإرهاب في سوريا، وقد تأكد رويتر من هذه الحادثة من مصدر آخر وأيضاً جاءته إشارة من مساعد لعلي مملوك أن التفجير كان مدبراً.
تحدث رسلان مع رويتر عن النصرة التي ظهرت وأعلنت عن نفسها كمجموعة جهادية ولكن ذلك لم يكن صحيحاً فهي بحسب قوله لم تكن موجودة.
لم يتحدث الشاهد مع رسلان حينها عن طبيعة عمله السابق في فرع الخطيب لأنه لم يكن محور اهتمامه حينها للقاء رسلان، ولم يتحدثا أيضاً عن التعذيب هناك لأنه كان من الواضح أنه موجود فهو شيء كانا متفقين عليه ضمنياً وليس كلامياً، لكنه أخبره عن أدوات التعذيب بالفرع خاصة الكابل والفلقة. أما عن انشقاق رسلان وأسبابه أخبر رويتر أنه كان منزعجاً جداً من تزوير نتائج التحقيقات وتجييرها لصالح وجود إرهاب في سوريا وأيضاً من التعذيب غير المبرر لأبرياء لا يملكون معلومات بالمطلق، وأيضاً عن فيديوهات مزوة تظهر مجاهدين مزورين صُوِّرت في أبنية المخابرات السورية، وأنه انشق لأنه لا يستطيع دعم التعذيب الجماعي والقتل، بالإضافة لوجوده تحت ضغط كبير بسبب أنه من الحولة ولأن بلدته تعتبر مكاناً ثائراً، فالإنسان في هذه الحالة يكون أمام خيارين إما أن يعطي أكثر من غيره ليثبت ولاءه أو يغادر، وبكل الأحوال لن يكون مصدراً للثقة. وعن عدم انشقاق رسلان في وقتٍ سابق قال رويتر بأن الجميع لديه مشكلة إذا غادر أحدهم، يعني العائلة، ولذلك يجب تأمينهم أولاً وإلا سيُؤخذون كرهائن. بالإضافة لافتراض أن النظام كان سيسقط حينها فأراد البعض البقاء لممارسة دور فعال في سوريا الحديثة، بيد أنه وفي نهاية عام 2012 لم يعد خيار البقاء وارداً وإلا ستكون بالفعل مع النظام. كما أخبره رسلان بأن الضغط زاد عليه بعد عام 2011 لوجود توتر بينه وبين حافظ مخلوف بخصوص رغبة رسلان إطلاق سراح أشخاص لا يملكون أي معلومات، وبأن ديب زيتون دعمه كثيراً في مساعيه في الفترة الأولى ولكن بعد ذلك قال له: "لا أستطيع مساعدتك، مذهبك السُّنِّي مشكلة".
"لقد شعر بالمرارة لأن الأجهزة الأمنية زعمت أن كل سني كان في الأساس غير موالٍ حتى يثبت الخطأ. لقد أساء إليه ذلك لأنه عمل مع النظام لمدة 35 عاماً". قال رويتر بحسب ما يعرفه أيضاً من أشخاصٍ آخرين عن عدم وجود ثقة بالضباط السُّنَّة. كان يتأمل رسلان بحسب رويتر أنه سيستمر بعد الانشقاق بعمله كمحقق سواءً في سوريا أو في مكان آخر لكن ليس طالما بقي الأسد يحكم.
وصف رويتر رسلان بأنه صاحب ذاكرة تصويرية قوية جداً وبأنه استطاع وصف الكثير من التحقيقات والمحادثات والمواقف دون الرجوع لأي ملف، وبأنه لايعرف إن كان رسلان سلَّم شيئاً للمعارضة أم لا ولكنه يفترض ذلك، خاصة أنه سمع من آخرين عن تسليم قائمة بأسماء المفقودين في فرع الخطيب.
سُئل بعدها الشاهد عن تأكيده لوجود تعذيب قبل 2011 وبأن رسلان نشأ في هذا النظام وترقى في التسلسل الهرمي، فكيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين حقيقة أنه لا يستطيع التعايش مع التعذيب؟ فأجاب أن الطريقة الوحيدة للتقدم داخل الدولة هي التكيف مع قواعد النظام. كان هناك الكثير من أمثال أنور البني ومازن درويش ممن أخذوا الجانب الآخر قبل الثورة ولكن لم يفعل الآخرون مثلهم. في حالة رسلان بعد الثورة والمنحدر من الحولة، لم تتواجد أرض محايدة ولا خيار للتقاعد ببساطة، كان عليه أن يقرر الجانب الذي ينتمي إليه. أخبره رسلان أيضاً عن صعوبة فراره لأنه شعر أنه مراقب حينها.
وفي جوابه عن سؤال إن كان رسلان غير مُلمٍ بما حدث في مكان عمله وضمن مسؤوليته، أجاب بأنه لا يتوقع ذلك لأن رسلان شخص شديد الانتباه ولديه ذاكرة خارقة ولا يبدو له كشخص غير مهتم.
انتهت شهادة الصحفي كريستوف رويتر تمام الساعة الثانية والربع من اليوم الثامن من شهر تشرين الأول لعام 2020، الجلسات القادمة في المحاكمة ستكون بتاريخ 27 و28 و29 من الشهر العاشر.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!