الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
بسام سفر

قاوم الشعب الفلسطيني عشرات المشاريع السياسية التي قدمتها الإدارات الأمريكية لـ"التسوية السياسية" مع حكومات الكيان الصهيوني منذ النكبة الفلسطينية في العام 1948حتى الآن, فكل إدارة أمريكية سواءً كانت جمهورية أو ديمقراطية تطرح رؤيتها لكيفية حل القضية الفلسطينية بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية التي تتولى إدارة شؤون "إسرائيل", والأراضي المحتلة منذ عام1967 بما فيها القدس الشرقية.


لكن إدارة الرئيس ترامب حرصت منذ وصولها إلى الرئاسة على عدم تقديم مشروع متكامل لحل القضية الفلسطينية, وإنما قدمت مشروعها على مراحل, وبدأت بتنفيذه منذ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية في (6 كانون الأول, ديسمبر2017), وهي بذلك نفذت قراراً لم تجرأ عليه أي إدارة أميركية وصلت إلى البيت الأبيض, وكذلك أعلنت عن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن" في ورشة البحرين حزيران من العام2019, وكانت قد اعترفت بقرار ضم الجولان السوري إلى "إسرائيل" الذي اتخذه الكنيست في العام1981.


إن كل ما تقوم به أدارة الرئيس ترامب لا يصيب في مصلحة (إسرائيل) فقط، وإنما في مصلحة رئيس حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو بحيث يستطيع النجاح في الانتخابات التشريعية القادمة في آذار من هذا العام (2020) كزعيم يخطى بالأكثرية في الكنيست رغم دعاوي الفساد التي يجري التحقيق بها.


وتقترح الصفقة:- خطة الدولتين:


1- موافقة إسرائيل على إقامة دولة للفلسطينيين تعتمد على الاتفاق الأمني لحماية الإسرائيليين.

2- تضمن الخطة طريقاً للشعب الفلسطيني لتحقيق تطلعات المشروع في الاستقلال والحكم الذاتي والكرامة.

3- يعترف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي, وبأن لليهود حقاً تاريخياً وطبيعياً في جزء من أرض فلسطين.

4- في ظل هذه الرؤية, لن يسمح بإجلاء الفلسطينيين أو الإسرائيليين من منازلهم.

5- للمرة الأولى في تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي, توصل الرئيس ترامب إلى تفاهم يتعلق بخريطة تحدد الحدود لحل الدولتين.


ما يتعلق بالدولة الفلسطينية:


6- إسرائيل وافقت على تجميد النشاط الاستيطاني لمدة أربع سنوات في الوقت الذي يجري فيه التفاوض على إقامة دولة فلسطينية.

7- القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل, ويمكن أن تكون هناك عاصمة فلسطينية في "القدس الشرقية".

8- الصفقة تعطي أكثر من ضعف الأرض الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية.

9- الصفقة تسمح للدولة الفلسطينية باستخدام وإدارة المرافق في موانئ حيفا وأشدود, ومنطقة الساحل الشمالي للبحر الميت, واستمرار النشاط الزراعي في وادي الأردن.

10-ربط الدولة الفلسطينية المقترحة بطرق وجسور وانفاق من أجل الربط بين غزة والضفة الغربية.


ما يتعلق بالأمن الإسرائيلي:

11- تلبي الخطة المتطلبات الأمنية لإسرائيل بالكامل, ولا تطلب من إسرائيل تحمل مخاطر أمنية إضافية, وتمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها بمفردها ضد أي تهديدات.

12- تنص الخطة على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل, مع احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية غرب نهر الأردن.

13- مع مرور الوقت, سيعمل الفلسطينيون مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتحمل المزيد من المسؤولية الأمنية, حيث تقلل إسرائيل من بصمتها الأمنية.


القدس والمواقع المقدسة:

14- الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف.

15- الحفاظ على الدور الخاص والتاريخي للأردن فيما يتعلق بالأماكن المقدسة.

16- جميع المسلمين مدعون إلى زيارة المسجد الأقصى.


اللاجئين:

17- لا عودة للاجئين إلى دولة" إسرائيل", ولا تعويض مالي لهم.

18- يمكن استيعاب اللاجئين الفلسطينيين إما بتطوينهم في الدولة العربية المقيمين فيها, أو تمويل هجرتهم إلى الدول التي تقبل بهم أو بأعداد منهم, على أن تتولى دول الخليج تمويل هذه الصفقة أو مساعدة الفلسطينيين، الذين لن يقبلوا بالاندماج في الدول التي يعيشون فيها.

19- العودة إلى دولة فلسطينية مع خضوع هذا الخيار لقيود.

20- قبول (500) لاجئ سنوياً على مدار (10) سنوات(بواقع 50000 لاجئ) في دول مجلس التعاون الإسلامي التي توافق على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين.

21- عند توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية, فإن وضع اللاجئين الفلسطينيين سوف ينتهي كوجود, وسيتم إنهاء وكالة (غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية) الأونروا, وتحويل مسؤوليتها إلى حكومة معينة.


التفاوض:

22- الأمر متروك للقادة الإسرائيليين والفلسطينيين لاتخاذ إجراءات شجاعة وجريئة لإنهاء الجمود السياسي, واستئناف المفاوضات على أساس هذه الرؤية, وجعل السلام الدائم والازدهار الاقتصادي حقيقة واقعة.

23- إذا كان لدى الفلسطينيين مخاوف بشأن هذه الرؤية, فيجب عليهم طرحها في سياق مفاوضات مع الإسرائيليين والمساعدة في إحراز تقدم.

24- معارضة هذه الرؤية تعني دعم الوضع الراهن اليائس الذي هو نتائج عقود من التفكير القديم. ما يطهر من صفقة القرن.


الدويلة الفلسطينية التي تكاد لا تظهر للمشاهد بدت من خريطة ترامب على صورة نجوم مبعثرة تباعد بينها خمسة عشر مستوطنة يهودية كبرى, أحاطوها من كل الجهات بأرض أهديت لإسرائيل بينها منطقة الأغوار التي تمثل ثلث مساحة الضفة الغربية, وفيها أغلب موارد المياه, ونصف سلة غذاء الفلسطينيين في الضفة, فضلاً عن إعطاء الكيان الصهيوني القدس كاملة بشقها الفلسطيني, وتصدير أجزاء من"أبو ديس" و"حي شعفاط" كعاصمة مقدسية للدويلة الفلسطينية العتيدة, مع أنها خارج القدس الشرقية المحتلة أيضاً.


وبهذا تحقق" صفقة القرن" انتهاك وخرق جميع القرارات الأممية التي سجلتها الأمم المتحدة في محاولة صيانة حقوق الشعب الفلسطيني, وذلك بالسعي للحفاظ على الاحتلال الإسرائيلي على جميع أراضي ومناطق الضفة الفلسطينية عبر إقرار ضم الأراضي الفلسطينية من خلال توسيع وشرعنة ضم القدس والضفة الغربية, خاصة المستوطنات وغور الأردن, وهذا كله يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة, والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان, والقانون الدولي الإنساني, ما يديم ويؤبد المعاناة الإنسانية التي لا يمكن وصفها للشعب الفلسطيني في جميع فئاته, لكن النساء الفلسطينيات هن الأكثر تضرراً إذ تفرض الإقامات الجبرية في البيوت, وتسحب منهن تصاريح "الإقامة" و"لم الشمل", وتوجه لهن أشكال الانتهاكات على نقاط التفتيش في الحواجز, مما يعيق حركتهن ومساهمتهن بالحياة العامة الفلسطينية, ووصولهن إلى الأماكن التي يريدون إليها.


وتحرم" صفقة القرن" نصف الشعب الفلسطيني من حق العودة إلى بلادهم التي طردوا منها وشردوا في أنحاء وأصقاع العالم, وتراوح عدد اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها بعد الإعلان عن قيامها في 1948/5/15 مابين700 إلى800 ألف لاجئ فلسطيني كما جاء في تقرير صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات, وعدد اللاجئين الإجمالي مع غير المسجلين لدى "الأونروا" بلغ نحو (8,990) مليون لاجئ, ما نسبته (67,4%) من مجموع الشعب الفلسطيني.

وأوقفت الإدارة الأميركية تمويل الأونروا واعتبرت أنه لم يعد لوجودها ضرورة لرعاية فلسطيني الشتات في الدولة المحيطة بفلسطين, وكذلك مخيمات اللجوء داخل الضفة الفلسطينية وقطاع غزة, وأعلنت الإدارة الأميركية أن المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية ليست"غير شرعية" ولا" تخالف القانون الدولي".


وعملت الإدارة الأميركية على أن تكون" صفقة القرن" منافية لحل الدولتين, وتحاول إلغاء قرار الأمم المتحدة"194" الذي اتخذته الجمعية العامة في (11كانون الأول,ديسمبر) سنة 1948.


فالوعود التي اتخذت بضرورة وجود دولة فلسطين كما وردت في قرارات الأمم المتحدة واتفاق أوسلو كلها تلغيها "صفقة القرن"، وبدل أن تلعب الإدارة الأمريكية دوراً كبيراً في تدعيم الاستقرار واتفاقيات السلام التي وقّعت بين السلطة الفلسطينية وحكومة الكيان الصهيوني تكون الإدارة الأميركية سعت لتكريس حل أحادي الجانب تعترف بموجبه بالوضع القائم.


إن ما تقدمه" صفقة القرن" على أنه "دولة فلسطينية" هو حكم إداري ذاتي قد تنتهي بعد أربع سنوات من المفاوضات إلى "دولة ذات حدود مؤقتة", تعيش داخل الكيان الصهيوني, وتحت هيمنة السياسية والأمنية والاقتصادية قياساً بالوضع الحالي, مع مزيد من الوعود للفلسطينيين بتحسين شروط حياتهم.


أن صفقة القرن تزيد من التوتر في المنطقة خصيصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة, وعند محاولات تطبيقها مصدراً لتصعيد الصراع وعدم الاستقرار, وهذا ما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني بكافة فئاته تحت الاحتلال الإسرائيلي.


ولكي تستطيع الحالة الفلسطينية التصدي لصفقة القرن يجب تسريع المصالحة الوطنية الفلسطينية التي هي مفتاح المقاومة الفلسطينية في المرحلة الراهنة, والشروع في معركة مواجهة مخاطر صفقة القرن في الضفة الغربية على الأرض, ومنع مصادرة المزيد من أرضيها, ومقاطعة اللقاءات الأمريكية والإسرائيلية في نقاش صفقة القرن, وليس الاستمرار في لقاء الشخصيات الدبلوماسية والأمنية الأمريكية التي كان آخرها في بداية شهر شباط الحالي حيث زارت "جينا هاسبل" رئيسة CIA رام الله, والتقت اللواء ماجد فرج رئيس الاستخبارات الفلسطينية, وجاء اللقاء على خلفية إعلان" صفقة القرن"، لينقل لها فرج رسالة تؤكد "أن العلاقة بين قوات الأمن الفلسطيني ووكالة الاستخبارات المركزية ستستمر ولن تتضرر" وكذلك ألقت هاسبل مسؤولين فلسطينيين آخرين لم تذكر أسماءهم.


أن مواجهة الصفقة تحتاج إلى انتفاضة جديدة سلمية في كافة أنحاء الضفة الغربية الفلسطينية, وتصعيد المواجهة السلمية في قطاع غزة بالاشتباك مع قوات الاحتلال على الحدود الغزاوية, وهذا الأمر يحتاج إلى غرفة عمليات وطنية مشتركة بين القوى والفصائل والسلطة الفلسطينية لكي تتجاوز الواقع غير الصحي في المؤسسات الوطنية الفلسطينية, وفق إستراتيجية تقوم على الانتفاضة والمقاومة السلمية، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثلة الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده.


وكذلك المطلوب من الأمم المتحدة أن تلعب دوراً مركزياً في الدعوة إلى وقف كل أشكال العنف والتسليح, والطلب من جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية احترام القانون الدولي كخطوة ضرورية وشرط مسبق للبدء بعملية سلمية تشاركية شاملة وشفافة في المنطقة تضمن مشاركة فئات من غير السياسيين من نشطاء المجتمع المدني في كافة المجالات, والعمل من الأمم المتحدة على مساءلة الدول ومحاسبتها عن الانتهاكات التي ترتكبها بحق النشطاء في كافة الحقوق المقرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الاقتصادي والاجتماعي.


بسام سفر  - كاتب وصحفي سوري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!