-
طالبان أولوية قطرية
فهم الدور القطري لا يمكن أن يتم بمعزل عن فهم السياسة الأمريكية. قطر التي تتواجد فيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم، حسب كثير من التقديرات. الدور القطري في بعض الأحيان يختلف مع السياسة الأمريكية في ملفات ليست مفصلية بالنسبة لواشنطن. كحال كل أنظمة الشرق الأوسط. لكل علاقة أمريكية مع أي نظام شرق أوسطي وظيفة، المحدد فيها هي واشنطن ومصالحها.
مثال يبدو حتى اللحظة هو مشكلة بعض الباحثين في الموضوع، وهو علاقة قطر بتنظيمات الإسلام السياسي، العنفي منها والسلمي. قبل أن يفتتح الباحث هذا الملف عليه أن يجيب عن سؤال: هل هذه العلاقة بعيدة عن واشنطن؟ قطر تدير هذا الملف بما يشبه التنسيق مع واشنطن، بمعزل عن موضوع الصح والخطأ الذي لا تخضع لها مصالح الدول الكبرى، وعلى رأسها واشنطن، ولا الأنظمة الشرق أوسطية. هنالك مصالح ونفوذ وصراعات بينية بين هذه الأنظمة أيضاً. هذه الصراعات البينية مضبوطة إلى حدّ كبير أمريكياً. رغم محاولات روسيا والصين وأوروبا الغربية الدخول على خط هذه الصراعات، لكن المتتبع لتفاصيل هذه الصراعات يجد أنّها لا تؤثر على مصالح واشنطن، إن لم نقل إنها مضبوطة أمريكياً. عندما تسلمت طالبان الحكم أول مرة في أفغانستان 1996 اعترفت بها أربع دول، هي باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأمريكا، التي تراجعت سريعاً، كما تراجعت بعدها الإمارات والسعودية. في تلك الأثناء لم تعترف قطر بنظام طالبان.
الآن تغيرت الأوضاع والاصطفافات نتيجة لتغير العلاقة بين دول الخليج من جهة، وتغير الموقف الأمريكي من جهة أخرى، حيث باتت قطر اللاعب الخليجي الأوحد أمريكياً في أفغانستان. رغم استقبال دولة الإمارات للرئيس الأفغاني المخلوع أمريكياً وطالبانياً. في الحالتين كانت أمريكا حاضرة بقوة، سواء عام 1996 أو في حالتنا الراهنة. الملف الآخر الذي يمكن التطرّق له أيضاً لفهم السياسة القطرية هو ملف العلاقة القطرية مع طهران. هذه العلاقة التي تجد استحساناً أمريكياً أيضاً. إيران التي تتشارك حدوداً تمتد إلى 945 كم مع أفغانستان، أيضاً معنية جداً بهذا الملف وبتغييراته. كما لباكستان الكثير لتكسبه أو تخسره جراء تغيير السلطة في كابول، إذ يشترك البلدان في حدود طولها 2400 كم، كما أن هناك 1.4 مليون لاجئ أفغاني في باكستان، والكثير منهم يعيشون هناك بدون أوراق رسمية، لذلك قد تخسر الكثير من حالة عدم الاستقرار في أفغانستان. أيضاً الصين لها حدود تصل لـ76 كم مع كابول. كذلك الحال تتشارك كابول الحدود مع أوزبكستان 144 كم. أوزبكستان التي تعتبرها روسيا حدوداً روسية مع كابول.
قطر، اللاعب الأساسي، لا تمتلك حدوداً جغرافية مع كابول. لكن السؤال هل قطر فعلاً هي اللاعب الأساسي هناك؟ هل حضورها أقوى من أمريكا وأوروبا الغربية؟ أم لأنها مصدر المال في تغطية نتائج الاتفاق الأمريكي الطالباني؟ من يلاحظ خارطة الحدود الأفغانية، يدرك الاشتباكات التي يمكن أن تحدث. قطر الدولة الوحيدة الآن التي أعلنت وتعلن دعمها لحكومة طالبان، تتباحث نيابة عنها مع كثير من الدول من أجل الاعتراف بالحكومة الجديدة. كما أنه من المبكر الحديث عن اشتباك أمريكي صيني في أفغانستان. وإن كان الكثير من المحللين يميلون إلى أن أحد أسباب انسحاب أمريكا من كابول هو خلق مشكلة مع الصين تتعلق بمسلمي الإيغور. باعتقادي هذا ملف ثانوي.
الصراع مع الصين، كما يحب بعضنا تسميته، هو تنافس اقتصادي ضارٍ، تفتقد الصين فيه الكثير من مقومات نجاحها فيه. وسيبقى كذلك إلى مستقبل غير منظور. ليس من مصلحة أمريكا أن تطور هذا التنافس إلى أشكال أخرى أقلّه في المدى المنظور. ضمن هذه اللوحة السريعة يمكننا فهم الدور القطري في دعم طالبان. ربما تستطيع قطر لعب دور جديد في استمرار الأفغنة التي أسست لها أمريكا لإرباك تلك الدولة وشعبها والدول المحيطة بها. هل سنجد مثلثاً أمريكياً إيرانياً قطرياً في دعم استمرار حالة الأفغنة أم نجد محاولة إلى إعادة استقرار ما في ظل طالبان؟
ملاحظة أخرى: قطر لا تدعم فقط الإسلام السياسي، بل تدعم أيضاً تيارات ليبرالية وعلمانية. مما يعني أنه في النهاية الهدف هو البحث عن نفوذ. من النافل القول إن قطر أعادت علاقتها بالقاعدة وبعض تفريعاتها، لأنّها لم تنقطع أساساً. هذا أمر ليس بخاف على صنّاع القرار في العالم أجمع. البحث عن نفوذ يتم وفقاً لكل بلد على حدة، تارة عبر الإسلام السياسي، وتارة عبر تيارات أخرى، وتارة عبر شراكات اقتصادية. لكن هذا النفوذ الذي تبحث عنه قطر محدود بحدود شراكتها مع أمريكا. فهل سيخلق هذا النفوذ مشكلة قطرية باكستانية أيضاً؟ لا أجد أن لباكستان مصلحة في رفض الدور القطري حتى الآن.
ليفانت - غسان المفلح
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!