-
غزة بين إنقاذها مصرياً.. والإتجار بها تركياً وإيرانياً
مع اندلاع المواجهات في القدس، وتحديداً في حي الشيخ جراح، سعت دول إقليمية، وعلى رأسها تركيا وإيران، إلى صب الزيت على النار، وهو ما اعتادت عليه دائماً، للظهور أمام شعوب المنطقة بموقف المدافع عن المقدسات الإسلامية، فطهران لا تكف عن تسليح الفصائل الفلسطينية، رغم إدراكها بعجزها عن هزيمة تل أبيب عسكرياً، وأنّ سلاحها ذلك لن يرتد إلا على الفلسطينيين، قتلاً ودماراً، فيما أنقرة اعتادت أن تستعرض عضلاتها وبطولاتها الخلبية، لكن دون أن يكون لذلك أي تأثير على صفقاتها وتعاملها التجاري والاقتصادي مع تل أبيب.
تركيا والتطبيل للحرب من بعيد
ففي الحادي عشر من مايو الجاري، قال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، إنّ "معادلة ربط غزة بالقدس ثابتة ولن تتغير"، مضيفاً أنّ "حماس قررت أن تستمر ما لم توقف إسرائيل العدوان"، وبذلك بدا واضحاً أن قرار الحرب اتخذ من قبل حماس (الفرع الفلسطيني لتنظيم الإخوان المسلمين)، علماً أن القول الفصل في قضية ربط غزة بالقدس، يبقى لعموم الفلسطينيين، الذين تتحكم بقرارهم في غزة، مليشيا مُسلحة، حالها في ذلك حال لبنان، في ظلّ افتقاد الجانبين (اللبناني والفلسطيني) إلى دولة من المفترض أن يقع على عاتقها قرار السلم والحرب، وأن لا تكون البلاد، بالتالي مُجبرةً على خوض الحروب، إرضاءً لنزوات قادة تلك المليشيات، ومن يقف خلفها تسليحاً وتمويلاً في طهران وأنقرة.
اقرأ أيضاً: مصر والسودان تحاصران الإخوان.. ودول غريبة تلحق بركبهم
فالأخيرة، دعا رئيسها أردوغان العالم والدول الإسلامية، للتحرّك من أجل وقف اعتداءات إسرائيل على المقدسات والفلسطينيين في مدينة القدس، قائلاً، في الثامن من مايو: "ندين بشدة اعتداءات إسرائيل السافرة على المسجد الأقصى والمتكررة كل عام في شهر رمضان"، وأضاف أنّ كل شخص دعم بشكل غير مباشر هجمات إسرائيل على الأقصى من خلال الصمت أو عدم إظهار موقف جدير بالاحترام، شريك في الظلم الواقع على القدس، فيما حملت وزارة الخارجية التركية، إسرائيل، جلّ المسؤولية عن تصاعد العنف في قطاع غزة.
وفي السابع عشر من مايو، قال أردوغان إنّ "ساسة إسرائيل يفتخرون بالقتل"، معتبرا أنّ "ما يحصل (في قطاع غزة) عمليات إرهابية تنتهك حقوق الإنسان"، متجاهلاً أنّ تركيا نفسها هجرت مليون سوري من شمال سوريا، بجانب تدميرها لعموم المدن السورية، عبر دعم وتسليح مليشيات متطرّفة عاثت في الأرض فساداً على مدار عقد من الزمان، إرضاءً لمشروع العثمانية الجديدة.
اقرأ أيضاً: المُتاجرة بخاشقجي.. التخلّي التركي بُرهان جَليّ على زيف المزاعم (الجزء 4)
كما لم يتوانَ أردوغان عن انتقاد دعم الرئيس الأمريكي، بالقول: "بايدن يقدم الدعم العسكري لإسرائيل ثم يأتي للتحدّث عن السلام"، قائلاً إنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يداه "ملطختان بالدماء"، لكنه تجاهل كذلك الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين تركيا وإسرائيل، والتي تكفل للطيارين الإسرائيليين التدرب في الأجواء التركية، بجانب نقل التقنيات العسكرية الإسرائيلية إلى تركيا، والتي مكنتها من تطوير صناعاتها العسكرية.
إيران وميلشياتها.. وزوال إسرائيل
أما في إيران، فلم يختلف الوضع المزاود عن تركيا كثيراً، إذ أطلقت طهران الكثير من التصريحات التي تصب الزيت على النار، ففي العاشر من مايو، زعم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، أنّ "إيران لن تتخلى عن واجبها تجاه القدس والمسجد الأقصى"، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل دخلت مليشيات إيران على الخط، فأعلن المدعو أبو ياسر، المعاون الجهادي لزعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، بتاريخ الحادي عشر من مايو، جهوزية التيار لـ"الدفاع" عن المسجد الأقصى.
اقرأ أيضاً: العنصرية التركيّة تُحارب بالمياه.. من شرق الفرات إلى عفرين
الأمر عينه ذهب إليه الأمين العام لمليشيا "النجباء" في العراق، أكرم الكعبي، الذي قال إنّ أیدي "المقاومة" العراقية تطال عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، مدّعياً الاستعداد للتعاون مع "المقاومة" الفلسطينية، وتكرر الأمر عينه مع مليشيا "حزب الله" اللبنانية، التي زعمت أنها جاهزة لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل إذا طلبت منه فصائل المقاومة في غزة ذلك، وبالصدد، توجه قائد "فيلق القدس"، التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، في الخامس عشر من مايو، بالدعوة للفلسطينيين إلى الاستعداد لاستلام إدارة بلادهم عقب "زوال إسرائيل"، على حد وصفه، متناسياً عجز إيران عن الرد على الضربات الموجعة التي تتلقاها بين الفينة والأخرى من الموساد.
اقرأ أيضاً: أردوغان وإسرائيل.. مُزاودات بالأخلاق ومُنافسة على الجرائم
فيما قال القائد العام للجيش الإيراني، اللواء سيد عبد الرحيم موسوي، إنّ "عملية سيف القدس تعطي بشائر بتحرير القدس الشريف قريباً"، وأضاف: "عندما وعد قائدنا الحكيم (مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي)، بأن عهد إسرائيل لا يتعدّى الـ25 عاماً القادمة، ربما لم يكن يتصور الكثيرون بأن ذلك يحدث في ما نشاهده اليوم بهذه السرعة"، على حدّ زعمه، لتنتهي المعركة بعد 11 يوماً، وتذهب كل تلك الترهات الإيرانية أدراج الرياح، إذ ما لبثت أن توفقت أنقرة وطهران عن التحريض، علماً أنّه من المفترض أن الحرب بين غزة وتل أبيب ما كانت يجب أن تتوقف، قبل إبادة إسرائيل ورمي كلّ اليهود في البحر، كما يزعم متزعمو النظامين.
مصر.. وإنقاذ غزة
لكن تبقى كل تلك التصريحات التركية الإيرانية، ليست إلا ضرباً من ضروب المزاودة، ومحاولة للتنفع وإبراز ذواتها بموقع المقاوم الممانع، رغم أنّ الجانبين يمرران أجنداتهما فقط ويحاولان كسب النقاط، فأنقرة من خلال الضغط السياسي، حاولت القول لتل أبيب إن العلاقة معها مفيدة لتقليص حجم الغضب الفلسطيني، وبالتالي إرغامها على مصالحة أنقرة.. فيما إيران سعت من خلال تسليح حماس، إلى الضغط العسكري على إسرائيل، بغية استخدامها في ضرب إسرائيل، لعجزها عن الرد مباشرة على الهجمات التي تتعرض لها بين الفينة والأخرى، كالضربات التي وجهت لمُنشأة نظنز وغيرها من المواقع النووية.
لكن الجانب العربي بدوره، لم يعد غافلاً عن الأدوار التي كانت تلعبها أنقرة وطهران، وعليه كان الخيار المصري واضحاً لجهة سحب البساط من أسفلهما، من خلال التدخل كطرف محاور ساعٍ للسلام، إنقاذاً لغزة ومنعاً لمواصلة تدميرها، فصرّح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في السابع عشر من مايو، بأن القاهرة تواصل جهودها للتوصل لوقف إطلاق النار يعفي الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية، فيما أعرب سفير فلسطين لدى القاهرة، دياب اللوح، عن شكره لمصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي، على الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية، مؤكداً أنّ "هذه هي مصر التي تحافظ على دماء الشعب الفلسطيني".
اقرأ أيضاً: العثمانية أو الصفوية.. الإخوانية أداة قابلة للتحوّر شرط التنفّع والبقاء
ولم يقتصر الأمر على محاولة الحل السياسي، بل تعدّاها إلى الدعم الطبي والمالي، فأعلن صندوق تحيا مصر التابع للرئاسة المصرية، في التاسع عشر من مايو، عن إصدار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، توجيهات لتخصيص حساب في كل البنوك المصرية، لصالح غزة، بجانب مُبادرة الـ500 مليون دولار لإعمار غزة.
وعقب جهود مضنية، و11 يوماً من الحرب المُستعرة، استطاعت مصر دفع الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) مع فجر يوم الجمعة/ الواحد والعشرين من مايو، إلى تطبيق سريان وقف إطلاق النار، وقد أشاد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالدور الذي أدّته مصر، وعليه جاء البرهان جلياً على من يُتاجر بغزة ويحولها لمحرقة، وبين من ينقذ غزة ويطبطب على شعبها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!