-
في شمال سوريا.. اللامشروع الأمريكي بمواجهة العثمانية الجديدة
حالة من التضارب في المصالح تارةً، واتفاق ومحاولات للحلّ تارة أخرى.. حديثٌ عن انعدام استراتيجية أمريكية في سوريا، والعمل فقط وفق ما تقتضيه المعطيات على أرض الواقع لمواجهة إرهاب داعش وأخواتها من جهة، مقابل استراتيجية تركية واضحة وصريحة في محاولة سلب سوريا عبر تنظيمات الإسلام السياسي، من خلال السعي لإزاحة النظام السوري، تقلص فيما بعد إلى مجرد مُحاربة الكُرد السوريين (رغم زعم أنقرة عكس ذلك)، ومنعهم من تحويل انتصاراتهم العسكرية في مواجهة داعش، إلى نجاحات سياسية، قد تتضمن تعديل النظام السياسي السوري من مركزي إلى آخر لا مركزي.
ذلك بعضٌ فقط مما يجري على الساحة السورية، من أحداث سياسية، وتحديداً منذ أن تقلد جو بايدن الحكم في يناير العام 2021، وهو ما تنبأ به مجموعة من المحللين، من تضارب اللامشروع الأمريكي مجهول المعالم في سوريا، والمشروع التركي واضح المعالم.
محاولات للحصار الإنساني
ذلك التضارب، خلق نوعا من المناكفة بين الطرفين، امتد من السياسة إلى العسكر إلى الحصار، من خلال محاولات روسيا ومن خلفها تركيا، في مواصلة إيصاد المعبر الرسمي في شمال سوريا، مع إقليم كوردستان العراق، وبالتالي عدم قبول مرور المساعدات الإنسانية منه صوب مناطق شمال وشرق سوريا، والذي تقدمه المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وهي جهة ينبغي أنها لا تمتثل لرغبات السياسيين، لكن ذلك ما حصل في يوليو الماضي، عندما جرى إقرار الإبقاء على معبر باب الهوى كمعبر وحيد بين سوريا وتركيا، لنقل المساعدات الإنسانية للداخل السوري.
اقرأ أيضاً: طالبان تدنو من قلب موسكو.. ونيل الاعتراف منها
في حين كانت واشنطن تسعى إلى إيجاد معبرين لإدخال مساعدات إلى إدلب وشمال شرق سوريا، وقد قال نائب سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة "جيفري بريسكوت" في الحادي عشر من يوليو، أن بلاده تعتقد أن هناك فرصة لتوسيع عمل المعابر الحدودية شمال وشمال شرقي سوريا، ومنها اليعربية، وأوضح أن الولايات المتحدة تدعم زيادة عدد المعابر الإنسانية، وخصوصاً اليعربية مع العراق، بسبب ازدياد الحاجة إلى المساعدات الصحية والإغاثية، لكن تلك التصريحات لم تجد آذاناً صاغية حتى الساعة.
استهداف أنقرة وأدواتها
وإن كانت قضية المعابر قضية دائمة الطرح، فإن ما طرحته الولايات المتحدة في الأول من يوليو، لم يكن كذلك، عندما استهدفت تركيا بإدراجها على القائمة الأمريكية للدول المتورطة في تجنيد الأطفال، وذلك نتيجة علاقات السلطات التركية مع مليشيا "فرقة السلطان مراد"، إذ عرضت وزارة الخارجية الأمريكية، تقريراً باسم "الإتجار بالبشر عام 2021"، أدرجت تركيا ضمنه، ذاكرةً أن "تركيا تقدم دعماً ملموساً" لـ"فرقة السلطان مراد" في سوريا، وهي مليشيا مسلحة تتلقى الدعم من أنقرة، أكدت الخارجية الأمريكية إنها جندت واستخدمت أطفالاً كمسلحين.
اقرأ أيضاً: الجيش التركي خارج الحدود.. الخسائر متكررة والعبرة في سوريا
ثم عادت واشنطن لاستهداف أداة ثانية لأنقرة في سوريا، في الثامن والعشرين من يوليو، عندما قررت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على مليشيا "أحرار الشرقية"، نتيجة جرائم ارتكبتها في شمال شرق سوريا، ومنها إعدام السياسية الكردية السورية هفرين خلف، رئيسة حزب سوريا المستقبل، وهو ما رحبت به قوات سوريا الديمقراطية، معتبرةً ذلك "خطوة أولى ومنسجمة مع نداءات المنظمات الحقوقية نحو مساءلة شاملة لكافة الجرائم التي ارتكبها الفصيل وقادته بحق السكان في شمال وشرق سوريا وكافة المناطق السوريّة الأخرى"، داعيةً المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى مواصلة الضغط السياسي والقانوني على التنظيمات الأخرى الشبيهة وداعميها على خلفية "الجرائم المرتكبة".
تنسيق روسي تركي في مواجهة أمريكا
ومما لا شك فيه أن الجانبين التركي والروسي ينسقان خطواتهما معاً، ويبدو أن هدفهما المشترك، هو محاولة إخراج الولايات المتحدة من الساحة السورية، للانفراد بها، وبالتالي خلق حلّ يناسب طموحات الطرفين، يبدو أن أشدها رغبةً في تركيا، هو التوغل بعمق 35 كم داخل الأراضي السورية، على طول الحدود، ما سيعني تهجير كل السكان من المُكون الكُردي، كون غالبية المناطق الكردية موجودة ضمن ذلك العمق، وعليه جاء الاجتماع الأخير لمفاوضات استانا بين روسيا وتركيا وإيران، في الثامن من يوليو الماضي، ليطالب مجدداً بحماية سيادة سوريا ومكافحة الإرهاب والمخططات الانفصالية على أراضيها.
اقرأ أيضاً: روسيا والاختبار الإسرائيلي في سوريا.. إخراج إيران أو القصف
هكذا وبتلك البساطة، اختارت 3 أطراف أجنبية، أن تحدد مصير السوريين، مُتحدثةً عن سيادة مزعومة، ما كان لتلك الدول أن تجتمع لو كانت قائمة، بجانب أن محاربة المخططات الانفصالية يفترض مواجهة من يرفع علم دولة أجنبية كمليشيات "الجيش الوطني السوري"، التي ترفع العلم التركي، وحولت اللغة والعملة التركية والمؤسسات التركية إلى أمر واقع ضمن المناطق التي تستولي عليها في شمال غرب سوريا، هذا عدا عن قتالها خارج الحدود السورية كـ"مرتزقة"، رغم أن قتالها ضمن الحدود السورية لا ينفي تلك الصفة عنهم، ما داموا يقاتلون لخدمة الأجندة التركية والمشروع التركي الجليّ.
تعزيزات أمريكية وقصف تركي
لكن تلك المفاوضات، التي حملت بنوداً عدة، كل بند فيها يخدم دولة من الدول الثلاث (روسيا، تركيا، إيران)، لا يمكن أن تقدم أي حلّ للسوريين، سوى تقاسم الكعكة السورية، فيما لو قررت واشنطن الانسحاب، أو العمل على دفعها للانسحاب، الأمر الذي يبدو مستبعداً وفق الإشارات الأمريكية، والتي كان منها في منصف يوليو، عبر تعزيز الوجود العسكري الأمريكي، وهو ما كشفته تقارير عدة، عن دخول أرتال عسكرية أميركية متلاحقة، محملة بأسلحة وذخائر ومعدات لوجستية، لا تزال مستمرة حتى الوقت الحاضر.
ليأتي الرد تركيا، من خلال استهداف الطائرات المسيرة لمواقع ومركبات عسكرية تابعة لقسد، بجانب تجديد القصف على مناطق محددة في شمال شرق سوريا، ومحاولة تسجيل تقدم ميداني لمسلحي "المليشيات السورية-التركية"، ومنها مناطق تل تمر وأبو راسين بريف الحسكة.
اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون في تركيا.. جوكر للسلطة بمختلف الجبهات
كما تحوّل القصف العسكري إلى قصف دبلوماسي، عندما قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في السابع من سبتمبر، إن "الوجود الأمريكي في سوريا، مرتبط بوجود حقول النفط هناك، أما تركيا فموجودة لأن لها حدوداً مشتركة مع سوريا وتريد مكافحة الإرهاب"، وبالتالي نسف الجانب التركي الرواية الأمريكية القاضية بأن وجودها في سوريا، هو بالأساس لمحاربة الإرهاب الداعشي الذي رفضت أنقرة محاربته، ومنح الشرعية لنفسها في استهداف الأراضي السورية.
وبالمنطق التركي، فإن "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" وجهان لعملة واحدة، علماً أن تصنيف "داعش" كمنظمة إرهابية متوافق عليه عالمياً، في حين أن هناك توافقاً عالمياً كذلك على "قسد"، لكن كجهة سورية حاربت الإرهاب وهزمته، وهو ما يتعارض مع أحلام تركيا بتصنيف تلك الجهة العسكرية وفق ما يتوافق مع مصالحها.
صفعة أمريكية لـ تركيا
ولعل الصفعة الأقوى التي تلقتها تركيا من واشنطن، كانت في الرابع عشر من سبتمبر، عندما اعتبرت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز أن التهديد الأكبر لبلادها من الإرهاب الدولي، ينبع من دول مثل اليمن والصومال وسوريا والعراق، وليس أفغانستان، في إشارة ضمنية إلى بقاء واشنطن في تلك المناطق أو بالقرب منها، وهو آخر ما كانت أنقرة ترغب في سماعه.
وما كان من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب ذلك، إلا أن يتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن بنقل الأسلحة والذخائر إلى المنظمات الإرهابية في سوريا، متعهداً بأنه لن يقف مكتوف الأيدي، داعياً واشنطن في السادس والعشرين من سبتمبر، إلى الانسحاب من سوريا والعراق، تماماً كما غادرت أفغانستان قبل ذلك، ما يشير بجلاء إلى رغبة تركيا في التمدد داخل الدولتين، الأمر الذي تعرقله واشنطن بوجودها العسكري والسياسي هناك.
اقرأ أيضاً: نساء أفغانستان.. التسويف استراتيجية طالبان لسلب حقوقهن
وعليه، يبدو أن واشنطن التي يزعم أنها لا تمتلك مشروعاً في سوريا، تمتلك ما قد يكون أعمق من أي مشروع آخر، بدليل أنها ليست مضطرة إلى الدخول في مواجهة سياسية عاتية مع شريكها الأصيل في الناتو لو لم يكن لها مشروع، خاصة أن التحركات الأمريكية ممتدة من رئاسة أوباما إلى ترامب (الذي ورغم علاقته الطبية مع أردوغان، فشل في تطبيق انسحاب شامل من سوريا) وصولاً إلى رئاسة بايدن.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!